العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ

لا يدخل هذا البيت إلاّ من يُحسن الكلام

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا أظنني قد كنت خارج المدار الشبابي الذي كان يتغذي بِنَهَمٍ على أفكار وأطروحات الدكتور عبدالله بن فهد النفيسي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي حين كان (ولايزال) يمخر في الجنبة الأكثر ممانعة للسائد العربي المتهالك. الرجل وإن بدا «ردايكالياً» في نقده واستظهاره للأشياء إلاّ أنه لم يتمثّل بتوتاليتارية بلهاء تمتهن فن الردح التهييجي بقدر ما كان متماسكاً إلى الحد الذي يجتاز فيه أية تُهمة جوّالة أو تعيير تُطلقه الأنظمة اللائكية ضده، وقد وفّر له ذلك مكانة في الوسط السياسي قد لا يطالها غيره. في الفترة التي أعقبت احتلال العراق وما تلا ذلك من إعادة تصنيف للملفات والقضايا بشكل مُخيف والزحاف العمودي الذي حصل في النخب والقطاعات الشعبية فقد اجترح الدكتور النفيسي لنفسه مكانة متقدمة بين أوساط تلك النخب بشكل يميني غير مُعتاد وأخذ في التصريح جهاراً بخيال يتجاسر على ما لم يسبق التفكير فيه أو على الأقل ما كان مُصنّفاً على أنه «غير مُجازٍ» قوله خارج الغرف المُغلقة، وباتت مُصطلحات «نحن أهل السُنّة والجماعة» و»الغزو الصفوي» و»الأطماع الفارسية» و»القفّاز الشيعي» تُستدعي في أحاديثه وكأنها تنتزع المحذور عنوةً، وهي بالتالي تموء في سياق التثوير للهمم العرقية والإثنية والمذهبية.

نعلم جيداً حجم المأساة والكارثة التي رُزِيَ بها الجميع بعد الاحتلال الأميركي الغاشم للعراق، وما آل إليه هذا البلد من ظهور أشياع تحكّمت في رقاب الناس، لكن ذلك لا يُبرر أبداً لأن يُصار إلى اصطفاف طائفي يحمل صبغة مذهبية لن تُضيف نقاطاً لأحد، بقدر سلبها مزيداً من مخزون الأمان الاجتماعي الذي تمّ بناؤه على حذر لبنة لبنة منذ مئات السنين، وهنا وعلى رغم دقّة المسألة وحساسيتها فإن المقام يفرض علينا أن نُفتّت إلى حد ما الحديث ليكون أكثر مباشرة واستيعاباً، لقد عضّينا على الجراح سنين طويلة من التهميش والاضطهاد التي وقعت في العراق على يد النظام العفلقي المُدّعي التسنّن من دون وجه حق ضد شيعة الجنوب ووسطه، وبعد احتلاله ظلماً من الأنغلوساكسونيين عارضنا ذلك وأدنّاه، ولم نَرَ أن الجراح التي خلّفها صدام حسين تستحق معاونة المحتل وتسويغ إجرامه وإدخاله البلاد وكم كان السيدحسن نصرالله أمين عام حزب الله لبنان واضحاً في خطابه قبيل الحرب على العراق، ثم أيّدنا المقاومة العراقية الشريفة التي تواجه المحتل من دون سواه، وحينما كان العشرات يُصَرّعون على الطرقات بفعل السيارات المُفخّخة في النجف الأشرف وكربلاء المُقدّسة والحلّة والمُسيّب والصدر كُنا ننسبها دائماً إلى المحتل الأميركي والموساد الصهيوني على رغم علمنا بوجود أيد آثمة أخرى تعيش ظلام العقل والسَفَه وتقتات من مُرسَل الإسلام وآحاده وإسرائيلياته، ولم نكن نبغي من ذلك محاباة لأحد أو أن نكسب وداً هو في أصله مُؤجّل، بل كان انطلاقنا دائماً هو الحرص على وحدة الأمة وعدم نكأ الجراح، ولم نكن ننادي يوماً بغزو سُنّي هنا أو هناك رغم المظالم التي وقعت على الأقليات الشيعية في عدد غير قليل من مناطق العالم العربي، إذاً فما بال الدكتور النفيسي قد خَلُصَ إلى ما خلُصَ إليه من نتائج لتجريم مُطلق وبشكل يميني مخيف، غير آبه بالتركيبة المُعقّدة للإثنيات والمذهبيات القائمة، وما بال خطابه السياسي وقد امتهن لغة التثوير المذهبي والحديث بما لم يقله مالك في الخمر، وهو ما يعني أنه يُساهم بغير علم في إعادة تصنيف أجزاء الصورة القائمة، بل إنه سيدفع (خطاب النفيسي) بقوة لإعادة فرز المحايدين ليدفعهم عنوة لأن يتخلّوا عن حيادهم الذي سيُصبح بلا فائدة تذكر، ثم صيرورته ترفاً وصناعة قد بارت أمام ما يجري من أحداث جِسام لتلتقي الأفكار والمذهبيات لاحقاً صدراً بصدر أملاً في تفريغ هياجٍ أرعن يُراد له أن يخرج من قمقمه البائس.

يتتحدث النفيسي في محاضراته اليوم غير مرة عن الأطماع الفارسية وعن القفّاز الشيعي، ويتساءل أين تكمن مساحة الاحتراب ومتى تغيب بين الإيرانيين والأميركيين؟ وكيف نفهم ما تريده كل من واشنطن وطهران من بعضهما بعضاً؟ وهل هما شريكان أم خصمان أم حليفان أم... إلخ؟ وهي إشكالات لا أظنّ أن النفيسي لا يعرف لها جواباً وهو الخبير بالعلاقات الدولية ومصالح البُلدَان، ولا أظنه أيضاً قد نسي ما جرى إبان إرهاصات الحرب العالمية الثانية عندما قامت الولايات المتحدة بفرض حصار اقتصادي خانق على اليابان وجُمّدت أرصدته ومنعت الصادرات والواردات عن و(من) السواحل اليابانية، إلاّ أن السفير الياباني في واشنطن كيشي سابورو نومورا كان يجري محادثات مع وزير الخارجية الأميركي آنذاك كورديل هول!.

ولا أظن أيضاً أن النفيسي ناسياً بما يجري اليوم بين الصين والولايات المتحدة من حرب اقتصادية مكشوفة تضاهي قعقعة السلاح بعد النزيف الذي أصاب الاقتصاد الأميركي بـ 202 مليار دولار، إلاّ أن الرئيس الصيني هو جينتاو زار واشنطن أخيراً واجتمع بالرئيس بوش للمرة الخامسة منذ العام 2001.

ولا أظنّ أيضاً أن النفيسي ناسياً بأن المصالح الأميركية مازالت تدار في إيران عبر سفارة السويد، وأن واشنطن مازالت تشتري السجاد والفستق الإيراني عبر سماسرة ووسطاء تجاريين، وان مسئولين إيرانيين يدخلون الولايات المتحدة منذ انتصار الثورة الإسلامية على اعتبار أن نيويورك تحوي المكاتب الأممية الرئيسية للأمم المتحدة، فهذا منطق الدبلوماسية والبروتوكول العالمي والمعاهدات الدولية بين الأقطار. إن ما يجري بين طهران وواشنطن لا يختلف عما يجري بين أية دولة وأخرى في حدّه الأدني، ثم كيف يُفسّر لي الدكتور النفيسي المواءمة المُفترضة ما بين تدخل إيراني في العراق؛ وطلب واشنطن المساعدة منها، ثم محاولة جر ملفها النووي إلى مجلس الأمن، ثم فرض حصار اقتصادي عليها، ثم تشجيع بيع السلاح إلى دول الاتحاد السوفياتي السابق لإحداث توازن مع إيران، ثم التدخل في تسوية بحر قزوين ثم ثم ثم... ما يهمنا اليوم جميعاً أن نكون بمستوى الأزمة القائمة وخطورتها، وأن نُؤجّل ولو إلى حين قضايا الحدود الداخلية للمذاهب، لأن السقف عندما يسقط فإنه سيسقط على الجميع دون تفريق لأي أحد

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً