العدد 1517 - الثلثاء 31 أكتوبر 2006م الموافق 08 شوال 1427هـ

«بوخالد» من فضلك

هشام عبدالرحمن خليفة comments [at] alwasatnews.com

الأمس أصبح في خبر كان و اليوم أصبح مجرد ذكرى مضت, فنحن نعيش في زمن «الآن» وهو زمن غير الأزمنة السابقة, فيه شيء من العجب. عجب لأنه زمن يحتضن الكل ولكنه لا يبالي بأحد. زمن حيث نحن أقرب من بعضنا بعضا لكن أبعد مما كنا عليه في أي زمن آخر. فالروابط الإجتماعية أصبحت اليوم الرسائل التلقائية والبريد الإلكتروني والإتصال الهاتفي وبذلك نجد بأن الأعمال أكثر من أي شيء اخر هي استيعاب المعلومات واتخاذ القرارات بدلاً من التصافح والإبتسامة وإحتساء الشاي والقهوة.

بالطبع في ذلك فائدة. فالوقت مختصر, والأمور تجري بسلاسة (عادة) والإنتاج أضخم. ولكن هناك أيضاً حسرة. حسرة ليست في المردود الإقتصادي أو المالي, بل في الجانب الإجتماعي. فأصبح لدينا شيء من النقصان في العلاقات التجارية, إذ سلبت منا اللمسة المألوفة وأصبحنا كموصلات كهربائية تبث نبضات سرعان ما إن تصل مقصدها تتضاءل. فهي نبضات رسائل قصيرة ومنبهات معلوماتية تأمر, تُعلم أو تنفذ... فما بعد؟

في الماضي كان بإمكانك الإتصال بمدير فرع مصرفك المحلي بمجرد إدارة رقم الفرع. أما اليوم, فتجد بأن رقم مصرفك يحولك تلقائياً إلى «مركز خدمات الزبائن» إذ لا جدوى في السؤال إن كان يمكنك التحدث إلى «بوخالد,» لأن في الحقيقة هو أن في مركز خدمات الزبائن الهاتفي بالمنامة لا يعرف أحد «بوخالد» من فرع البديع... ولا «بوعلي» من فرع جدحفص ولا شيء من هذا القبيل.

وما هذا إلا مثال بسيط على ما يجري في زمننا هذا. فكلما استوردنا التقنية الحديثة, كلما وجدنا روابطنا التقليدية مهددة بالإندثار. وإذا لم نكترث بأن نجعل من التقنية وسيلة لجعلنا أكثر صلة بدلاً من مجرد أرقام, قد نجد أنفسنا نواجه مستقبلاً تجارياً مبنياً على مجرد العلاقات الفورية والمتهافتة بدلاً من تلك التي تدوم لأجيال.

لا أحاول أن أكون متمرداً على التقنية, فأنا احتضنها و كل ما توفره. لكن علينا أن نقدر المسئولية التي تأتي مع السرعة في التعامل و كثرة المعلومات. وليس هناك شك في أن الشركات عليها أن تنتبه إلى كيفية إستغلال التقنية من منظور اجتماعي أكبر بدلاً من مجرد توظيفها وجعلها أداة بلا حس. قد يزعج هذا الأمر بعض من يرى عكس ذلك, و لكنه بهذه البساطة على رغم كل التعقيدات والكلام عن «التواصل الفوري مع الزبائن». كما ذكرت أعلاه التقنية الحديثة ضاعفت الروابط و لكن ليست بالضرورة العلاقات. فقد يكون في هاتفك النقال أكثر من 100 رقم, لكن القليل من تلك الأرقام يمكنك الاعتماد عليها. ولهذا, ما زلنا بحاجة إلى التصافح, الابتسامة... وفنجان من القهوة من حين إلى آخر

العدد 1517 - الثلثاء 31 أكتوبر 2006م الموافق 08 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً