العدد 3817 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ

قدرة الإنسان على حل النزاعات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات في قدرته على حل المشكلات فيما بينه، وعلى أساس هذه النظرة فإن بني البشر «ليسوا مجانين» عندما يختلفون فيما بينهم، حتى لو بدت تصرفاتهم وكأنها لأناس في دار مجانين. ولقد طرح بعض المفكرين أن الإنجازات التي حققها الإنسان (مقارنة مع غيره من المخلوقات) أنه يتمكن من «حل المشكلات والنزاعات» فيما بين أفراد المجتمع عبر استخدام «العلم»، أو «السياسة»، أو «التسلسل التنظيمي الهرمي» الذي تقوم عليه المجتمعات البشرية، أو «القانون» الممثل لإرادة المجتمع، أو عبر اعتماد «رؤية» خاصة بالمجتمع يستطيع أفرادها إدارة شئونهم وحل خلافاتهم بالرجوع إليها. هذه الإنجازات يتميز فيها الإنسان على غيره من المخلوقات، إذ إن باقي المخلوقات تحسم خلافاتها عبر «القوة» فقط.

وبطبيعة الحال، فإن واقع الحياة قد يفرض خليطاً من هذه القدرات الإنسانية لحل المشكلات والنزاعات، وتتحدد مكانة المجتمع البشري في التقدم والسمو بحسب قدرة الفاعلين الأساسيين على حل المشكلات والنزاعات بأقل الخسائر. في الحالة الأمثل تتمكن الأطراف المختلفة من حل المشكلة أو النزاع «بصورة كاملة» ويكسب كل طرف صداقة الآخر عبر الشجاعة في مواجهة المعضلات، وعبر التعاون على حلها، وعبر اعتماد نهج تكاملي يجمع الأطراف على أمر متفق عليه بصورة كاملة. هذه الحالة ربما تكون مثالية وهي لا تتحقق في العادة.

هناك حالة أخرى لحل النزاع والمشكلات، تتمثل في «إهلاك» أحد الأطراف، أو فرض الطاعة المطلقة للسلطة المنتصرة التي تسيطر على كل شيء. هذا النهج يجتذب الكثيرين ممن يعتقدون أنهم يمتلكون السلطة القاهرة والمطلقة، ولا تهمهم الأضرار الإنسانية التي تلحق بالطرف الآخر (العدو). هذا النهج عادة يتسبب في حروب صغيرة أو كبيرة، وعادة يأتي بالدمار حتى على من ينتصر. بريطانيا العظمى، مثلاً، خرجت من الحرب العالمية الأولى وهي منهكة، والشمس أفلت على عظمتها مع اندلاع حرب عالمية أخرى، ولولا الحرب الأولى لمازال العالم يخضع إليها.

حالة أخرى لحل المشكلات والنزاعات بصورة سلبية تتمثل في «فشل» جميع الماسكين بزمام الأمور لدى الأطراف المختلفة، وهذه تترجم عملياً عبر انطوائية وانسحاب من يفترض بهم التصدي للأمر، ولجوئهم لاتخاذ مواقف مرتجلة وغير مدروسة، وتجاهلهم للوضع إلى الدرجة التي تؤدي إلى انهياره.

هناك حالة أخرى لحل النزاع تتمثل في أن «يتنازل» طرف طوعاً لطرف آخر، والمتنازل يقبل بنتيجة ينتصر فيها الطرف الآخر من دون أن تحصل في نفسه ضغينة. وهذه أيضاً حالة مثالية، ربما تحدث داخل المنزل، ولكنها لا تحدث عادة في القضايا الكبيرة التي تخص الشأن العام.

معظم المجتمعات التي تنجو من الدمار والهلاك هي تلك التي يتمكن الماسكون بزمام الأمور فيها من التوصل إلى حل يشتمل على «تنازلات» عقلانية تعتمد على أسس محددة ومعتمدة عالمياً (مثل احترام حقوق الإنسان المدونة في الاتفاقيات الدولية، والحفاظ على النسيج المجتمعي وسيادة البلاد، إلخ)، وهذه التنازلات من كل جانب تفسح المجال لحل المشكلات والنزاعات، ومن ثم التقدم إلى الأمام... وهذا هو النهج الأفضل لبلادنا.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 3817 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 2:03 م

      تفكير عميق

      تفكير عميق و تحليل اعمق للوضع الراهن ينم عن عبقرية و قدرة قل نضيرها. انني فعلا معجب يسعة اطلاعك وغزارة علمك حتى افحمت المخالف و قرة بقمالتك عيون المحبين اليك

    • زائر 14 | 6:17 ص

      من تويتر...

      كم يشعر المرء بالحزن عندما يرى بعض شباب العصر الالكتروني العظيم يعيشون في قوقعة ويرفضون الخروج منها....

    • زائر 13 | 5:38 ص

      بالعربي لمشبح

      يااستاذ جمري الناس على قولة جدي بالعربي لمشبح هائلاء الجماعه ليس لذيهم لاحل ولاهم يحزنون حتى كانوا ذاهبين الى الحوار وليس لذيهم شي في جعبتهم غير كلمه واحده وهي كل مطلب تغير مرفوض وكيف بالله عليك جاي انت تطالبهم بتنازل عن مايحصلون عليه من امتيازات وباقي الشعب محروم حتى من الحصول على وظيفه حسب كفائته ومواهلاته اذا كان هناك قانونون يطبق على الجميع بالعقاب والثواب مثل بلدان العالم المتحضر.

    • زائر 12 | 3:24 ص

      هم يعتبرون اعطاء الشعب حقوقه تنازل وهزيمة لذلك لن يعطوه ذلك

      كل الحكومات التي تحترم شعوبها وتعترف بها ان صاحبة القرار تخضع للشعوب
      ولكن من لا يعتبرك شعبا له ويعاملك معاملة العدو كيف تريده ان يخضع او يتنازل لك
      النفوس عبيت امور خطيرة وهاهي التعبئة على قدم وساق في وصم الشعب
      بأبشع انواع الصفات فكيف تريد من يصف الشعب بهذه الصفات ان يتنازل ويعطيه
      بعض حقوقه؟

    • زائر 11 | 2:51 ص

      انت ذكرت مقال (الجشع والاستحواذ) وهو المانع

      قبل ايام كتبت انت يا دكتور مقال عن الجشع والاستحواذ وهذا هو المانع الاول والاخير لما يقع في البحرين ولا شيء غير ذلك.
      هناك فئة جشعة وتستحوذ على كل شيء في البلد ولا تريد اعطاء القليل لهذا الشعب

    • زائر 10 | 2:25 ص

      هل ممكن ؟

      هل ممكن أن يعيش المواطن في بلدة وهو غريب وليس محل ثقة؟ والي الأبد من دون يطالب بكرامته ؟ سوف لن يهدأ الوضع طالما هذا التمييز قائما وكرامة المواطن مفقودة

    • زائر 7 | 1:20 ص

      افلاس كاتب

      الان عند اطلاق مصطلح (التنازلات) هل يوجد شي لتتنازل عنه للطرف المقابل!!!
      تنتازل عن عرضك ودمك وعقيدتك؟؟؟
      هي كل ما تملك وايضا منتهكة!
      تنازل عن ماذا؟؟؟ ربما عن تنازل عن القبر!!!!!!!!

    • زائر 6 | 11:45 م

      انا ربكم الاعلي

      انا الذي عاش يتحكم في رقاب الناس لا يتنازل حتي يعيش الناس في سلم ووئام وهو مستعد لجر البلد للخراب ولا يتنازل لانه يري انه الرب الاعلي والاخرين لا قيمة لهم بدونه

    • زائر 5 | 11:30 م

      ننتظر المخلص

      دكتور كلامك مقنع ومنطقي وانا من المعجبين بكتاباتك ولكن الحكومه لا تريد ان تقتنع بهذا الكلام بعباره أخرى أنت جالس تأذن في مالطا وعلى قول الشاعر ولقد أسمعت لوناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.

    • جعفر الخابوري | 10:40 م

      اين

      لم يكتب الإنسان (الفرد أو الجماعة \\ الشعب) مصيره بقلمه ووعيه ما اضطره ليكتبه بدمه وكفاحه المرير. ولم يحصل على حق من حقوقه من دون ذياك النضال الذي شهدته البشرية من أجل انعتاقها ومن أجل أن تؤكد وعيها بمسار حياتها وحقها في كتابة تفاصيل تلك المسيرة وطبيعتها..
      لقد كانت ثورات العبيد والصعاليك والزنج وغيرها البراكين الإنسانية التي رفضت القيود التي عملت على تكبيل الإنسان ووضعه في زنازين الخدمة والعبودية الذين حكموا بالحديد والنار وكان ديدنهم باستمرار أنهم يحكمون باسم المقدس وباسم الآلهة

    • زائر 2 | 10:04 م

      ابو كرار

      ان اي سقف اقل من حكومة منتخبة سوف يجلب الدمار للبحرين مستقبلا ,لقد عرفنا هذا الشعب بطبيعته لايتنازل وان توقف عشر سنين سوف ينهض من جديد ,نعم التنازلات لابد ان تكون من الطرفين ولكن لايمكن المبالغة فيها

    • زائر 1 | 9:46 م

      نظرة حكيمة

      معظم المجتمعات التي تنجو من الدمار والهلاك هي تلك التي يتمكن الماسكون بزمام الأمور فيها من التوصل إلى حل يشتمل على «تنازلات» عقلانية تعتمد على أسس محددة ومعتمدة عالمياً (مثل احترام حقوق الإنسان المدونة في الاتفاقيات الدولية، والحفاظ على النسيج المجتمعي وسيادة البلاد، إلخ)، وهذه التنازلات من كل جانب تفسح المجال لحل المشكلات والنزاعات، ومن ثم التقدم إلى الأمام... وهذا هو النهج الأفضل لبلادنا.

اقرأ ايضاً