العدد 1548 - الجمعة 01 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي القعدة 1427هـ

معنى خسارة عبدالنبي سلمان

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

كانت كتلة النواب الديمقراطيين - ومعها عدد محدود من المستقلين- أكثر كتل نيابي 2002 التزاماً بالبعد الوطني والديمقراطي في العمل النيابي، وأبعدها في المنطلقات والعمل عن النَفس الفئوي أو الطائفي الكريه. لقد عبّرت الكتلة عن وجه البحرين الوطني والحضاري، وسعت بما طرحته إلى تعزيز وترسيخ قيم مجتمعية ديمقراطية كالمواطنة والتعددية والتسامح والتحديث. وبناء على ذلك كان تركيز اهتمامها على الملفات ذات الطابع الوطني العام مما يتعلق بمصالح المواطنين وحقوقهم. وعملت الكتلة وبمعيتها قلة من المستقلين على أرضية مليئة بالألغام والأشواك داخل المجلس وخارجه. فمن داخل المجلس شيدت كتل الإسلام السياسي الطائفي بعددها وعدتها سداً منيعاً في وجه طروحات الكتلة ونشاطها البارز، على الملفات الوطنية الأساسية التي مست مصالح الوطن والمواطن. من جانبها، وقفت الحكومة، بالمرصاد لأعضاء الكتلة وتصدت لطروحاتهم ومشروعاتهم ودورهم الوطني الشفاف في الانحياز للوطن والمواطن. وخارج القبة البرلمانية تصدى اتجاه المقاطعة الواسع ممثلاً عن جمعياته لمقاطعة الكتلة وعدم الإقرار بدورها الوطني والديمقراطي داخل المجلس. وفي الوقت ذاته التقليل من شأن أعضائها ومن أدائها وطروحاتها تحت القبة. ذلك في حين أن الكتلة كانت تطرح القضايا الوطنية وتتصدى للملفات التي نافح عنها المقاطعون. وعلى الجانب الآخر لم يسهم مستوى الوعي السياسي لعموم الناس في تثمين دور وأداء هذه الكتلة ودعمها. أما لماذا نخص عضو كتلة النواب الديمقراطيين النائب السابق عبدالنبي سلمان بالذكر؟، فلذلك أسباب عدة بعضها مرتبط بما كان يمثله سلمان داخل الكتلة وبعضها مرتبط بميزات هذا النائب الوطني الديمقراطي وبأدائه الشخصي. لقد كان عبدالنبي سلمان هو شعلة النشاط المتقدة التي وقدت بها زناد كتلة الديمقراطيين، إلى جانب كونه ناطقها الرسمي وصوتها الوطني الأعلى ارتفاعاً تحت القبة. الشعور بمرارة عدم فوزه لنيابي 2006 لم يأت من فراغ، فعبدالنبي سلمان بتجربة أربع سنوات نيابية صعبة غدا مترشحاً كفؤاً متمكناً من التعامل مع أصعب الملفات الوطنية في المجلس. وبات مستوعباً طبيعة الكتل وطروحاتها وأساليب عملها، وواقفاً على ماهية ردود الفعل الحكومية ونوع آلياتها المتبعة في التعامل مع المجلس حيال هذا الملف أو ذاك. لم يكن عبدالنبي سلمان نائباً موالياً للحكومة باصماً على رأيها مصوتاً لطروحاتها، تشهد بذلك مضابط جلسات النيابي على مدى الأربع سنوات الماضية.

كان عبدالنبي سلمان بمعية أعضاء كتلة الديمقراطيين هو الصوت النيابي الأشجع والأبرز في التصدي للملفات الحساسة التي ناقشها المجلس، وفي فضح قضايا الفساد وفي طرح قضايا حقوق المواطنين. وحينما كانت تحين لحظة الحسم واتخاذ القرارات والتصويت كان عبدالنبي سلمان وزملاؤه في كتلة الديمقراطيين يُتركون لوحدهم في ساحة المعارضة المغردة خارج سرب النوازع الطائفية أو الموالاة، والتصديق على التوجهات الحكومية حيال القضايا المطروحة. لقد برز دور سلمان الكبير والمحوري منذ بداية عمل المجلس في قضية شارع المعارض؛ وفي فضح أكبر قضية فساد في ملفي التقاعد والتأمينات؛ وفي إثارة قضية التمييز وفي مناقشات الموازنة العامة واستعادة أموال الناس؛ وفي إفشال مقترح وقف مواكب العزاء وفي وقف تسريح عمال بتلكو؛ وفي طرح مشروع إسكاني بمسمى الرهن العقاري. وحتى موقفه من ملف الأحوال الشخصية الذي تحفظنا على جزئية منه، فقد كان النائب ينطلق فيه من واقع مجتمعي معقد كان ينذر بالانفجار. لهذا انطلق سلمان يلعب دوراً كبيراً في بلورة توافق بين السلطة الرسمية وعلماء الدين على صيغة توافقية هي مدونة الأحوال الشخصية كبديل يحفظ للمجتمع استقراره وتماسكه. وفي معمعة عمل النائب السابق عبدالنبي سلمان تحت القبة وخارجها، لم تغب عنه هموم المواطن في الدائرة الانتخابية التي أوصلته لكرسي النيابة فقد كان دوره واضحاً وكبيراً في استعادة أهالي عالي لأراضيهم وأملاكهم. وكان قريباً من ناخبيه ونجح في فتح كافة قنوات الاتصال والتواصل معهم. أما ما لم نقله في حق هذا النائب فكثير من الصولات والجولات التي تشهد بها مضابط جلسات البرلمان واجتماعات لجانه. جمعية الوفاق التي تملك نسبة كبرى من الشارع الشيعي اعتماداً على مخاطبة مشاعره الدينية وطرح قائمتها الإيمانية لم تدعم عبدالنبي سلمان، وكأن العمل النيابي لا يثمر إلاّ بوجود وجوه مزكاة من المرجعية الدينية. ولو اقتصر الأمر على الإمساك عن الدعم لكان الأمر أهون على عبدالنبي سلمان الذي واجه محاربة ظالمة في الدائرة عملت بترتيب منظم على قطع الجسور الخيرة والقنوات الحميمة التي شيدها مع ناخبيه. نحترم جمعية الوفاق كخط معارضة قوي وواسع، لكننا نحسب أن الوفاق لم توفق حين فرّطت في الإخلاص الوطني والجهوزية والتجربة التي يمثلها هذا الرجل الذي كان كفاءة (مصلمة وبارزة) كما يقول مثلنا الشعبي. بخسارة سلمان خسر الوطن وخسرت المعارضة أحد أعمدتها المؤثرة تحت القبة. بخسارة سلمان خسرت الوفاق أكثر منه، فقد كان فوزه كفيلاً بمنح الوفاق نقاطاً ناصعة في رصيد توجهها الوطني بما يحمله من معاني المشاركة والتسامح والاعتراف بالآخر. وكان فوزه - لو حصل - تأكيداً لصدقية ما أعلنه الأمين العام للوفاق عبر وسائل الإعلام حول ضرورة تفعيل قيمة المواطنة كضمانة من ضمانات تماسك هذا المجتمع ونجاح مشروعه الوطني. ليس لنا أن نقول بعد ذلك سوى أن المعارضة في معمعة صراع العمل النيابي المقبل ودهاليزه الضيقة ستفتقد دور عبدالنبي سلمان، ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1548 - الجمعة 01 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً