العدد 1525 - الأربعاء 08 نوفمبر 2006م الموافق 16 شوال 1427هـ

«الوفاق»... وسياسة تمرير «الكتلة»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل عامٍ تقريباً، استوقفني أحد شباب الجيران ليسألني عن رأيي في اختيار اسم «الكتلة» لجمعيةٍ فنيةٍ مكوّنةٍ من شباب المنطقة الموهوبين، الذين نشطوا في تجميل شوارعها ومنازلها بعمل لوحاتٍ جداريةٍ فنيةٍ وقرآنيةٍ متنوعة. فأجبته ضاحكاً: «ويش لكم بهذا الاسم، تعرفون الحكومة معقّدة من اسم (كتلة) و(تجمع) و(تنظيم)، ألم تجدوا اسماً آخر غير هذا الاسم؟!». وكنت في الحقيقة أرغب في التهرّب من الاجابة سلباً بشأن الاسم.

الشباب لم يأخذوا بهذا الرأي، بل حزموا أمرهم وقدّموا أوراق جمعيتهم إلى الوزارة، وحصلوا على ترخيصٍ أولي، وهي الآن تحت التأسيس كما أظن، ومن حسن حظ الشباب أن اسم «الكتلة» لم يواجه اعتراضاً أو شكّاً من الوزارة، فبقي من دون تغيير أو تعديل!

حتى الآن، لا أدري ما الذي أعجب الشباب في هذه الكلمة، التي لم تكن تُطلق قبل أربعة أعوام على غير الكتل الاسمنتية في الشوارع، أما بعد البرلمان، فأصبحت تطلق على مجموعات بشرية، بعضها جاء من تنظيمات أو جمعيات رسمية موجودة في السابق، كالمنبر والأصالة، وبعضها ملصّق (بالرشريش) أصبح يُعرف بـ «الكتلة الإسلامية»، وبعضها ملفّقٌ، لا وجود له إلاّ في الخيال، كـ «المستقلين»، فلم يكونوا كتلةً ولم يكونوا مستقلين، إذا احترمنا عقولنا وكل أدبيات الواقع السياسي!

وربما يكون كرم الصحافة المحلية في توزيع اسم «الكتل»، هو الذي خلق لهذه اللفظة الاسمنتية وهجاً خاصاً في ذاكرة الشباب فاختاروها لجمعيتهم الفنية، على رغم خلوها لغوياً من أي معنى أدبي أو جمالي.

اليوم، تكتسب هذه الكلمة وهجاً أكبر في السياق السياسي العام، وخصوصاً بعد أن أصبحت كلمة السر في خطاب «الوفاق» الانتخابي. فـ «الوفاق» تصرّ على ضرورة دخول البرلمان كتلةً انتخابيةً متماسكةً واحدة. ومن حقّها كجمعيةٍ سياسية أن تفكّر بالطريقة التي تراها تحقّق أهدافها ووعودها لجمهورها العريض، لكن من حقّ الجمهور أيضاً أن يسألها ويحاسبها ويدقّق في التفاصيل.

في البداية كان توجّه «الكتلة الحزبية الواحدة» واضحاً، وهو ما انتقدناه قبل أشهرٍ مع ظهور بوادره الأولى، بالتلميح إلى ضرورة تزكية المجلس العلمائي للمرشحين، على أساس سلبياته إن على مستوى التحالف الرباعي،أو الوطني العام. ولكن «الوفاق» كانت قد حزمت أمرها، ولم تعد تهتم بما يقال، ربما بسبب ثقتها المفرطة جداً بالذات.

البعض في «الوفاق» كان يرى أن من الحكمة «الترفّع» عن الردّ على ما يقال ويكتب، متجاهلاً أن ما يقال إنما هو أسئلة يطرحها جمهور «الوفاق» نفسه، الذي تشبّع بمقولات المقاطعة لمدة ثلاث سنوات ونصف، وإذا به يواجه في أقل من نصف عام، الأطروحة الأخرى (المشاركة)، من دون إعدادٍ أو تهيئةٍ أو إقناع. والحلّ التقليدي في مثل هذه الحال هو اللجوء إلى استيراد النصائح الأبوية من المراجع الدينية، أو الاستقواء بسلاح الفتوى لإخماد أي تساؤل أو سؤال، إلى درجة أن تستدعي عملية تمهيد الطريق لمرور «الكتلة الواحدة المتماسكة»، إزاحة بعض المستقلين، على طريقة التركيع.

الذي يجب قوله هنا، أن بعض هؤلاء المستقلين هم من «الذائبين» في خط العلماء، بحيث يقف أحدهم للإعلان عن انسحابه رسمياً من المنافسة، في قاعة جمعية «الوفاق»، ليتحدّث بمرارةٍ ظاهرة عن «حملة ظالمة» استهدفته قائلاً: «إن القشّة التي قصمت ظهر البعير أن هناك البعض، كباراً وصغاراً، يمشون بلا عقولٍ ولا نفوسٍ طاهرة، كانوا ينهشون لحمي ولحوم الآخرين بعبارات مؤلمة جداً»... وكانت هذه العبارات اتهامه بالخروج على خط العلماء! وللبراءة من تهمة «الاستقلالية»، كان لابد من إشهار نفسه عضواً جديداً ملتزماً بـ «حزبية» الوفاق.

إن التمهيد لمرور كتلةٍ كبيرةٍ واحدةٍ متماسكةٍ، مهما كانت الأهداف السياسية، لا يبرّر الإزاحة على طريقة تكسير العظام، وسيظل خطأ استراتيجياً يُحسب على «الوفاق»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1525 - الأربعاء 08 نوفمبر 2006م الموافق 16 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً