العدد 3795 - السبت 26 يناير 2013م الموافق 14 ربيع الاول 1434هـ

فلوس «الهامور» ومستقبل البحرين

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

يحكى أن مزارعاً تبلغ مبيعات مزرعته 700 دينار شهريّاً، يدفع منها 600 دينار إيجاراً إلى مالك الأرض «الهامور»، فيبقى للمزارع 100 دينار، لا تسد حاجة أسرته.

مالك الأرض «الالهامور»، رفع سعر الإيجار إلى 800 دينار، فأجبر المزارع على استدانة 100 دينار لتسديد قيمة الإيجار. ومع مرور الوقت غرق المزارع في بحر الديون، فاضطر إلى ترك المزرعة والانضمام إلى صفوف العاطلين، ليعيش على الصدقات والمساعدات الخيرية، بينما يعيش «الهامور» بالترف والبذخ وتكديس الملايين.

هذه القصة توضح فكراً يزداد تعمقاً في اقتصاد البحرين، فالمزارع يمثل الطبقات المنتجة، و«الهامور» يمثل الطبقة غير المنتجة التي تعتمد في ثرائها على استغلال الطبقات المنتجة. الطبقات المنتجة تكافح وتجاهد وتنتج بعرق جبينها، وتعرِّض نفسها للمخاطر، ثم بكل سهولة وبساطة تأتي طبقة غير منتجة وتجني المال الذي أنتجته الطبقات المنتجة.

فتاة في إحدى المناطق، ترجمت حلمها إلى واقع بتأسيس مشروع «محل تجميل للسيدات»، فأنفقت أكثر من 40 ألف دينار على الديكور، تفاجأت بأن نصف مدخول الصالون (600 دينار) يذهب إلى الإيجار، والنصف الآخر يذهب قسطاً إلى البنك، وهي لا تحصل على فلس واحد بل تدفع من جيبها الخاص.

المشكلة أن مالك العقار يريد رفع سعر الإيجار سنويّاً، والفتاة غير قادرة، ولا تستطيع الخروج من العقار، بعد أن أنفقت على الديكور 40 ألف دينار. الفتاة هي صاحبة المشروع والعمل والإنتاج، تتحمل الخسارة، بينما مالك العقار والبنك اللذان ينتميان إلى طبقة «الهامور» غير المنتجة يستوليان على كل إيرادات المشروع.

النتيجة أن الفتاة خسرت كل ما ادخرته من مال طوال عمرها، وإذا عجزت عن الاستمرار في دفع الإيجار وأقساط البنك؛ فإن مصيرها قد يكون السجن. الله يكون في عونها.

وهذا الاستغلال غير المتوازن من قبل طبقة «الهامور» للطبقات المنتجة؛ أدى إلى انكسار فئات واسعة من البحرينيين وغير البحرينيين، وخروجهم عن دائرة الإنتاج وانضمامهم إلى صفوف العاطلين، أو تحولها من أصحاب مشاريع منتجة إلى عمال برواتب زهيدة. والأخطر هو قتل الطموح والحافز لدى فئات واسعة من البحرينيين في إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة.

بعد أن ضعفت الطبقة المنتجة في البحرين نتيجة استغلالها من قبل طبقة «الهامور»؛ تم استيراد آلاف العمال الأجانب (استيراد طبقة منتجة)، بهدف استغلالها، والنتيجة أن العامل الأجنبي يزداد بؤساً، و«الهامور» يزداد ثراء ومضاعفة لحساباته في البنوك.

عادة ما أرى عمالاً آسيويين يقفون جنب الشارع العام يؤشرون بيدهم، فأتوقف لإيصالهم، عندما يصعدون السيارة أشفق على أوضاعهم، وأسألهم عن أرباب العمل، فيذكرون أن فلان بن فلان هو رب العمل. سبحان الله! هذا الشخص مليونير، وهؤلاء العمال لا حول لهم ولا قوة، حتى مواصلات للعمل غير موفرة لهم.

طبقة «الهامور» آخذة في التوسع والتمدد في البحرين، بأصناف وأشكال متعددة في القطاع العام والخاص، وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه؛ فستدخل البحرين في نفق مظلم مع مرور السنوات، وخصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار الحديث عن نضوب النفط.

وإذا ما أرادت البحرين العيش في سعادة ورفاهية؛ عليها اتخاذ إجراءات وسياسات تحجم طبقة «الهامور»، وتحد من استغلالها للطبقات المنتجة بحيث يكون الاستغلال معقولاً وفيه نوع من التوازن، وهذه السياسات شرط أساسي لازدهار «بحرين ما بعد النفط».

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3795 - السبت 26 يناير 2013م الموافق 14 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:08 ص

      استمر في كتابة هذه المواضيع

      أسلوبك بسيط وجميل يفهمه الجميع ومفيد المجتمع بحاجه لتوعيه بالشأن الاقتصادي والمعيشي واسلوبك سلس وشيق . أتمني عليك تجميع مقالتك في موقع او كتيب ليطلع الجميع علي نصائحك القيمه

    • زائر 4 | 5:10 ص

      توضيح جميل

      نحن الطبقة المنتحة لا حول إلا بالله العلي العظيم
      لم اشعر في حياتي أني إنسانة أتمتع في بلد غني بالنفط و غيره

    • زائر 2 | 11:21 م

      صباح الخير استاذي الكريم

      مقالاتك جدا رائعه استاذي الكريم
      وانا من المتابعين لك اول بأول
      بحكم تخصصي مال واقتصاد
      تعجبني هالنوعيه من المقالات
      وخصوصا انك تتكلم عن
      الاقتصاد المحلي وتأثيراته
      ولو تكثر من مقالاتك يكون افضل

    • زائر 1 | 11:17 م

      ضيق !!!

      المقال يبحث الموضوع من زواية ضيقة. الإقتصاد العالمى مؤسس على إستغلال البشر. لا علاقة بالإقتصاد المحلى التابع للإقتصاد العالمى بهذه النتائج. المشكلة ليست هنا بل فى مؤسس الرأس المالية البغيضة. التغيير سوف يأتى من هناك. لو كنت فى إمريكا لشاهدت كيف 30 مليون من المواطنين معرضون للعيش فى الشارع بسبب عدم تمكنهم من تسديد أقساط بيوتهم. كيف لا يمكنك فتح محل الا إرشاء المافيا، خاصة فى المدن الكبيرة. لا يمكن لهذا النظام الإقتصادى الإستمرار و سوف ينهار شاء الهوامير أو لم يشاؤا !!

اقرأ ايضاً