إن أحسن طريقةٍ لمكافحة الفساد المالي والإداري الذي تكلّم عنه تقرير ديوان الرقابة المالية، يمكن استلهامها من طريقة عمل وزارة البلديات والتخطيط العمراني، بالعمل على إعداد برامج توعوية من خلال وسائل الإعلام للمحافظة على السواحل والفشوت.

ويمكن بدء الخطة بالبرامج التوعوية الإذاعية، لأنها تخاطب الأذن والعقل، على أن تمدها وتسندها البرامج التلفزيونية، لتأثيرها الكبير على الجمهور، لأنها تخاطب العين وتشبع الحاسة البصرية.

هذا من جانب الإعلام المرئي والمسموع، أما الإعلام المقروء، فيمكن تكليف عددٍ من الكتاب المتفرغين حالياً ومنذ سنوات طوال، لشتم وتخوين الجمعيات المعارضة واتهامها بكل المنكرات، ليكتب كلّ واحدٍ منهم، ولو مقالاً واحداً في الأسبوع، ليحث على عدم التعدي على المال العام. وفي هذه الحالة سيكون عندنا سبعون مقالاً أسبوعياً على الأقل، وهو ما سيخلق ثقافةً عامةً، ورأياً عاماً مناهضاً للفساد، وسيبدأ التأثير الناعم على من تسوّل له نفسه في ارتكاب أي فساد مالي أو إداري.

إن معالجة الفساد المالي والإداري يحتاج إلى تكاتف جهود كافة أطراف المجتمع، ويمكن أن تقوم الجمعيات الإسلامية بعمل كتيبات صغيرة، من الورق المصقول الذي يشجّع على القراءة، بحيث يتضمن الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدّث عن ضرورة النصح للمسلمين، وعدم خيانتهم حتى في درهم واحد، والمحافظة على أموالهم، ويؤمل أن يكون لذلك تأثير كبير إن شاء الله، على نفسيات كل من تسول له نفسه بارتكاب فساد مالي أو إداري. وحبذا لو تمّ الاستشهاد بآياتٍ قرآنية، خصوصاً تلك التي تتكلّم عن جهنم والعذاب الشديد، وملائكة العذاب الذين يحملون في أيديهم مقامع من حديد، يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود. فهذه آياتٌ مؤثرةٌ جداً، ومن المؤكّد أنها ستؤثّر على الكثيرين من المتهمين بالفساد المالي والإداري.

بالإضافة إلى الكتيبات، يمكن عمل كاسيتات دينية، تحث على عدم السرقة أو أخذ مال الغير، والزهد في الدنيا، وأن تحب لغيرك من المواطنين كما تحب لنفسك أو لعائلتك. ويمكن طبعها على (سيديّات)، أو توزيعها في (فلاشات ميموري)، ليمكن سماعها وأنت في السيارة.

وفي هذا السياق، يمكن الاستعانة ببث بعض الأدعية الروحانية التي ترقّق القلب، في أعقاب أذاني المغرب والعشاء، حيث ساعات ذروة المشاهدة، للتذكير بضرورة الحفاظ على أموال المسلمين، في أي منصبٍ كنت، وفي أية وزارة عملت، وعدم التلاعب بالمناقصات، أو تربيح أحدٍ من عائلتك أو معارفك في توريد أجهزة، أو إرساء مناقصة بطريقة غير قانونية، فذلك مما يُحاسب عليه القانون في الدنيا بالسجن أو الغرامة المالية، ويحاسب عليه الله في الآخرة بالعذاب الأليم.

ومن الطبيعي أنه لا يمكن الاكتفاء فقط بالجانب الأخلاقي والوعظي، فكلنا مسلمون ونقرأ القرآن ولكننا ننسى أحياناً، أو نشعر بأنه يخاطب قريش قبل ألف وأربعمئة وأربعة وثلاين عاماً، ولا يخاطبنا الآن. كما أن هناك فئةً لا يؤثر عليها القرآن ولو قرأته ليل نهار، وفي هذه الحالة يمكن عمل بعض الأناشيد الحماسية، أو الأغاني الوطنية، التي تحثّ على حب الوطن والناس، والحفاظ على أموالهم من التعدي والسرقة.

إنها أنجع طريقةٍ لحماية المال العام، ومعالجة الفساد المالي والإداري بطريقة جذرية وهادئة، وحماية جميع الأراضي العامة والفشوت والمحميات الطبيعية من الضياع... والله الموفق إن شاء الله!