العدد 3842 - الخميس 14 مارس 2013م الموافق 02 جمادى الأولى 1434هـ

الانتهازية السياسية في خدمة الفتنة الطائفية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أن ينجح أمثال المستشرق الصهيوني برنارد لويس في إقناع الدول الاستعمارية الغربية بالعمل الدؤوب لتأجيج الصّراع المذهبي العبثي السنّي – الشيعي، فهذا أمر مفهوم ومنطقي. فمن خلال استبدال الصراع العربي – الصهيوني بالصراع الطائفي في داخل الإسلام، يعيش الاستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة في سلام وأمن، ويزداد قوةً وتركيزاً في التربة العربية.

ومن خلاله أيضاَ ينشغل العرب عن المؤامرة الاستعمارية للاستيلاء على ثرواتهم والتواجد العسكري والسياسي في أرضهم. وهكذا تكتمل حلقة إبقاء العرب في حالة ضعف وتخلُّف وتمزُّق، وإبعادهم عن مشاريع الوحدة العربية والاستقلال القومي والوطني، وبناء تنمية إنسانية شاملة بالاعتماد على قواهم الذاتية.

لكن أن يمتدّ ذلك الفكر الاستشراقي الخبيث وذلك المنطلق الخطر إلى أن يتبنّاه بعض المسئولين العرب، وبعض السَّاسة والمفكرين في مؤسسات المجتمعات المدنية، وأن تنفخ في تأجيجه باستمرار، فوق منابر المساجد والفضائيات التلفزيونية، أشكال من القوى السلفية المتزمتة دأبت منذ قيامها على تكفير من يخالف مدرستها الفقهية ومن تعتقد أنه لا ينتمي لجماعتها... أن يمتدّ بهذه الصورة المفجعة التي نراها ماثلة أمامنا وبهذا الانتشار الواسع، فإنه يصبح كارثةً دينيةً وقوميةً وأخلاقيةً.

لنتذكر أن الغرب لديه تجربة تاريخية غنيّة في حقل الصراعات الدينية والمذهبية بين مختلف كنائسه المسيحية، وعلى الأخص بين الأتباع الكاثوليك والبروتستانت. لقد استمر ذلك الصراع عندهم سنين طويلة وقاد إلى موت الملايين وأكل الأخضر واليابس وأفقر الأوطان والعباد. تلك التجربة هي التي يُراد إحياؤها اليوم في أرض العرب والمسلمين.

نحن إذن أمام مخطّط لحروب طائفية إسلامية تخدم أغراضاً سياسية واقتصادية بحتة، تشترك في رسمه قوى خارجية امبريالية وقوى إقليمية طامعة أو موتورة، وقوى داخلية لا تخاف الله ولا يردعها ضميرٌ ولا تؤمن بأي التزام وطني أو قومي أو إسلامي. وكنتيجة منطقية لذلك الصراع الطائفي سنكون أمام هدف مزدوج استعماري – رجعي للقضاء على كل ما هو وطني ديمقراطي حداثي وقومي ووحدوي تحرري من جهة، ولإدخال الإقليم العربي والإسلامي في الشرق الأوسط على الأخص في حروب إعلامية ومنافسات عبثية على امتلاك النفوذ والسيطرة على المنطقة. ولعلّ أكبر الأخطار تكمن في استطاعة القائمين على ذلك المشروع الشيطاني التغرير بالجماهير التابعة لكلا المذهبين، للانخراط في هذه اللعبة الطائفية التي ليست أكثر من ستار تكمن وراءه انتهازية سياسية داخلية وحبكة خارجية لتمزيق المجتمعات وتفتيت الأوطان.

إن الانتهازية السياسية تبدو في أفضل تجلياتها عندما تدافع نفس الجهة عن السنّة في مكان وتخذلهم في مكان آخر، أو تدافع عن الشيعة في جبهة وتحاربهم في جبهة أخرى. فالوقوف مع تابعي هذا المذهب أو ذاك ليس له دخل على الإطلاق بالاجتهادات الفقهية وبالجانب الاعتقادي، وإنما بالصراعات السياسية الإقليمية، وبمدى العمالة للقوى الامبريالية الخارجية. ومما يزيد في خطورة هذه الانتهازية السياسية دخول أعداد متنامية من علماء الدين الإسلامي في هذه اللعبة، بل وانغماسهم الدّعوي والإعلامي اليومي في التأجيج السياسي الطائفي.

إن هؤلاء العلماء، بوعي أو من دون وعي، يساهمون في نقل الخلافات المذهبية من حقلي الفقه والثقافة المتجذّرين في التاريخ واللّذين لا ضرر كبير فيهما إلى حقل التسييس، خصوصاً في بعض الأقطار العربية التي أصبحت مسرحاً للعنف السياسي الطائفي الدموي الذي يمهّد لقيام حروب أهلية في المستقبل القريب.

ما يؤكّد الدور الكبير للانتهازية السياسية التي تقبع وراء التأجيج المذهبي الطائفي الجديد، والذي لم تعهده الأرض العربية والإسلامية بهذه البشاعة والخطورة، هو السكوت المريب عن بحث أو مواجهة ظاهرة الطائفية في كل المؤسسات الإقليمية العربية والإسلامية المشتركة. لكأن المسئولين في تلك المؤسسات يباركون وجود هذه الظاهرة أو حتى يستفيدون من بقائها. كان الإنسان ينتظر أن تعقد قمم عربية وقمم إسلامية لمواجهة هذه الظاهرة التي تمثّل بالفعل إحدى أكبر الأخطار التي يواجهها العرب والمسلمون. لكن السبب واضح: بعض من أولئك القادة ضالع في هذه اللعبة الشيطانية ولا يريد إخماد حريقها.

من هنا أهمية التوجّه نحو مؤسسات وأشخاص المجتمع المدني لتحمّل مسئوليتهم. فهناك حاجةٌ لجهد مكثف كبير لتفكيك الطائفية فكرياً ونظرياً، لمنع تناميها كثقافة سياسية. وهناك ضرورةٌ لامتناع مؤسسات المجتمع المدني من الانزلاق في نفس اللعبة، ولعلّ أخطر ما في ذلك الانزلاق تأسيس الأحزاب السياسية القائمة على أساس حماية الحقوق الطائفية أو الدفاع عن هذه الطائفة أو تلك.

لكن الأمل في ثورات وحراكات الربيع العربي، وعلى الأخص في شبابها، في أن تبني في المستقبل القريب الدولة العربية الديمقراطية القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والفرص الحياتية، الدولة البالغة الحساسية تجاه العدالة والقسط والميزان. عند ذاك فقط سترتدّ المؤامرة الخارجية - الداخلية التي وصفنا إلى نحور موقظي وموقدي الفتنة الكبرى التي تعصف اليوم بهذه الأمة، بعد أن نامت أربعة عشر قرناً.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3842 - الخميس 14 مارس 2013م الموافق 02 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 8:08 ص

      المصيبة في الطائفية

      مصيبة الطائفية تتجلى في المأسسة الممنهجة اللتي بدأت تحصل لها بالتزامن مع الثورات العربية ، خرج الجني من القمقم و سيكون من الصعب إعادته . اللذي يغذي و يقوي الطائفية هو العمى عن الذات . الكل ينادي الآخر بأنه طائفي و يتعامى عن طائفيته و تحامله على الآخرين ، نحن في البحرين مثال عجيب غريب . تمارس علينا الطائفية بكل انواعها ، ونصر على أن نكون طائفيين سياسياً في سوريا . لماذا هذه الأزدواجية في المعايير؟؟ اعلم الردود المعتادة اللتي ستأتي وهي لا تبرر شيئاً.

    • زائر 9 | 6:03 ص

      موضوع جميل يا دكتور ويستحق القراءة

      شكرا على المقال ، يا ليت هناك من يأخذ الدروس والعبر ، ولكن لا حياة لمن تنادي

    • زائر 8 | 5:38 ص

      اخوان سنه وشيعه

      للاسف الدافع الطاءفي محرك قوي وفعال لبعض المغرر بهم لان اذا امتلاء الانسان حقد وبغض داخل قلبه تجده لا يتوانى بتفجير نفسه في مسجد مخالف الى مذهبه او في الشارع او في اي مكان وذلك بدافع الكره والحقد والتغرير به بانك سوف تتغدى مع الرسول اذا فجرت نفسك وقتلت هذا الانسان البريء الذي ليس من مذهبك وشكرا.

    • زائر 7 | 5:00 ص

      الفتنة الطائفية

      شكرا دكتور على مقالك الهادف. للأسف الشديد لقد نجح الكيان الصهيوني و بمساعدة من دول الإستكبار العالمي ببث سموم الفتنة الطائفية بيننا ليصدنا عن قضيتنا المركزية وهي فلسطين. نحن بحاجة إلى من يوقظنا من سباتنا, ونعرف عدونا من صديقنا. لقد خرجت علينا قبل فترة يافطات تقول من أجل نصرة اخوتي في سوريا, مستشهدة بالآية "إنما المؤمنون أخوة" لمادا لم تكمل الآية "فأصلحوا بين أخويكم" (محرقي/حايكي)

    • زائر 6 | 4:42 ص

      من يتبع من؟

      ليس من الأسرار أن الشيطان شاطر كما أن من الزراعة التي يزرعها هي الفتنة. ونتائجها وخيمة. بينما لا تتبعوا خطوات الشيطان قد لا تبدو من التوجيهات وإنما نهي صريح وواضح وبين. اليس كذلك؟

    • زائر 4 | 2:57 ص

      استغلال انواع الجشعين والاستحواذيي واهل الاطماع

      هناك نوع من البشر هم اهلا للمهمات القذرة

    • زائر 3 | 12:09 ص

      السلفية اصحاب استراتيجية

      سميت حركته دعوة وليست حركة لترادف دعوة النبي محمد لتعطي دلالة ان مجتمعه مشرك فكما ابيح الجهاد للنبي ابيح لصاحب الدعوة الجديدة فمن يقتل من السلفيين في الجنة وقتلى المجتمع "المشرك " في النار وان تظاهروا بالاسلام واصبحت هذه مدرسة فكرية تبنى عليها مواقف عملية رأيناها في دول اسلامية سنية وكذا شيعية باستراتيجية كفر ثم اقتل . وجد الغرب بالامكان توظيفهم في الدول التي تشكل له مصدر قلق كايران و العراق لوجود الشيعة وكذلك لبنان بتأجيج الاختلاف المذهبي حتى الصدام

    • زائر 5 زائر 3 | 3:27 ص

      المثل يقول

      يقول المثل ... خالف تذكر

    • زائر 2 | 11:51 م

      لقد

      لقد اسمعت لو ناديت حياولكن لاحياة لمن تنادي.

    • زائر 1 | 11:41 م

      هذا ديدن المتمصلحين

      المتمصلحين لا دين لهم و لا مذهب سوى مصالحهم ، فأين ما مالت مالوا معها. الان مصالحهم في تأجيج الفتن الطائفية للبقاء على عروشهم و في مراكزهم. المشكلة في البسطاء الذين يستخدمهم هاؤلاء كأدوات ثم ترمى متى ما انتهت الحاجة

اقرأ ايضاً