العدد 1557 - الأحد 10 ديسمبر 2006م الموافق 19 ذي القعدة 1427هـ

تأملات في خسارة منيرة فخرو

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

عندما أتأمل في الانتخابات واستحضر خسارة مرشحة «وعد» منيرة فخرو، أشعر بالضجر والإحباط، وعزائي الوحيد أن أتذكر على الفور التحليل التي استخدمه أحد الزملاء في الميدان الصحافي كنوع من جبر الخواطر وتخفيف آثار النتيجة. زميلي استخدم التعبير في موقع آخر مختلف تماماً بشأن التعيين في المجلس النيابي، إذ عبّر عنه بأن المترشحة التي فازت بالتزكية فازت ولكنها لم تنتصر. استعير اللفظة بشكل معكوس تماماً، لأنني فعلاً أرى أن مرشحة وعد انتصرت على منافسها ولكنها لم تفز، وهذا شرف لها ولنا. فالدائرة التي قررت النزول فيها، دائرة صعبة جداً، لا لكونها تبارز رئيس جمعية سياسية، ولكن لكونها تنزل في دائرة هي على النقيض من توجهاتها، في الوقت الذي تحمل فيه خطاباً معارضاً حتى النخاع، وتحمل برنامجاً سياسياً يختلف كل الاختلاف مع ما لدى جمهور الدائرة من رؤى وتصورات.

تركيبة الدائرة تم صوغها وعلى مدى سنين طوال بشكل مغاير تماماً مع ما لديها من تصورات إصلاحية جوهرية، ولكنها نجحت إلى حد بعيد في إزالة الغشاوة التي كانت تغطي العيون، فقد انتصرت انتصاراً كبيراً على خصمها الذي فاز بالمقعد النيابي. وأظن أن كلا المرشحين حققا هدفهما، فأحد أهداف مرشحة وعد خلق وحدة وطنية والابتعاد عن الطائفية، ونجحت إلى حد بعيد في غرس جذور وطنية كانت مفقودة، ولم تكن تحلم بالمقعد لأنه قد لا يتحقق حلمها لأي سبب من الأسباب، موضوعية وغير موضوعية. أما خصمها فقد ترشح للانتخابات وهو يحمل هدفا كبيرا، هو الحصول على المقعد النيابي بما يشبه ضمانات أكيدة.

ما حصل لمنيرة للأسف الشديد حصل لكل أعضاء كتلتها الانتخابية الستة، ولأسباب مختلفة بحسب قراءة الدوائر، ولهدف واحد بات مكشوفاً، فالشارع يتكلم عنه. فمن الواضح أن هناك اصطفافاً خطيراً بغرض منع وصول أي من مرشحيهم إلى المجلس، باستخدام هذا الاسلوب أو ذاك، للتحكم في العملية الانتخابية بما يفشل شخصيات المعارضة السنية، التي تحمل برامج سياسية وتمتلك كفاءات علمية تمكنها من تحقيق إصلاحات سياسية لصالح الوطن والمواطن على حد سواء.

نرجع إلى الموضوع الرئيسي، وهو محاولة تفهم خسارة منيرة فخرو في الانتخابات، وانتصارها كمرشحة نجحت في إدارة حملتها بجدارة تامة فاقت كل التصورات، ونجحت إعلامياً واستطاعت أن تخلق علاقة ورابطاً قوياً بينها وبين جمهورها. ولو تكلمنا بلغة الأرقام لشعرنا بحجم الهزيمة، ليس فقط على مستوى منافسها بل على مستوى المترشحين الآخرين، فقد كان مقرها الانتخابي ساحة من ساحات التجمهر، تحتشد وتتفاعل مع كل ما يقال من خطابات، ويكفينا تذكر الأرقام (4500 وأحياناً 5500)، على رغم أنها لم تكن بنت الدائرة، وإنما انتقلت إليها كتكتيك انتخابي، ولكنها على أي حال بنت البحرين، ولها تاريخ سياسي طويل ومشرف، والشارع يتفهم فيها الرغبة في أن تكون ممثلة له، فوقف معها واحترم رغبتها وقدّم لها من الدعم ما يكفيها لأن تقف مرفوعة الرأس وتتكلم عن انتصارها في المعركة الانتخابية.

الحكومة من جانبها فوّتت على نفسها فرصة ذهبية، فهي على رغم كثرة حديثها عن أهمية التمكين السياسي للمرأة، ورغبتها في وصولها إلى قبة البرلمان، ووقوفها مكتوفة اليدين أمام هذا النموذج ودعمها لآخرين في مواضع أخرى، ما كان لها أن تفوتها لأنها فرطت في دعمها ووصول أول امرأة لقبة البرلمان من الدورة الثانية والدورة الأولى للقوى السياسية المقاطعة. نعم فوتت عليها الفرصة لكونها أفضل الخيارات الموجودة من جهة، واستحقاقها لكونها أول من تصل للمجلس النيابي بالانتخاب وتكون ممثلة للمرأة وكل أبناء البحرين.

القوى السياسية الداعمة لها أيضاً تتحمل جزءًا من الوزر، لكونها ضحت بها في دائرة تكاد تسمى مغلقة على التيار المنافس، وكون المرشحة تمثل أحد رموز التيار الليبرالي فكانت ذريعة له لمحاربتها، وعلى رغم نجاحهم في أمر كهذا، فإنه بدا محدوداً بدليل تعاطف عدد لا بأس به من الناخبين معها، وهذا يدل على نضجهم السياسي ورغبتهم في التغيير، ولكن هناك حاجة إلى وقت أطول للعمل على استقطابهم. والحكومة تدخلت في ضبط جميع المتغيرات بوقت كافٍ، فلم تعلن عن موعد الانتخابات إلاّ عندما حاصرت الجمعيات السياسية، فلم يكن لدى الجمعيات الوقت الكافي لإدارة الحملات الانتخابية والالتقاء والاتصال بجمهورها.

نزولها بهذا الثقل والقوة، وهو ما تؤكده لنا من جديد لغة الأرقام، إذ حصدت كماً كبيراً من الأصوات وصل إلى 3196، بفارق 12 صوتاً فقط لمنافسها في المركز الفرعي الرئيسي للاقتراع، على رغم ما سمعناه طوال فترة الانتخابات من شائعات تحاول المساس بشخصها، من تسميتها بالعلمانية وعدم لبسها الحجاب في بلد محافظ لا يؤمن كثيراً بقدرات المرأة ولا يعترف بمشاركتها في العمل السياسي ولا يقدر أدوارها الوطنية. كما أن الحاجز النفسي لايزال ضارباً جذوره في العمق، لكون المرأة إلى الآن لم تصل بالانتخاب ولم تمارس العمل النيابي، ولم تقيم تجربتها لكونها لتوها ستمارسه من خلال وجود إحداهن بالتزكية. ومع ذلك، كثيراً ما نسمع أن هناك صعوبات ومعوقات ميدانية تحول دون وصول المرأة بالانتخاب.

من خلال التجربة التي نتكلم عنها يبدو أنه لا معنى من الآن فصاعداً أن نفتري على الميدان أو نلقي مبررات لا أصل لها على إرادة الناخب، وأظن أن الناخب البحريني أكثر وعياً ونضجاً، ويمكن التعويل عليه، فمازلنا إلى الآن نرى تعاطف الشارع مع خروج مرشحة وعد بخفي حنين. كما لانزال نرى الحسرة في عيون الناس من خلال التفريط في مشاركة المرأة وإيجاد الدعم الملائم لها، فقد كنا قاب قوسين أو أدنى لكسر الحاجز النفسي، وأظن أنه فعلاً لا يوجد حاجز نفسي يحول دون انتخاب المرأة إذا كان أداؤها مقنعاً وخطابها فاعلاً. في الجهة الأخرى، وجود منافسها في الساحة خلال أربع سنوات كنائب ورئيس كتلة ورئيس لإحدى الجمعيات السياسية وكونه ابناً لهذه الدائرة وأبرز رموز التيار الغالب فيها... ومع ذلك فإن فارق الأصوات يؤكد انتصارها المعنوي الكبير

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1557 - الأحد 10 ديسمبر 2006م الموافق 19 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً