العدد 3806 - الأربعاء 06 فبراير 2013م الموافق 25 ربيع الاول 1434هـ

ورطة الحركات الإسلامية الحاكمة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يعيد اغتيال القيادي التونسي اليساري المعارض شكري بلعيد مسألة الوضع الحرج الذي تعيشه الأحزاب الإسلامية التي وصلت للسلطة في أعقاب الربيع العربي.

فبعد إذاعة الخبر، قطع الرئيس المنصف المرزوقي زيارته لأوروبا وعاد إلى تونس، وانطلقت عدة مظاهرات في عدة مناطق، ورُفعت شعارات الثورة الأولى عن إسقاط النظام، موجّهةً هذه المرة ضد حركة «النهضة» الإسلامية الحاكمة، وزعيمها راشد الغنوشي، وأحرقت بعض الجموع مقراتها... وإن كان مستبعداً أن تتورط النهضة باغتياله.

المشهد الاحتجاجي نفسه تابعناه في مصر في الأسابيع الماضية، حيث يواجه «الإخوان المسلمين» مأزقاً مشابهاً، إذ رُفعت شعارات لإسقاط نظامهم، وتعرّضت عددٌ من مقراتهم الحزبية للحرق.

الشباب في البلدين هم الذين قادوا الثورة، وقدّموا التضحيات، وحين جاء وقت القطاف؛ برزت الحركات ذات الخبرة والتنظيم فملأت الفراغ. وهي حركاتٌ قديمةٌ، وقياداتها في خريف العمر، وهي أبعد ما تكون عن تطلعات جيل الربيع العربي الجديد.

هذه القيادات الهرِمة؛ جاءت إلى السلطة بعد طول قمع وإقصاء، محمّلةً بعقائدها وعُقَدِها الحزبية، ونظرتها الحزبية الضيقة إلى الأمور، تسوقها الرغبة في استغلال هذه الفرصة السانحة لـ «التمكين» في الأرض. وهي بذلك تكرّر أخطاء الأنظمة الدكتاتورية التي سبقتها، وتنذر ببروز حكّام طغاةٍ جدد، تحت عباءة الدين هذه المرة، فيما كان سلفهم يحكمون باسم الاشتراكية أو العلمانية أو الضباط الأحرار.

هذه الحركات الإسلامية المعمّرة، لم يكن انطلاق الربيع العربي وارداً في حسابات أقطابها وشيوخها، فأُخِذوا بالأحداث فجأةً كما أخذت الدول الغربية وأجهزة مخابراتها. وهذا ما يفسّر تلكئهم في دعم الحراك الثوري في بداياته، وتأخرهم في الالتحاق بركبه إلا بعد أن تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

في تونس، يُحسب للإسلاميين التوصل إلى اتفاق مع منافسيهم للخروج بتشكيلة سياسية مشتركة للحكم، على خلاف ما جرى في مصر، حيث استعجل «الإخوان المسلمين» في مشروع «التمكين»، تقودهم شعاراتهم القديمة بأسلمة الدولة والمجتمع، بينما تكشّفت إدارتهم عن تبني السياسات القديمة لنظام مبارك، من السعي إلى القروض الأجنبية إلى بقاء التطبيع مع «إسرائيل».

المعارضة القوية التي واجهت إخوان مصر في الشارع، واجهوها باستخدام الأدوات التقليدية للنظام السابق، من استخدام للقوة وقمع للمتظاهرين، وفيما كانت تجرى سابقاً على أيدي قوات الأمن، أضيف إليها أنصار الحكومة الجديدة، الذين باتوا ينظرون إلى المعارضة كمخرّبين وخارجين على النظام والقانون، تماماً كما كان يصمهم النظام السابق وإعلامه. هذه المرة، خرج أحد الدعاة المتطرفين، واسمه وجدي غنيم، في شريط مسجّل (موجود على اليوتيوب)، برسالةٍ إلى الرئيس محمد مرسي، يحرّضه على الفتك بمعارضيه، واستخدام أقصى درجات البطش والتنكيل، مستشهداً بالآيات القرآنية التي تتحدث عن المفسدين في الأرض. ففي العهد الجديد، سيواجه المعارضون تهماً أكبر وأخطر من التخريب والخيانة والعمالة للخارج: الإفساد في الأرض ومحاربة الله ورسوله... ونظام الرئيس المؤمن محمد مرسي (كان الإعلام المصري هو أول من نفح هذا اللقب للرئيس السادات).

غنيم (الذي عاش لسنوات في رعاية بعض الأطراف البحرينية) طالب في شريطه بتطبيق حكم من حارب الله ورسوله، على كل معارضي الرئيس الإخواني مرسي: أن يقتَّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو يُنفَوا من الأرض. وهي دعوةٌ لو طرحها أحد زبانية حسني مبارك وبلطجيته لقامت الدنيا ولم تقعد.

إنه مأزق الحركات الإسلامية الحاكمة اليوم: القبول بالتعددية والتعايش مع الآخر... فشباب الربيع العربي لم يقدّم كل هذه الدماء والتضحيات ليستبدل مستبداً حليق الذقن بطاغيةٍ ملتحٍ.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3806 - الأربعاء 06 فبراير 2013م الموافق 25 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 6:13 ص

      أقطعوا واقتلوا وصلبوا واين شرطها وشروطها

      عن ابن عباس أن عليا بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال : [اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة]
      وأخرج من وجه آخر أن ابن عباس قال : [يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم في بيوتنا نزل، قال صدقت ! ولكن القرآن حمال ذو وجوه ؛ نقول ويقولون، ولكن حاجهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصا. فخرج إليهم فحاجهم بالسنن فلم يبق بأيديهم حجة]. حفظ له كم آية ونزل يشرع ويفتي وهذه المصيبة يسترزق من وراء الفتن والبلاوي .
      المصيبة عندنا يريدون يطبقون بدون شرطها وشروطها يا سيد

    • زائر 11 | 4:36 ص

      حليق الذقن مستبد او ملتحٍ طاغيةٍ

      السكسوكة احسن وهي الحا الوسط ومرتاحين منها بس يمبي ليها شوي تعديل .

    • زائر 8 | 2:08 ص

      مسكين هذا الاسلام الذي يلصقون به كل معيب

      الكثير من المسلمين يلصقون بالاسلام كل معيب من مذاهب واصحاب فكر
      فكل واحد يخرج علينا بمسمى معين يلصقه بالاسلام والاسلام منه براء.
      الله عليك يا دين الاسلام اصبحت شماعة لاخطاء المسلمين
      كل من يريد ان يكون ظالما او مفسدا فأسهل شيء ان يطلق على نفسه
      تسمية تنتمي الى الدين الاسلامي حتى تكون الاساءة اكثر لهذا الدين.

    • زائر 7 | 1:47 ص

      ابعد مايكون عن الاسلام

      ياسيد ان هؤلاء ابعد مايكونون عن الدين فالاسلام لم يقل اقتل واصلب من اختلف معك كما ادعى حبر الامة فقيه زمانه وعصره ووحيد دهره العلامة وجدي غنيم !!!
      هذا الداعية اين ماحل تحل معه الفتنة والباري يقول في كتابة والفتنة اشد من القتل
      امثال هؤلاؤ شوهو الدين بافكارهم المتطرفة والتعجرفة ورسولنا محمد (ص) يقول جئتو لأتمم مكارم الاخلاق فبالله عليك اي اخلاق يحملون هؤلاء ؟؟؟

    • زائر 6 | 1:39 ص

      ها ,,,,,ويش سيد,,,,,,

      حاسب,,,,,تراه انته أقتربت من منطقة خطر,,,,,منطقة محضورة,,,,,
      ويش قصدك يعني,,,,,,

    • زائر 5 | 1:06 ص

      ذكرتني

      شوف العراق ماذا حل به بعد تسليمه لإيران خلك واقعي شوي ولا تحاول إقناع الآخرين بالجمبزه

    • زائر 3 | 11:40 م

      تعددت الاتجاهات والحكم واحد

      عقلية الاستبداد عربية سوى حكم العلمانيين او الاسلامبين اوحتى الشباب انظر ماذا يفعل الشباب في قراهم ومناطقهم نجتاج الى ثورة فكرية ثقافية اولا تحياتي

    • زائر 4 زائر 3 | 12:54 ص

      بص شوف

      آعتقد انت تحتاج الى ثورة فكرية كي لا تخلط بين الاسباب والنتائج. انت تتكلم عن هذه الظواهر ولا تتكلم عن مسبباتها من تمييز واقصاء وقطع ارزاق وحرب على الهوية واستبدال شعب بشعوب من دول اخرى. الله هداك طالع زين.

    • زائر 10 زائر 3 | 2:53 ص

      من يده في الماء ليس كمن يده في النار

      لا أظنك تجهل الأسباب والمسببات ولكنك تتعامى عنها كما أظن. هل من مكان تقترحه للتظاهر؟ا.

    • زائر 2 | 11:26 م

      الدكتاتورية الدينية اخطر

      بتر الأطراف و قطع الأعناق عقوبة الخروج على الحاكم في الدكتاتوريات الدينية وتستدل بايات تحرف عن سياقها وهي أخطر من الدكتاتوريات المعلمنة و لا ننسى أحداث ليلة رأس السنة في شارع المعارض قبل سنوات وما أحدثه من فوضى تعد في المعدل الأدنى في مثل هذه المناسبة مقارنة بدول أخرى وخرج النائب السلفي المعاودة مطالبا السلطات البحرينية التي تعتمد قوانين مدنية بتطبيق حد الحرابة على المراهقين فلكم وتصوروا لو استمع له كم من المعوقين سيكون لدينا من شباب ربما الآن في مراكز وظيفية مرموقة

    • زائر 1 | 9:27 م

      خلاصة رائعة حقا

      شكرا استاذ قاسم على مقالك الرائع
      اعجبتني الخلاصة :
      ( شباب الربيع العربي لم يقدّم كل هذه الدماء والتضحيات ليستبدل مستبداً حليق الذقن بطاغيةٍ ملتحٍ )

اقرأ ايضاً