العدد 3822 - الجمعة 22 فبراير 2013م الموافق 11 ربيع الثاني 1434هـ

في الممر...

جالس في الممر أنتظر دوري. عيناي مغمضتان. أطياف وهالات. بالونات ودوائر. إلى جانبي يجلس ثلاثة أو أربعة رجال وقبالتي يجلس العدد نفسه. أمرتني الممرضة التي فحصت نظري ووضعت في كل عين قطرة بأن انتظر لمدّة ربع ساعة حتى تتوسع الشبكية ونصحتني بألا أفتح عيني. أسمع الرجل الذي أمامي يتحدث مع الشخص المجاور ويخبره بأنه عمل في «بابكو» لثلاثين سنة وهو الآن متقاعد براتب لا يسمن ولا يغني من جوع. يبدو من نبرة صوته أنه في الستينات من العمر. قال إنه مضطر للمجيء للمستشفى الحكومي لأنه لا يملك المال للعلاج في العيادات الخاصة وعلّق: البلاش لاش. الشخص الآخر أشار إلى أنه اشتغل أيضاً في بابكو لكن في قسم ثانٍ.

سأله أنت من أين؟ فرد: من عراد، هل تعرف أحداً هناك؟

- أعرف البعض ممن عملوا معي لكني لا أذكر أسماءهم الآن. اللعنة على الذاكرة.

- صحيح هناك الكثير ممن عمل في «الروفينري» و«درم بلانت» والعوالي.

- اشتغلت في معمل التكرير وقضيت زهرة شبابي هناك.

- وأنا عملت كسائق صهاريج في سترة.

- الآن تذكرت شخصاً يدعى الحاج عبدالغني.

- نعم أعرفه. إنه يقرب لي.

- وكيف حاله الآن.

- ليس على ما يرام.

- لا حول الله. بلّغه سلامي.

- إن شاء الله.

- هؤلاء الأطباء لا يعرفون العلاج الصحيح. أجرى لي أحدهم عملية قبل سنتين ولم تنجح، فسافرت إلى شيراز وحصلت على العلاج الناجح.

المستشفى مكتظ بالمرضى. رجال ونساء يعبرون الممر بين حين وآخر، بعضهم يتحدّث في الهاتف والبعض منشغل مع زميله. بعضهم يسير بعجلة والبعض الآخر يسحب رجليه. القليل منهم يصحب طفلا.

سأل الرجل ابنه الذي يجلس على يمينه: كم الساعة الآن؟

- الحادية عشرة إلا خمس.

- مضى علينا أكثر من ساعتين ونحن هنا.

- علينا أن نصبر.

نادت الممرضة على أحد المرضى فاحتج الرجل قائلاً: ألم يأتِ دوري بعد؟

- انتظر.

بعد ربع ساعة قمت لمراجعة الممرضة ففحصت الشبكية وقالت إنها لم تتوسع ويجب قطر العين مرة ثانية. قطرتهما وأمرتني بالانتظار لربع ساعة أخرى.

أخذت أنتظر. الرجل الثرثار أيضاً ينتظر. قبل ساعة واحدة كنا أمام غرفة فرز الملفات. عندما سألته الموظفة: هل تعاني من السكري؟

- نعم، عندي سكري وكولسترول وضغط وبلاوي كثيرة.

- اذهب إلى غرفة 7 ثم إلى غرفة 20.

- سأذهب، ثم ماذا بعد؟

- سيراك الطبيب.

سحب منها الورقة بفظاظة وهو يتذمر.

عند غرفة 7 أعطى الرجل الورقة للفني المختص بفحص ضغط العيون فطلب منه الانتظار على الكرسي. وقف أمام الباب وراح يسأل عن دوره عقب الانتهاء من كل مريض. ابنه شعر بالحرج لكنه لم يتفوه بأي كلمة.

التفت إلى الشخص الذي يجلس إلى يمينه وقال: أعلم أنني لن أستفيد من العلاج لكنني سأرى ماذا يقولون. أنا مسافر لإيران الشهر القادم وسوف أحصل على العلاج المناسب.

نادته الممرضة وقطرت عينه للمرة الثالثة. الشيء نفسه فعلت معي ومعظم المرضى ورحنا ننظر لربع ساعة ثالثة. وعندما نادتنا للمرة الرابعة همستُ للممرضة مازحاً: إنه يحتاج لقطرة إضافية.

فهاج الرجل وقال: الله يرحم والديك، أريد أن أخلص.

كشفت الممرضة على عيوننا واحداً تلو الآخر وعندما تأكدت من توسّع الشبكية حوّلتنا إلى الطبيب المختص.

سوف ننتظر لحوالي نصف ساعة قبل أن ندخل على الطبيب. بعدها سنأخذ موعداً للزيارة القادمة وعلينا أن نسحب رقماً وننتظر، وفي الوقت نفسه سنسحب رقماً آخر لصرف الأدوية من الصيدلية. جلسنا على الكراسي وأعطينا المواعيد لكن الطامة الكبرى كانت عند الصيدلية. عشرات المنتظرين وموظف واحد فقط يعاين الروشتات ويعطي الأدوية. هناك شباكان آخران لكنهما مغلقان. انتظرنا وطال الانتظار ونحن الذين كنّا نحسب أننا انتهينا. مضت ساعة واحدة أو أكثر ونحن ننتظر. قاربت الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً وصاحبنا لايزال يقف أمام الشباك المفتوح. أخيراً نودي برقمه فأعطى الصيدلاني الروشتة كانت المفاجأة أن الدواء الذي كتبه الطبيب قد نفد من الصيدلية. ثارت ثائرة الرجل وراح يشتم ويلعن اليوم الذي جاء به إلى المستشفى. خرج وهو يثير الفوضى ويقذف بكل ما يواجهه أمامه.

§قصة: مهدي عبدالله

العدد 3822 - الجمعة 22 فبراير 2013م الموافق 11 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً