العدد 2475 - الثلثاء 16 يونيو 2009م الموافق 22 جمادى الآخرة 1430هـ

الانتخابات الإيرانية واللبنانية... السنن وحركة التاريخ

هبة رؤوف عزت Heba.Raouf [at] alwasatnews.com

كاتبة مصرية

اتجهت الأنظار إلى الانتخابات اللبنانية ثم الإيرانية في الأيام الأخيرة. مفيد أن نقرأ الانتخابات في كل دولة في سياقها، نرى القوى الصاعدة والقوى المتراجعة، لكن نميّز أيضا بين الواقع والأساطير الإعلامية، والحقيقة ودخان التحليلات الصحافية المأجورة أو الموتورة، أو العدائية (من جهة العدو).

فهم ما حدث في لبنان وإيران لابد أن يكون على خلفية الأحداث الداخلية والمشهد الإقليمي معا، لكن الأهم أن نتعلم من كل لحظة تاريخية منطق سنن الله في المجتمعات وقواعد التدافع التي تحكم البشر.

في لبنان قد نختلف في تقييم الوضع، لكن أعتقد -وأنا من أنصار المقاومة- أن حزب الله في حاجة لمراجعة حصاد أدائه السياسي منذ نهاية حرب 2006. احتلال بيروت يحتاج وقفة، وعلى المستوى الإقليمي كان التوجه للجيش المصري في خطاب السيد بالحديث أيام حرب غزة أمرا يحتاج مراجعة. ولست ممن يؤمنون بالدولة القومية كقيمة عليا، فلي عليها مراجعات كفكرة ومؤسسة سياسية حداثية لها مشكلاتها وبها اختلالات جوهرية كمنظومة نظرية وواقع عملي، فالسيادة كلمة لا تخيفني في المشهد الداخلي اللبناني أو المشهد العربي الإقليمي، لكن الحكمة والحنكة في التعامل مع متطلبات اللحظة الضاغطة في مقابل تداعيات المدى البعيد مسألة في غاية الأهمية وتحتاج حسابات دقيقة. لكن العقل السياسي مختلف عن العقل الحضاري، والتحدي هو في الجمع بينهما.

لم يخسر حزب الله الانتخابات، بل خسر تحالفه مقاعد، وهناك عشرات الألوف تم تحميلهم على الطائرات على حساب دولٍ في المنطقة وقوى في الداخل لتغيير موازين الدوائر الانتخابية. وقد أحسن حزب الله صنعا بالصفح عن الدخول في هذه المهاترات، وقبول نتيجة الانتخابات، والتأكيد على ثوابته، وسيكون لبنان في الفترة القادمة أمام تحديات صعبة ستحتاج مرونة من حزب الله واستقامة من القوى صاحبة الأغلبية، وسيبقى لبنان يواجه تحدي الاستقلال وحتمية التواصل، فلن تتوقف الامتدادات العابرة للحدود، وستظل الدولة اللبنانية هشة. وتحويلها لدولة قومية بالمعنى الدقيق قد يفجر الأوضاع، واستمرار التوازنات الهشة ينذر بأزمات متلاحقة، وعلى قوى لبنان محاولة ضبط المعايير.

دعم المقاومة لا يعني السكوت على أخطائها، وصديقك من صدَقك لا من صدّقك، وعلينا أن نهدي لحزب الله عيوبه، ونصوّب مساراته في بعض الملفات لو لزم الأمر، لأن المقاومة بطبيعتها ليست ملك الداخل بل ملك الأمة، دون أن تفرض الأمة أجندتها على قوى المقاومة التي ستظل أسيرة حسابات داخلية لا فكاك منها. ومن هنا حساسية الميزان في القضايا المتنوعة.

المؤلم في المشهد الإقليمي هو تدخلات مباشرة وخفية من قوى إقليمية، وشماتة إعلامية لا تليق بكيانات سياسية مركزية في المنطقة انحازت بوضوح لفريق على حساب الآخر، وكان يمكن أن تتعامل بذكاء أعلى وبشكل أكثر أخلاقية -لكن يبدو أن كلمة الأخلاق لا مكان لها في عقلية بعض الأنظمة الاستبدادية (طبيعي)!

لكن سيظل هذا الفرح الطاغي والفخر بالمواطن اللبناني وبالنموذج اللبناني: نراقبه في غبطة ونحن في أقطارنا العربية المختلفة نختنق من القبضة الأمنية والفجور الذي تمارس به السلطات مهامها اليومية بدون خجل أو تحفظ... على جثة الأوطان.

إذا انتقلنا للمشهد الإيراني نشعر بالفخر للإقبال على الانتخابات بشكل غير مسبوق، ونعرف أن هناك تركيبة خاصة للنظام تتسم بالهيراركية، وهناك عنصر الطاعة الدينية للمراجع التي تتعلق بأمور سياسية في خلط ليس له مثيل في أي نظام آخر. شبهة التزوير كانت جاهزة، والصدمة التي قوبل بها انتصار أحمدي نجاد متوقعة، والمزايدات الإسرائيلية لتخويف العالم مفضوحة، والارتباك الأميركي مثير للاهتمام، والاستعانة بالخارج من بعض قوى الداخل، وظهور صوت ابن الشاه في منفاه مطالبة بتدخل الدول الأجنبية لتغيير الوضع ليس بمستغرب.

هناك قوى تعمل على الأرض تريد إثارة القلاقل، وللنظام الإيراني أخطاء في التعامل مع مواطنيه من السنة تحتاج معالجة كي لا تكون ذريعة لاستثارة أحقاد مذهبية ومنح الحرب الطائفية الإعلامية المزيد من الوقود.

لكن درس إيران الأكبر هو التجهز والتسلح بمقومات القوة في عالم لا يعرف إلا منطق القوة، مع الحفاظ على قيم وثوابت تعطي للتاريخ وللحاضر مزيجا لا تعرفه سوى تلك الدولة، فلها خصوصية ملهمة وإن كانت تستعصي على التكرار لنفس هذا السبب.

ما يهم المتابع أكثر هو هذا الثراء الفكري الإيراني، ففي ظل محاولات تجديد الفكر الشيعي وتجديد حال السياسة هناك أفكار ثرية يتم طرحها على الساحة من قوى متنوعة المشارب، ويلفت المتابع هذا الانتاج الغزير والرصين للأفكار على الساحة الإيرانية، ويحزن المرء لأن الفكر العربي يمر بأزمة حقيقية، وتوقف الزخم الذي شهدناه في السبعينيات والثمانينيات حين دارت نزاعات مثمرة بين القوى العلمانية والقوى الإسلامية وبين الليبراليين وغيرهم، وبدا اليوم الأمر كأن الناس قد ملت والمثقفين قد يئسوا، ونحتاج ثورة فكرية لنخرج من حالة الركود التي أصبح فيها أصحاب الأفكار الجديدة يعدون على أصابع اليد، فالنخب الفكرية والثقافية تحتاج ثورة مفاهيمية... وهمة.

لا أشعر برغبة في الانحياز لقوة على حساب أخرى، ولا للدخول في تفاصيل، لكن المشهد اللبناني واللحظة الإيرانية تصيب أي عربي بالكمد لحال أنظمة تعاني من العقم ومن توريث الحكم ومن فقدان الجماهير للأمل.

ولن ينقذ هذه الأنظمة ما أسميه «تأنيث الاستبداد»، أي السعي لتجميل الصورة بإضافة مقاعد نسائية في البرلمانات، أو تلميع بعض الرموز من الأسر الحاكمة (وكل العالم العربي به أسر حاكمة) من النساء وكأن النظام لو صار له وجه أنثوي صار ديمقراطيا! وقد كتبت في أكثر من سياق أقول إنه لو ذهبت كل مقاعد البرلمانات العربية للنساء فإن هذا لن يجعل تلك الأنظمة ديمقراطية بأي حال من الأحوال، لكنها الرغبة في تجميل الوجوه الكالحة وشد جلدها المترهل بجراحات تجميلية لا تخدع أحدا... حتى لو رحبت بها كوندي أو سعدت بها هيلاري من بعدها.

العالم من حولنا يتغير وحركتنا بطيئة، وسنن الله لا تحابي أحدا، نتعلم من دروس السياسة لنفكر في شئون وشجون الحضارة. وتدلنا مؤشرات الراهن على وضعنا على خريطة المستقبل الذي لا يبدو مبشرا للعرب لو استمر الحال على ما هو عليه.

نسمات الانتخابات اللبنانية والإيرانية منعشة في هذا الحر... يتحرك التاريخ في مناطق أخرى وبعض ديارنا في حين تغط مساحات كثيرة في نوم عميق خارج التاريخ... ولله عاقبة الأمور.

إقرأ أيضا لـ "هبة رؤوف عزت"

العدد 2475 - الثلثاء 16 يونيو 2009م الموافق 22 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً