العدد 1520 - الجمعة 03 نوفمبر 2006م الموافق 11 شوال 1427هـ

"العروج" تطرح "الهم الوطني" برأسين متلاصقين

بتألقها في إنتاج المسرحيات الاجتماعية الكوميدية الساخرة

طاقم وراء طاقم، كوادر من الفنيين المتوزعين بين طاقم الإضاءة والديكور والمكياج والأزياء وآخر للصوتيات والتصوير "الديجيتال" و"الفيديو"، وطاقم للتنظيم وفرق التمثيل الأبطال و"الكمبارس" وفرق الإنشاد، كلهم كفرقة موسيقية تنتظر الإشارة لبدء العزف، ومن فوق خشبة المسرح تكون إشارة البدء، إذ إن كل هذه الكوادر يديرها شخص واحد هو المخرج الذي يبدع معها عملاً مسرحياً متكاملاً من كل جوانبه، لحظات كانت خلف أسوار خشبة مسرح مركز السنابس الثقافي الذي عرضت عليه المسرحية الاجتماعية الكوميدية "بس قابلني" خلال أول أيام عيد الفطر المبارك، عشت ما لم يعشه المشاهد الذي غالباً ما يشاهد ما يدور على خشبة المسرح ويدرك ما قد يريده أو اختاره المخرج لإيصال فكرة الكاتب من خلال كل مشهد، أما من يقف خلف ستار المسرح، فيعيش بصورة حقيقية عالما آخر، ربما يطلق على هذا العالم عالم الحقيقة، عالم نص المسرحية، ولا يدخل هذا العالم عادة جمهور المسرحية بل الذي يلج هذا المكان دائماً ما يكون من أفراد كوادر المسرحيين أو من الصحافيين أو المصورين، فكوني دخلت إلى عالم لم يره الجمهور وعشت لحظات غالباً هي غائبة عن عينيه أحببت أن يعيشها معي القارئ.

الوجوه مشرئبة ليوم العرض الأول، الكل كان موجوداً في آخر بروفة من بروفات المسرحية، وفي ليلة ينشغل الكل فيها بالاستعداد لصباح يوم العيد والتي هي آخر ليلة من ليالي شهر رمضان، كان أفراد وكوادر فرقة العروج منشغلين بنوع آخر من الاستعداد طيلة الأيام الأواخر من شهر رمضان، الاستعداد للإعداد والتجهيز ليوم العرض الأول، وكأن العرض بعد ساعات من الآن، حقاً كانت وجوه الجميع تعيش أعلى مستويات الاستعداد والجاهزية لبدء العرض الحقيقي وما كان ينقصها إلا حضور الجمهور لصالة المسرح.

أثبت الجميع ليلة آخر بروفة استعداده وجاهزيته، إذ حضرت لبهو صالة مركز السنابس الثقافي جميع الكوادر الفنية من ممثلين رئيسيين وكمبارس وفرق الإنشاد وطاقم الصوتيات والمكياج والديكور والتصوير بفرعيه والكشافة والمخرج والصحافيون والرعاة الرسميون الذين بهم أضاء المسرح في آخر بروفة، إذ أبدوا كل الدعم لتحقيق حلم عرض المسرحية في وقتها المحدد، الحلم الذي كان فكرة من بنات أفكار المخرج جابر حسن وبجهود ودعم المؤسسات الأهلية والاجتماعية والإعلامية وبعض المؤسسات الخاصة انقلب إلى واقع ليلة العرض الأول، إذ امتلأ المركز بالحضور ونفدت التذاكر من أول ليلة، الأمر الذي أثلج صدور المنظمين الذي بذلوا جهداً في ضخ المزيد من الكوادر إلى الطاقم الذي كان يفوق الثلاثين فرداً من كوادر فرقة العروج للتمثيل المسرحي.

من جسد الممثل إلى جسد الواقع

لم يغير الممثلون ملابسهم، ولم يغيروا تسريحات شعورهم، ولم يقتنوا الملابس الجديدة لعيد الفطر المبارك، فهم ومع أواخر أيام شهر رمضان المبارك كانوا يعيشون في عالم آخر، عالم كان يمتلئ بالضحك أحياناً وكثيراً ما بالجد، عالم كانت أرضه من خشب، وموقعه صالة مركز السنابس الثقافي، عشر ليال متتالية قضاها الممثلون يتدربون في بروفات أولية على نص مسرحية "بس قابلني"، النص الذي حصلت "ألوان الوسط" على نسخة منه، وعندما قرأته للوهلة الأول قلت للمخرج: يحتاج هذا النص إلى 4 ساعات لأدائه فوق خشبة المسرح، قال لي كاتب النص والمخرج جابر حسن: لا، بل إنه يستغرق ساعتين فقطن وحقاً كان ذلك في العرض الذي حضرته، وخلال حضوري بروفات فرقة العروج للتمثيل المسرحي شاهدت ما لم يشاهده الجمهور في عروض المسرحية التي استمرت 5 ليال متواصلة من ليالي عيد الفطر الميمون.

وعادة ما يكون الجميع منشغلين في العشر الأواخر من شهر رمضان بإحيائها، ففضل المخرج إعطاءه لدور أحد الممثلين الذي فضل حفظ النص والتدرب عليه لوحده كعادته في الكثير من المسرحيات على حد تعبير مخرج المسرحية، ففضل إلزامه بدور قصير جداً وعلى رغم ذلك لم أشاهده وأتعرف على من سيمسك هذا الدور الذي غطاه المخرج في البروفات وعلى رغم أنه لم يكن حاضراً في أولى البروفات فقد حضر في آخر بروفة وشاهدته، ولكن أصابته الرهبة التي تحدث حين يترك الممثل وحده على خشبة المسرح، ولأنه لم يحضر لأداء دوره فوق خشبة المسرح كباقي زملائه لم يستطع التغلب على خوفه من الجمهور، ففي العرض الأول كان كثيراً ما يخفض رأسه للأرض مع أن دوره كان مقتصراً على أداء دور موظف إحدى الوزارات والذي لا يتعدى جلوسه على المكتب وكان بإمكانه وضع النص على الطاولة وقراءته، وعلى رغم ذلك فإنه كان يجبر الجمهور على أن يتأكد من أنه كان يقرأ النص خلال أدائه دوره.

الجسد الأول لـ "أم هلال"

الشاب الذي مثل دور العجوز الولادة (أم هلال)، كان تأقلم مع زملائه في فرقة العروج على رغم أنه كان جديداً عليهم، إذ يعتبر هذا ثاني عمل له مع الفرقة، وهل عرف الجمهور أن الذي مثل دور "أم هلال" هو نفسه الذي أدى دور الفتاة التي كانت تبحث عن عمل، فشاهدته وهو كما الآخرين لم يغير من تسريحاته إلى يوم العرض الأول، إذ كنت في المقاعد الأولى وشاهدت - بشكل واضح – ما غاب عن المخرج وكادر المكياج؛ أن يصبغ لحيته التي كانت واضحة مع الإضاءة على خشبة المسرح حينها، على رغم أنه كان يحاول أن يخفي وجهه من خلال الشال الذي ارتداه أثناء تأدية الدور، وكذلك تعمد لبس نقاب على وجهه بطريقة تغطي لحيته، فقط لإخفائها عن الجمهور، وكان الأجدر بكادر المكياج صبغ وجهه بدلاً من تلميع المنطقة التي كانت تحيط بعينيه فقط.

الجسد الثاني "العم سلف أو المواطن الفقير"

العم مواطن يدخل على خشبة المسرح، ويتحرك في الممرات والطرقات ليطمئن أن الممرات خالية من المارة والعيون، يفتح عينيه أكثر وأكثر لينظر في ظلام الطرقات؛ هل من أحد مقبل؟ لا، المكان آمن جداً، لا عيون ولا مارة في وقت طالفجر"، غالبية الناس نيام، ترى ماذا يريد العم مواطن؟، سألت نفسي قبل أن يسأل الجمهور هذا السؤال وهم منشدون لبداية أول مشهد من مسرحية "بس قابلني" التي عرضت على صالة مركز السنابس الثقافي في أولى أيام عيد الفطر.

العم مواطن يموت مع سؤال الدهشة...

يدخل كاتب نص مسرحية "بس قابلني" جابر حسن في كل مشهد فرضية السؤال، سؤال حقوق المواطن، منها حق السكن والعمل والمعيشة، فيما لا يتركه من دون جواب حتى يجلب بدور آخر على المسرح رداً عاجلاً للسؤال، وتتنوع صور الرد السريع، فمرة نلحظه بموسيقى هادئة، أو من خلال النشيد المموسق وأخرى بإضاءة حية مختلفة الألوان على كل زوايا المسرح، ومرة أخرى يأتي في سياق النص وأخيراً يقف المخرج عاجزاً عن إعطاء جواب عن السؤال المحوري لكل الأسئلة التي طرقتها مشاهد المسرحية، إذ يترك يداً خارجة من إحدى النوافذ غير متحركة وهي منهدلة للأسفل، هي يد الشخصية التي قامت بدور الحاج مبارك، الدور الذي يمثل التعقل في المطالبة بالحقوق وعدم الصمت عن أي حق منها ولكن من خلال التعقل والمشاورة، في تعبير إلى أن المواطن لا يلقى جواباً كافياً عن ضياع الكثير من حقوقه في عهود الديمقراطية دولة المؤسسات.

يعرض المخرج في أول مشهد فرضية السؤال التي يموت المواطن ولا يلقى جواباً لها؛ من الذي يأخذ حقوقه كمواطن؟ والمشهد: يبدأ المخرج بسؤال بصوته من خلف الستار وإضاءة قليلة على خشبة المسرح ويتحرك خلال هذا الجو القاتم المظلم وانسيابية الموسيقى الهادئة التي تعطي دلالة على الحيرة والضياع، يتحرك خلالها "مواطن" في بداية يومه المعتاد للعمل المتمثل في جمع "القواطي" (العلب المعدنية) ليجد أن هناك أجانب يقومون بجمعها، فتبدأ من هنا علامات الاستفهام تتوالى مشهداً تلو مشهد، إلى أن يموت بعد ألا يجد مصدراً لدخله فيضع على قبره مجموعة من العلب ولكي لا يستفيد منها أحد تكون تلك العلب مزورة، سؤال ربما أجاب عليه موت "مواطن" في أولى المشاهد، لكن هل يضع المخرج حداً لهذه التساؤلات ويجيب للجمهور في آخر عرض أم يترك الجواب في متناول كل فرد من أفراد المجتمع يجيب عليه.

ومثل "المكبارس" كلهم أدوارا بمستوى أبطال المسرحية، إذ لم يدع المخرج دوراً لشخصية في فترة وجودها على المسرح أكثر من الشخصيات الأخرى الرئيسية التي تتطلب ذلك، في التفاتة من المخرج إلى ما قد يتركه هذا الأمر في كل المشاهد، إذ قد يترك اندفاع وإنشاد الجمهور مع كل شخصية على خشبة المسرح تساؤلاً عن من هي الشخصية الرئيسية والبطلة في المسرحية.

لذلك تعمد الكاتب خلق الشخصية البطلة متمثلة في شخصيتين وفي دور واحد تتمثلان في دور التوأمين المشتبكي الرأس وهما "وائل ونايف" اللذان يمثلان دور أولاد الحاد حمود.

خمول وإثارة الحركة

لعل الذي حققه كاتب النص حينما خلق للشخصية البطلة في المسرحية شخصية لفردين ملتصقي الرأس بدل أن تكون شخصية واحدة بطلة... إشارة منه إلى ما جاء على لسانهما معاً من معنى لحب المواطن وفدائه بروحه لوطنه والمتمثلة "بحب مملكة البحرين". فنرى في أحد المشاهد الاثنين يناديان بصوتهما حتى ينقطع "نفدي الوطن بأرواحنا"، و"حب الوطن بعروقنا"، وانطلاق هذا النداء من الشخصيتين البطلتين في إشارة جاءت مقصودة أو غير مقصودة هو تعبير عن أن المواطن يحب وطنه قبل أن يعرف أن "حب الوطن من الإيمان".

الصورة الأخرى، إدخال الجو الموسيقي والإنشادي لتعزيز نداء الحب للوطن، فتدخل المجموعة المنشدة وهم أطفال العروج للتمثيل المسرحي وهم ينشدون بكلمات تعبر عن حب الوطن، وما أكده اختيار لباس بلون واحد هو لون السلام والمحبة (الأبيض)، حاملين على صدورهم شريطاً من القماش الأخضر مكتوباً عليه "حب الوطن في قلوبنا"، وربما أتت الإشارة المتعمدة الأخرى للتلاحم والتلاصق ليس بالكلمات الإنشادية التي تعني التغني بحب الوطن فقط، فجاء الإنشاد بحركة واحدة ومجموعة متكاتفة؛ الأول بالثاني ويداً بيد، إذ لا يمكن أن يترك المواطن حبه لوطنه جراء معاناته وضياع حقوقه.

أما الصورة التي عاشها الجمهور معي منذ البداية، الصورة التي حكت حال الجدل المقصودة بين الأنا والآخر وبين مسئولية السلطة تجاه المواطن، وسؤال من يتحمل أعباء المواطن الذي يفني كل غال ونفيس في حبه لوطنه، حال كان يلعبها دور التوأمين (نايف ووائل) اللذين كانا يدخلانا في عمق هذه المسئولية التي تتمثل في حمل أعباء الحياة عن والدهما، ومرة أخرى في المطالبة بالعمل أو ببيت الإسكان، ومرة أخرى تحوم هذه الحال على حواف حال الانبهار أو التساؤل المبهم أو الاستغراب، وعلى رغم كل هذه الأدوار التي حكت النص بحذافيره ودقته وكأنه نص أدبي، فإن المسرحية ككل أخذت تراوح مكانها كلسان الحكواتي الذي قد يحكيها الممثل أحيانا بلغة مباشرة ومرة أخرى تأتي بصوت المخرج من خلف ستار المسرح، دلالة على أن هذه الحال لم تستغرق في صوت الحكواتي ولا في الأداء المباشر للمثل.

العودة إلى الترابط

النهاية كانت جدلاً آخر من الاستمرارية بين القبول والرفض للواقع وهي النقطة المحورية التي تقصدها المخرج، وتمثلت في شخصية التوأمين اللذين بذل والدهما كل غال لإجراء عملية الانفصال لهما، ولعبة المراوغة بين رفض وقبول والدهما علاجهما وما كان يتطلبه من مال للعملية وبين ما قد يسببانه من ايذائه بعد علاجهما وخوفه من موتهما أو موت أحدهما، فابتعد المخرج عن حال الإبهار التي عادة ما يتوقعها الجمهور في الكثير من الادوار والتي يجلبها عادة المخرجون لكسر التساؤل عن الجمهور، لكن بقيت حال الدهشة تراوح مكانها بين ما ينتظره الجمهور وبين لعبة المخرج المسرحي المتقن لأداء النص على خشبة المسرح للمتلقي، في صورة من الجدل المتقصد، إذ انتهت المسرحية بعلاج التوأمين وانفصال كل واحد منهما عن الآخر، ما أدى إلى موت أحدهما، في نهاية مأسوية تفرض نفسها في الكثير من الحكايات المسرحية، فلم يرد المخرج إنهاء المسرحية هكذا ليحزن الكل على فراق أحد التوأمين اللذين عاش الجمهور معهما أدوار البطولة، ليحيي التوأم الذي مات فيحضن أخاه ويلتصقان هذه المرة... الجسدان من الأمام بدلاً من الرأس

العدد 1520 - الجمعة 03 نوفمبر 2006م الموافق 11 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً