العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ

في معرضه «آيات وأبيات... وأُخَر متشابهات»... الملا يختبر إمكانات خط «الجلي الديواني»

يشتغل الخطاط محمود الملا في معرضه «آيات وأبيات... وأخر متشابهات 2013» الذي أقامه في صالة الفنون من 5 حتى 14 مارس/ آذار على إبراق حزمة من الرسائل عبر استكناه مجموعة من قوالب الشكل والمضمون من خلال 89 لوحة فنية اعتمرت بخط الجلي الديواني ولذلك تراه كلما استوقدت لديه فكرة في نص أو شكل أو خامة راح يمازج بين الثلاثة لتخرج اللوحة باهرة مبرِقة في نوع من البوح الذي يبلغك إياه من طرف خفي أحياناً تقوله لك اللوحة من أو وهلة، أو ربما لا يبلغك إلا بعد تأبٍ ومراوحة وقراءة بعد قراءة.

ينطلق الملا في معرضه كما حكى ذلك عبر العنوان الذي اختاره لمعرضه هذه المرة عبر مجموعة من الآيات القرآنية والأبيات الشعرية والمتشابهات من مقولات أو حكم أو أحاديث شريفة ولذلك تره كلما وجد من المعنى ما ارتاحت له النفس واستطاع أن يبوح بشيء مما يخالجه من خاطرة أو سانحة تراه يلتقط الدواة والريشة ليسكب حبره بتك الحروف فيروح ينقط اللوحة ما شاء لها الشكل أن تكونه في فسحة من التكوين، ولذلك ليس غريباً حين تكون لكل لوحة قصة ولكل حرف باب من التأويل وخصوصاً حين يبوح لك الفنان أو اللوحة نفسها بما وراءها من معاني خفية أو ظاهرة. ولذلك تتعمد وسط المعرض «لوحة الله محبة» في مخالفة لكل اللوحات الأخرى سواء في الخط أو الأدوات أو التكوين لتكون العنوان الأخر الخفي في المعرض والذي تعبر عنه هذه المقولة لتشمل به كل اختيارات الخطاط من آيات أو أحاديث أو مقولات حكمية أو شعرية ولذلك تدور مجموعة من المختارات الأخرى حول مفردة الحسن العفو الصفح الخير، فتكون اللوحة جامعة بين حسنيين في حسن المعنى وحسن الشكل كما هي لوحة «أحسن الحسن الخلق الحسن» في تداخل للنون بعضها ببعض، وحين تستوظف لوحة أخرى مفردتي العفو والصفح «فاصح الصفح الجميل»، أو «فاعفوا واصفحوا» فإنها تلامس ما يتشح به الواقع من قسوة أوقدها في الناس رين القلوب ليحوز العمل الفني دور الملين للقسوة والمبدد لذلك الرين سواء على مستوى ما يطرقه الشكل جماليات أو يولده المضمون إحساس بالرقة والرأفة ويقظة للمشاعر الميتة، وتنقية للشوائب التي تغلف القلوب. حتى تتناهى كل المعاني التي طرقتها أغلب اللوحات لتصب في لوحة هي أشملهم في المعنى الذي مثله الحديث الشريف: «لن يبلغ مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة».

وإذا كانت النقطة تمثل أحد أبرز عناصر التصميم في العمل الفني فإنها تحضر في الخط الجلي الديواني مرتين مرة كمقياس لجودة الخط ودقته ورصانته وتماهيه مع قواعده الفنية، ومرة كخلفية تشيع عنصر الجمالية عبر ما تشكله من تكرار لذاتها كونها الممون الأساسي لكل الحروف التي في هي الأساس تتشكل من النقطة وتتقوم بها، ويكفي أن العمل الفني التشكيلي في خصوصيته الإسلامية يستمد جمالياته من فكرة الوحدة والتعدد، في إشارة وترميز لعقيدة الوحدانية التي ترى الله في كل شيء وأن كل المخلوقات في تعددها ما هي إلا تجلٍ لهذه الوحدانية، ولعل ذلك يبرز جلياً في شيوع في وِحدة النقطة وتكررها وخصوصاً في الخط الجلي الديواني حين يتخذ النقاط المتكررة زينة وخلفية مشبعة، فيؤكد على عنصر الوحدة والتكرار على مستوى الشكل في المساحات الفارغة من الحروف. ولعل الملا في هذا المعرض يختبر قدرته في شحن الجلي الديواني بتقوساته وانحناءات ونقاطه وحِلِيّهِ التي تماثل الزخارف الفنية في جمالياتها ليشكل الجلي الديواني أحد الإمكانات الفنية التي يستغرغ فيها الفنان ذاته رسالته وليقول من خلاله ما يريد سواء عبر استنانها للشكل الذي باح لنا عبره بالكثير أو بالمحتوى الذي مثله اختيارات الخطاط من آيات أو مقولات أو أشعار أو حكم أو مأثورات مختلفة أراد توصيلها عبر مجموعة الدوائر والسطور أو المربعات في مساحات الفراغ التي امتلأت بالحروف ليقدم لنا المعنى الذي أراده في بوح ظاهر أو خفي.

العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً