العدد 3846 - الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ

20 مارس والذكرى الـ 57 للاستقلال... أَهيم بتونس الخضراء

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لا ينسى التاريخ الحديث احتلال فرنسا لتونس بموجب اتفاقية الحماية في مايو/ أيار 1881. وقد استمر هذا الاحتلال طيلة 75عاماً، قام خلالها الشعب التونسي بمقاومة الاستعمار الأجنبي، مستهدياً بقول الشاعر الفذّ أبي القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

ولابدّ لليل أن ينجلي ولابدّ للقيد أن ينكسر

وفعلاً استطاع الشعب التونسي إنهاء ليله الطويل الذي جثم على البلاد والعباد. وفرح التونسيون ومعهم الشعب العربي عامةً بجلاء المحتلّ الأجنبيّ وتواريه عن الأنظار. وبعد سنوات من حكم دولة الاستقلال، وجد طيف كبير من الشعب التونسيّ نفسه مكبّلاً بقيد حاكمٍ لا يرى إلا ذاته محوراً للبلاد، حيث استفرد آنذاك الرئيس الأوّل لتونس الحبيب بورقيبة بالماضي؛ فهمّش تاريخ المناضلين والزعماء الوطنيين والنقابيين، وبقي جزء مهمّ من تاريخ النضال التونسي ضد الاستعمار معتّماً ومغيّباً. كما استفرد آنذاك بالحاضر والمستقبل؛ حيث نصّب نفسه زعيماً مدى الحياة.

ولئن حاول بعض المؤرخين نبش هذا الماضي لردّ الاعتبار لبعض الرموز التاريخية، فإنّ مبادراتهم اصطدمت بنظام أحكم سيطرته على مفاصل كل المؤسسات. وهكذا ومع مرور السنين أفاق الشعب التونسي ليجد أن النظام الحاكم وخصوصاً في نهاية العهد البورقيبي وفترة حكم المخلوع قد سرق حلم الاستقلال وحلاوة الاحتفال بهذا التاريخ الوطني المجيد، حتّى قيل: انجلى

الليل: ليل الاستعمار، إلا أن القيد، قيد النظام المتسلط، لم ينكسر.

وبعد ثورة 14 يناير 2011 انكسر القيد، وشرعت الأقلام الوطنية الصادقة توضّح الحقائق التاريخية أمام أعين الجماهير الشعبية وأمام الأجيال الصاعدة من أبناء شعبنا التونسي وأمتنا العربية العظيمة، وتدعو إلى كتابة جديدة وموضوعية لتاريخ تونس. ووجدت مساندة من قبل المؤسسات الرسمية في الدولة حيث وقع رد الاعتبار إلى بعض الرموز الوطنية ذات التاريخ العريق في مسيرة الاستقلال، ممن لا يزالون على قيد الحياة، على غرار شيخ المناضلين حسين التريكي والمناضل علي بن سالم وغيرهم كثير سواء باستقبالهم في القصر الرئاسي أم باستضافتهم في برامج تلفزيونية لسرد تاريخ تونس الحديث والمعاصر من وجهة نظرهم، أو أيضاً بالاستئناس بآرائهم في كيفية تجاوز المرحلة الراهنة بعد الثورة مثل أحمد بن صالح وحمد المستيري وآخرين. وبذلك كانت الثورة، في يناير 2011 ولاتزال، استكمالاً للاستقلال سواءً بإعادة كتابة تاريخ النضال التونسي أو ببناء ما اصطلح عليه التونسيون بالجمهورية الثانية.

ولا يخفى على أحد أن البلاد، وهي تحتفل بهذه الذكرى، تمرّ بظروف استثنائية وأجواء لا عهد للتونسيين بها، رغم ما لهم من الاستعداد الثقافي والسياسي والحسّ المدنيّ لخوض مثل هذه التجربة، غير أن التجربة الديمقراطية وبهذا القدر الهائل من الديمقراطية والانفتاح، لا تخلو من

محاذير: فالانفتاح الثقافي والإعلامي، بعد الثورة، قد سمح لبعض الدعاة من المشرق بالدخول إلى تونس، وظنّوا أنهم أتوها فاتحين ناشرين للدين الإسلامي من جديد، وكما يرونه هم، وعلى طريقتهم! والحال أنّ لتونس علماءها ودعاتها الذين عرفوا بقراءة مستنيرة للإسلام، والذين كثيراً ما استنار بهم أهل الرأي والمشورة في المشرق والمغرب. ورغم ذلك لا نحبّذ في هذا السياق المصطلح الرائج عند البعض في وسائل الإعلام التونسية:

«الإسلام التونسي»، لكون هذه العبارة وليدة نظام المخلوع، وهي ربما كلمة حقّ أريد بها باطل في حينها.

وللأسف، تواصل مسلسل الدعاة في تونس في حلقة أخرى سمجة ولكن خطيرة من خلال التصوير ثمّ التشهير عبر النشر على الصفحات الاجتماعية، متجاوزاً فاعلها بذلك أصول العلاقات بين تونس وبلدان المشرق العربي ودول الخليج خصوصاً، سواءً منها العلاقات الرسمية أم العلاقات الأخوية بين أفراد الشعبين الشقيقين: حيث أن تاريخاً طويلاً من الاحترام المتبادل يربط تونس بدول الخليج، ولك أنْ تنظرَ إلى العلاقة بين تونس والبحرين مثلاً، لِتجد مصداق ما نقوله: خذ على سبيل المثال جولة الشيخ المصلح عبد العزيز الثعالبي الزعيم والمناضل والمفكر التونسي، في عشرينيات القرن الماضي إلى الخليج العربي، وكيف خصّ خلالها البحرين بزيارة تاريخية تحدّث عنها الباحث إبراهيم عبد الله غلوم بإفاضة في كتابه «الثقافة وإنتاج الديمقراطية» (2002)؛ حيث استعرض علاقات التعاون بين الدولة الحُسينية في تونس ودول الخليج في القرن التاسع عشر، مستدلاّ بها على متانة أواصر التعاون.

ولا تكتفِ بالماضي، وإنّما انظرْ إلى الحاضر وآفاق التعاون الكبير بين البلدين في شتى المجالات: الاقتصادية والثقافية والعلمية والتربوية وما تحقّق من إنجازات من خلال اتفاقيّات التعاون المشترك.

ولا تسل عن علاقات الأخوّة بين الشعبين التونسيّ والبحرينيّ، فهي أقوى من أن تهزّها بعض السحب العابرة؛ ذلك أن معرفة الشعبين ببعضهما وانفتاحهما على العالم من خلال موقعهما الجغرافيّ المتميّز في مشرق الأرض ومغربها، يجعل ما يُقرِّبُ بين البلدين أكبر بكثير وأقوى ممّا يمكن أن يفرّق بينهما.

إنّ تونس الجديدة لَتدفع بالعلاقات مع دول الخليج إلى أبعد مدى، حيث تؤكد الخارجية التونسية أن دائرة دول الخليج العربي هي الدائرة الثانية بعد المغرب العربيّ، وتحرص الجاليات التونسيّة المقيمة في دول الخليج على عدم التدخل في الشئون الداخلية لهذه البلدان، ورغم الانتشاء بالثورة في تونس، فإنّ هذه الجالية لم تتدخل في توجيه الحراك الاجتماعي أو السياسي في بعض بلدان الخليج، وذلك من باب احترام الشئون الداخلية. وهي وبكل أدب تطلب من بعض الدعاة، حفظهم الله وزاد في علمهم، عدم التدخّل في الشئون التونسية لأن أهل مكة أدرى بشعابها، ولكل بلدٍ طريقته في معالجة أزماته حتى يصل بشعبه إلى برّ الأمان. ولا غَرْوَ أنّ رجال العلم والصلاح في تونس عارفون بمواطن الداء ومكامن العلل، وهم بالتفكير فيها جديرون وعلى معالجتها قديرون وذلك بأسلوب تونسيّ يراعي اللحظة التاريخية التي، مرّةً أخرى، هرمنا في انتظارها.

إنّ في تونس أناساً يحبّونها ويرعونها حقّ رعايتها، بل ويهيمون بها حباً وخوفاً عليها، ويقدّرون مصلحتها خير تقدير. وإن في تونس مجتمعاً مدنيّاً عربياً مسلماً يردد مع الشاعر:

أهيم بتونس الخضراء حبّاً فاق عن ظنّي

هنا أصلي وميلادي هنا أصلي هنا سكني

ومهما كان تغريبي فتونس قطعة منّي

تلازمني كـما نفسي كما روحي كما فني

أعاودها بأشـواقي كعود الطـير للفنن

هنا أصلي وميلادي هنا أهلي هنا سكني.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3846 - الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 1:37 ص

      فعلا يحتاج تاريخنا العربي إلى إعادة كتابة

      ولاتزال، استكمالاً للاستقلال سواءً بإعادة كتابة تاريخ النضال التونسي أو ببناء ما اصطلح عليه التونسيون بالجمهورية الثانية

    • زائر 6 | 4:06 م

      كل عام وتونس بخير

      20 مارس 2013 نرجو لكم عيدا وطنيا هنيئا

    • زائر 5 | 8:43 ص

      اذا استفاقت تونس ولم يهيمن عليها الاسلام السياسي فهي بخير .. والا على تونس السلام

      ليس تونس فحسب هي المعنية بعنواني اعلاه بل كل الدول العربية ان اقحموا الاسلام السياسي في شتى مناحي الحياة واعطوا من لا يوزن ولا يستحق اعطاءه موقع الفتية وتركيبها على مزاج حسبه فهي القاصمة لظهر كل وطن اسلامي .

    • زائر 4 | 7:44 ص

      أهيم بتونس الخضراء حبّاً فاق عن ظنّي

      إن شاء الله تعبر تونس ألى بر الأمان وشكرا على المقال الجيد

    • زائر 3 | 3:10 ص

      أهيم بتونس الخضراء حبّاً فاق عن ظنّي

      من أروع الكلمات عن الوطن

    • زائر 2 | 1:01 ص

      وفعلاً استطاع الشعب التونسي إنهاء ليله الطويل الذي جثم على البلاد والعباد

      وإن شاء الله ينهون حالة التململ وعدم الاستقرار الحالية
      هنيئا لشعب تونس

    • زائر 1 | 11:39 م

      شكرا على المقال

      حس وطني قوي

اقرأ ايضاً