على سبيل السخرية، أطلق مارسيل بروست دعابة، تقوم على الاعتقاد بأن ديبوسي متفوق على بيتهوفن، لأنه أتى بعده، وجاء كثيرون من الحمقى، وصدقوا مقولة بروست المتخلف، وبما أن بروست شديد الرجعية، مختص بارتكاب الحماقات، فقد وجدتني منحازاً إليه تماماً، لأبرر لنفسي بعض ما أقوله، وما أريده.
لدي أربع كلمات، تشكل كل اثنتين منها (اسم مسلسل سوري أخرجه بسام الملا) (ليالي الصالحية، باب الحارة) ولن أكون قلقاً إن بدلت بين الكلمات ليصبح التركيب هو الآتي (ليالي الحارة، باب الصالحية) فالنتيجة واحدة: احتلال فرنسي، حارة شامية فيها عكيد وزعيم وعضوات، وفوال وحلاق، ولص (حصراً بسام كوسا) وفواكه ليست في موسمها، ونساء ثرثارات... والشيء المهم في المسلسلين هو المقولة الكبيرة :( الحرام لا يدوم) والتوبة النصوح هي الخاتمة الوحيدة، حتى وإن ذهبت يد السارق وروحه في الحلقة الأخيرة. و على رغم الواقعية المستعادة ببعض الأخطاء، إلا أن الفانتازيا فرضت نفسها بالقوة ليحل الخير والعدل، ولينتصر ذو الجاه والمال والجبروت، ولو بغطاء درامي لطيف.
ولو أسقطنا المقولة على عالمنا، فإننا سنخلص إلى نتيجة معاكسة، أو أننا سنجد شريحة واسعة من مجتمعنا يسيرون مقطوعي الأيدي في الشوارع.
المسلسل (باب الحارة) من بطولة : بسام كوسا، عباس النوري، عبد الرحمن آل رشي، بالإضافة إلى البيوت البلاستيكية التي تقاسمت معهم البطولة، وسترت وجه الزعيم أمام عضوات الحارة، وشارك في البطولة : سيناريست (ليالي الصالحية).
أخيراً، ومن دون استخدام أي فراسة، أدركنا أن فراس ابراهيم عندما يلعب دور البطولة في مسلسل ما، سيكون المسلسل من إنتاجه وستكون صفاء رقماني حبيبته ومن الضروري أن نقع نحن المشاهدين في بحار العذاب والوله حتى نظن أننا نشاهد مسلسلاً أنتج قبل مئة عام. فالانفعالات الكئيبة لفراس ابراهيم ترهق المشاهد من حلقة واحدة ودموع رقماني تؤرقه من مشهد واحد. بعد (حروف يكتبها المطر) جاء (أعيدوا صباحي) وهما حكاية واحدة هي حكاية فراس ابراهيم وصفاء رقماني، وتقوم الحكاية على اختراع أحداث لخلخلة العلاقة بين الاثنين ولكنها غير مقنعة وكأنها تؤكد للمشاهد أن هدف المسلسل هو إبراز البطلين كعاشقين مطلقين وكل من حولهما هم اكسسوارات ضرورية للعرض. إذاً فالمسلسل يبدو مكتوباً خصيصاً لهما.
بعد أن كوفئ هاني السعدي على براءة اختراعه في طرح موضوع الأيدز في مسلسل (أبناء القهر) أعجبه الحال، فأعاد الكرة في مسلسل (أسياد المال) وتكررت أيضاً الحال البوليسية المتاخمة لأفلام الأكشن الأميركية، مترافقة مع الدموع الهندية، وأخيراً جاء المزيج غير متجانس كالعادة، وتصح تسميته (خلطبيطة).
لطريف في مسلسلات هذا العام عدا عن تكرار بعضها، هو اشتراك الفنان في عدة مسلسلات دفعة واحدة، ما يضطر المشاهد الذي ازدحمت ذاكرته إلى التساؤل عن سبب التغيير المفاجئ عند ممثل ما بين حلقة وأخرى إلى أن يتوقف قليلاً ويجري فرزاً لإعادة الأمور إلى نصابها ويدرك أنه خلط بين مسلسلين. كيف يمكن لمكسيم خليل مثلاً أن يعشق أمه نادين؟ والجواب: إنه عشيقها في مسلسل (أسياد المال) وابنها في مسلسل (غزلان في غابة الذئاب) تتنقل دينا هارون بين مسلسلين، ولكنها تحافظ على أمها نادين مع أنها مرة تكون فتاة لعوباً وفي أخرى رزينة.
عبير شمس الدين تبقى نفسها: فتاة دلوعة ومريضة ومغناج في مسلسلين (غزلان في غابة الذئاب) و(أعيدوا صباحي) وفي المسلسلين تظهر متصنعة وغير مقنعة إلا لنفسهاوللمخرج.
يبقى (غزلان في غابة الذئاب) جديداً في مضمونه واقعياً في طروحاته وجريئاً في مقولاته وغير مكرر لما قبله وحتى أبطاله «قصي خولي وأمل عرفة خصوصاً» فاجأوا الناس بأدائهما. و على رغم كل هذا، جاءت الحلقتان الأخيرتان، وكأنهما مقحمتان بالمسلسل أو مستعارتان من مسلسل آخر. فكل ما في العمل يشير إلى أن الحوادث في عامي 2005- 2006 وبالانتقال عشرين عاماً إلى الأمام وجدنا أنفسنا في عالم مفترض لا روح فيه وقد أفقد العمل تماسكه.
(غزلان في غابة الذئاب) يفتح اسئلة درامية كثيرة، من أهمها: كيف يمكن تجاوز هذا النص الجريء المتفرد هذا العام ونحن نجد أنفسنا أمام نصوص تكرر نفسها وتفتخر بضعفها؟
خليل التقي - دمشق
العدد 1527 - الجمعة 10 نوفمبر 2006م الموافق 18 شوال 1427هـ