العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ

دور التناقضات الإقليمية في العلاقات المصرية الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يأتِ الربيع العربي (في بعض الدول) بأنظمة جديدة فحسب، بل إنه جاء بعلاقات سياسية جديدة أيضاً. هذه العلاقات السياسية أنتَجَت هي الأخرى أحلافاً سياسية جديدة كذلك. وعندما نقول أحلافاً جديدة، فهذا يعني اصطفافات إقليمية، معطوفة على مواقف سياسية تجاه ملفات استراتيجية حساسة، لها تعقيد دولي غائر.

طيلة سنوات عديدة، كانت المنطقة مشطورة ما بين محوريْن أساسييْن، هما الاعتدال والممانعة. ضمَّ الأول مصر والأردن والمملكة العربية السعودية بشكل أساسي، بينما ضمَّ الثاني سورية وإيران وجماعات مسلحة في لبنان وفلسطين. وكان هذان المحوران، هما اللذان يلعبان أدواراً سياسية ديناميكية تُنتجها دولٌ أساسية في الشرق الأوسط.

لقد كانت الساحات الفلسطينية واللبنانية والعراقية أوسع الساحات التي يلعب على أرضها المحوران. ولأن تلك السوح هي مناطق ذات امتدادات دولية، ومصالح متقاطعة، فقد كانت الأوضاع مستعِرَة على أرضها، فضلاً عن اتصالها بأهم ثلاثة عوالم إستراتيجية دولية، وهي الاتحاد الأوروبي، روسيا/ الصين، والولايات المتحدة الأميركية.

بالتأكيد، فقد كانت هناك حواضن سياسية وجغرافية «فرعية» لمحوَرَيْ الاعتدال والممانعة. فالأول، كان دولا كتونس والمغرب وأخرى في الخليج العربي وبعض الأحزاب النافذة في لبنان والضفة الغربية متحالفة معه.

والثاني، كان الجزائر والسودان وموريتانيا وليبيا وبعض الأحزاب النافذة في لبنان وغزة متحالفة معه.

وعندما جاء الربيع العربي، وضَرَبَ أهم أربع دول رئيسية/ فرعية في المحوريْن، وهي تونس ومصر وليبيا وسورية، بدأت الأمور وكأنها تقليبٌ عنيف في كومة قطن. تبدلت أولاً مراكز القوى في الإقليم، تلتها السياسات الخارجية، تلتها التموضعات الإستراتيجية، حتى اختُتِمَت بالمواقف المتبدلة، حيال ما كان قائماً طيلة السنوات الماضية في منطقتنا.

وبعد تغيُّر مراكز القوى والسياسات والتموضعات والمواقف، ظَهَرَت التناقضات في النظرة إلى المصالح. فلم تعد مِصْر الوَتَد الرئيسي في دول الاعتدال. ولم تعد سورية اللاعب الرئيسي في دول الممانعة. ولم تعد تونس وليبيا رديفتين فرعيتين للمحوريْن، وهو ما انعكس مباشرة كذلك على الساحات «الرئيسية» التي كان يتنافس عليها المحوران.

هنا، بَرَزَت عدة رؤى إقليمية في عموم المشهد، لكنها غير متجانسة مع بعضها، وغير متوافقة بالمقدار ذاته الذي كانت عليه في السابق. فدول ما كان يُعرَف بالاعتدال والممانعة، وُجِدوا مختلفيْن في ملفات، لكنهم متحدون في ملفات أخرى، ضمن مسافات هلامية، وغير واضحة، فرضت عليهم ألاَّ يقيموا علاقات دائمة بل متقافزة طبقًاً للظرف.

فلم تعد مصر حليفة للسعودية بالكامل، ولا عدوة لإيران بالكامل. ولم تعد سورية حليفة لليبيا، ولا تونس قريبة من السعودية كالسابق، ولا بعيدة من إيران كالسابق. ولم يعد العراق قريباً لتركيا كالسابق، ولا بعيداً عن السعودية كالسابق. ولم تعد حركة حماس خصماً لمصر كالسابق، ولا قريبة من سورية كالسابق. هذا هو التركيب الجديد الذي سيطر على صورة الشرق الأوسط ما بعد ما بات يُطلق عليه بالربيع العربي.

لقد اختلف القطريون مع الإيرانيين في سورية، لكنهم توافقوا معهم في تونس ومصر. واتفق القطريون مع السعوديين في تغيير ليبيا القذافي، لكنهم اختلفوا معهم في مصر. واختلف السعوديون مع القطريين في تونس ومصر، لكنهم اتفقوا معهم في سورية. واختلفت حركة حماس مع إيران في سورية، لكنها اتفقت معها في مصر، وهكذا دواليك، في ملفات أخرى لا حصر لها، لا من حيث الاتفاق ولا من حيث التوافق.

وما بين هذه الاتفاقات والاختلافات، المعطوفة على دول أخرى في المنطقة، والتي هي الأخرى دخلت في التناقضات والالتقاءات ذاتها، ظهر للجميع، أنهم لا يستطيعون قطع مسافات طويلة فيما بينهم، طبقاً لتلك الاتفاقات والاختلافات. فما يمكن الاتفاق عليه هنا، قد يكون محلاً للخلاف في أماكن أخرى. بل في أحيان كثيرة، يشترك الطرفان في ملف واحد، لكنهما يصلان (فيه) إلى نقطة خلاف. وقد تمدَّدت المواقف ذاتها لمواقع أخرى أيضاً.

هذا التعقيد، انعكس بشكل كبير على العلاقات المصرية الإيرانية، بل أكثر من ذلك. فقد تبيَّن أيضاً أن التناقضات الإقليمية تلك قد انعكست هي الأخرى على الجبهة الداخلية المصرية، وعلى حركة الاستقطاب الناشطة فيها، الأمر الذي حوَّل مواقع الدفع والشَّد العكسي فيها، إلى قيم يتم استثمارها في تسويات داخل تلك العلاقة (بين إيران ومصر) المجمَّدة منذ ثلاثة عقود تقريباً، وكأننا ندور في حصن مُفرَّع في أزقته الضيقة.

اليوم، يلعب الإيرانيون والمصريون ببطء على هذه الأشكال المتنافرة.

فسورية، ملفٌ مهم قد يجمعهم ويكون مدعاة إلى قيام لجان مشتركة فيما بينهم (وهو ما حصل فعلاً). وقد تكون ليبيا وتونس والعلاقة مع حماس والجهاد وحزب الله، وبالتالي لبنان وقطاع غزة، أماكن للالتقاء أيضاً، فضلاً عن خلافات مصر الخارجية، والتي قد تستثمرها طهران، وإن بنِسَب مختلفة طبقاً لاتفاقها/ التقائها معها. لذا، فإن الموضوع عبارة عن لعبة كبرى.

هذا الأمر لم يعد خافياً على أحد. وباعتقادي، أن التقارب السلحفائي، الذي تشهده العلاقات المصرية الإيرانية، يسير بالتحديد على وقع تلك الأشكال المتنافرة والمتحدة، سواء في داخل مصر أو خارجها. وكل مَنْ يُراقب ذلك التحوُّل سيرى علامات ما نقول، ممهورة على خطواته. وهو ما ستكشفه أكثر فأكثر المرحلة المقبلة ما بين الطرفين. (للحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:57 ص

      الهزيمة والمرض

      لقد هزم محور الاعتدال لكن محور الممانعة اصبح مريضا

    • زائر 3 | 3:19 ص

      عفوا يا اخى العزيز لا تواخدنى

      لمادا لا تسمى الاشياء بئسمها... ليست كما تفضلت انهم رجلات الله فى الارض انهم اشرف خلق الله على ارضه انهم حزب الله المقاومه الاسلاميه اللبنانيه نعم هم محور الممانعه

    • زائر 1 | 1:42 ص

      شكرا

      العزيز أبو عبد الله.. مقال اليوم تحليل وتطبيق وربط أحداث كثيرة بشكل أحلى من عقد ألماس ثمين.. شكراً لك.

اقرأ ايضاً