العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ

شاركوا وانتخبوا الأصلح...

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

مع كتابة هذا المقال يقترب موعد الانتخابات النيابية المقبلة والتي أخذاً بما ستفرزه من نتائج متوقعة، كانت أم غير متوقعة، فإنها ستقر وتشكل البرلمان المقبل الذي ستقع على عاتقه الكثير من الملفات الساخنة والذي سيواجه جملة من القضايا المصيرية التي تنتظر الحل. وفي الوقت الذي يتحفز الكثير من المرشحين لتوزيع برامجهم الانتخابية والاجتهاد على عمل نوع من التسويق الذاتي بمختلف الوسائل المتوافرة، لأنفسهم بغية الفوز بالثقة الغالية التي يمنحها الشعب لتمثيله وطرح قضاياه ومجابهة العواصف والأمواج العاتية من دون كلل وملل ودون خضوع لهروب وكروب، تبقى هنالك الكثير من الهواجس الساخنة التي أحبذ أن أسطرها على ظهر ما هو مسموح لي من مساحة عزيزة.

ولعل من أبرز تلك الهواجس هو ما يتعلق بتضارب مدّين جارفين في الساحة السياسية المحلية، أحدهما المد الذي وبكل فخر واعتزاز أنتمي إليه، وهو المد الإيجابي الذي يدعو إلى المشاركة في هذه الانتخابات باعتبارها فريضة وطنية ينبغي تأديتها أو ربما هي موقف سياسي يأتي كحلقة من الحلقات المرحلية والتي لابد من جني شيء من مكاسبها لاستثمارها. وفي المقابل مد آخر يدعو إلى مقاطعة الانتخابات، بل وربما مقاطعة المشروع الإصلاحي بقيادة جلالة الملك المفدى، هذا المشروع الذي أتى كالتفاتة حسنة ومبادرة كريمة لإعادة ترسيخ الشراكة بين الشعب العظيم والعائلة الحاكمة الكريمة، وتكريماً أولياً لمسيرة طويلة وشاقة قطعها شعبنا الصابر وأنار بعرقه ودمه دروبها الطويلة نحو الحرية والمساواة. ومن المعروف أن المنضوين في مد المقاطعة من الممكن أن يتم تقسيمهما إلى قسمين، أولهما قسم يتخذ من المقاطعة قناعة مبدئية وموقفاً سياسياً لانتزاع الحقوق، والقسم الآخر يتخذ منها ردة فعل شعورية عاصفة على الأداء السلبي وغير المقنع لبرلمان 2002، والذي كان بالنسبة له دون الطموح والمستوى المطلوب. وإن كنت شخصياً أكن احتراماً أخوياً لأصحاب الموقف الأخير ألا وهو موقف المقاطعة سواء أكان بقناعة مبدئية سياسية أم كردة فعل شعورية سلبية، إلا أنه لا يمكن لأحد أن يقنعني بالعدول عن اعتبار هذا الموقف الذي له أصحابه ومتبنوه هو كفر بالعملية الإصلاحية وبميثاقها ودستورها، وهو بالتالي انعزال وانكفاء ذاتي في دائرة مظلمة وبعيدة عن خيار قطاع عريض من الشعب وقياداته التي لا يمكن إنكارها وتهميشها وإقصاؤها هي الأخرى.

وطالما ظل المقاطعون «المبدئيون» منهم و»الانفعاليون» على حد سواء من دون خيارات عملية ومن دون مشروع بديل واقعي ومكتمل وقابل للتطبيق، أو حتى الأخذ والعطاء فإنهم بالتالي لا يحق لهم إخراج أنفسهم من الزاوية المعتمة كمنقذين للشعب ومرشدين له إلى الطريق الصحيح طالما ظلوا حتى هذه اللحظة بلا خارطة، ودونما هدف اللهم سوى إثارة البلبلة والتشكيكات في نوايا النظام الحاكم، والسعي نحو التقليل من شرعيته التاريخية التي أجمع عليها الشعب ولا يحق لأحد إنكارها، بالإضافة إلى الاستخفاف بمواثيقه وتشريعاته.

وعلى رغم كل ذلك الصدود والمكابرة التي لها منطقها الخاص، ومعاييرها وقيمها المحددة، إلا أنه وما أن تنزل بهم النوازل سرعان ما تجدهم يستجدون ويستنجدون بهذه المواثيق والتشريعات، حيث أنه لا يمكن لأي شخص مهما كان نفوذه الشعبي والمالي، أن يعلن تخليه عن حاضنة الدولة بخدماتها وقوانينها ومؤسساتها تخلياً كاملاً على اعتبارها خصماً أوعدواً، وفي الوقت ذاته لا يحق للدولة أن تظل بنياناً مرصوصاً عصياً حينما تعلن تخليها عن أبنائها البررة، فالصلة الحميمة بين الدولة وأبنائها تقتضي دوماً الإصلاح.

أما بخصوص المقاطعين لأجل اليأس، فنقول لهم بأنهم طالما ظل هؤلاء الآخرون مستسلمين وفقدوا الأمل في إصلاح حقيقي وتنمية منشودة، فإن ذلك لا يعني بتاتاً التخلي عن إعادة التجربة والتعلم من سابقتها، وحسن الاختيار، والإيمان بحلم التغيير نحو الأفضل، وإعادة النظر في الخيارات السابقة مرة وربما ألف مرة، في سبيل التمتع بحق مشروع يكفله القانون لأصحابه، بدلاً من اعتزال الواقع والحق، ونبذهما معاً، واللجوء بعيداً إلى غياهب اليأس، وهو ما يضر بصاحبه ويضر بالوطن والمشروع الإصلاحي الذي لم يأت إلا لأجل إصلاح ما هو فاسد، وتنظيف ما هو متراكم من خلافات وأحقاد مهما اسودت إلا أنها لا يمكن أن تغشى بياض القلب البحريني الطيب والأصيل.

لذا فلتكن المشاركة لأجل بث الحيوية في المشروع الإصلاحي عبر رؤية إيجابية تستهدف التغيير نحو الأفضل، بدلاً من الاستسلام لمرارة الواقع الحالية، ولتكن المشاركة لأجل اختيار الأصلح، وذلك لا يعني بالضرورة خضوعاً وانصياعاً لأدعياء التقوى والصلاح والإيمان الصافي، فتلك الصفات يكون تقييمها من اختصاص الله دون عامة الناس، والتي قد تكون خاضعة لاستغلال بشع من تجار دين وتجار دنيا كما حصل في مرات سابقة، وإنما الأصلح يكون أيضاً خلقاً وقيمةً ومبدأ مسنوداً ومدعوماً بالمعرفة المتكاملة والخبرة الميدانية المتراكمة.

وفي الوقت ذاته الذي يطالب فيه الإخوة المقاطعون بإعادة النظر في جدوى قناعاتهم أو جدوى انفعالاتهم العكسية أياً كانت، فإنه ينبغي مطالبة البعض بالكف عن دعم وإعادة إحياء شبح المقاطعة، ونبش الخلافات بين كافة الفرقاء السياسيين، وممارسة الابتزاز الرخيص في حق القوى المقاطعة سابقاً، والتي أعلنت عن تخليها عن مواقفها السياسية السابقة بقناعتها التامة، وبالتالي أعلنت عن تبنيها موقف المشاركة الإيجابية والمبادرة الفعالة في دفع قياداتها النضالية المحترمة وكفاءاتها الراقية للمشاركة في هذه الانتخابات. وهو ما يتطلب أيضاً الكف عن التعامل مع ترشح هذه القيادات النضالية والكفاءات الوطنية، التي أعلنت مراراً وجهاراً ولاءها للوطن ولنظامه الحاكم باعتباره ثابتاً وطنياً لا يمكن تجاهله، على اعتبارها تهديداً وشيكاً وخطراً قريباً. مثل هذا الاستعداء المسبق والتعامل السلبي مع واقع مشاركة المعارضة الإصلاحية في هذه الانتخابات لا يمكن أن يمثل حالة صحية تصب في الصالح العام للوطن، ويهدد المشروع الإصلاحي بتصلب الشرايين، ولا يمكن أن يصل بكافة الفرقاء إلى كلمة سواء يحترم من خلالها كل فرد فيها الآخر وحقه في المعيشة والتمثيل السياسي الملائم. وأياً كان الموقف السياسي تجاه الخارطة السياسية الحالية، فإنه لا يمكن لأحد أن ينكر بأن البرلمان المقبل بحاجة إلى كوادر وقيادات ونخب سياسية واقتصادية وحقوقية متخصصة، تتبنى خطاً وطنياً حقيقياً وملموساً في الأفعال قبل الأقوال، وذات مواقف نضالية تاريخية مشهود لها، وحاضر مشرف في الدفاع عن حقوق الوطن والمواطنين. وأن تتمتع هذه النخب بامكانات وقدرات حقيقية تمكنها من خلق علاقات تعاون بناء ومثمر مع السلطة التنفيذية وكسب ثقتها لصالح الوطن والمواطن، لا الاجتهاد في بناء علاقات انتفاع شخصي وفئوي وطائفي كما هو حاصل، وتقوم بتبنى الطرح العاقل الرزين الذي يوقر رموز القيادة الوطنية ويمنحها احترامها الخاص.

ويسعى قدر الإمكان للاستفادة مما هو ممكن ومتاح حالياً من هامش على أمل السعي نحو توسيعه لاحقاً في إطار شراكة وطيدة مع العائلة الحاكمة الكريمة، بدلاً من انتهاج التصادم والمناطحة والمناكدة التي قد تطيح بالتجربة، فيخسر الجميع. وإن كان الطرح الواقعي الرزين الذي نذهب إليه لا يعني بالمرة السكوت عن الحق، والسعي لتكميم الأفواه، وإغلاق الملفات الساخنة، والتراجع عن حسم الكثير من القضايا المصيرية المتراكمة على قائمة الانتظار، والتي تأتي على رأسها ملفات الأراضي، والقضية الإسكانية، والتوزيع العادل للثروة، وملفات الفساد بشتى أنواعها، والتي نثق أن القيادة السياسية ستلبي نداء شعبها وستتعاون وبصدر رحب على التوصل إلى حلول مجدية بشأنها مع الأطراف السياسية كافة المحتمل وصولها إلى البرلمان المقبل. كما نأمل أن توفق القيادة في انتقاء وتعيين خيرة الكفاءات السياسية والاقتصادية والحقوقية، وغيرها من كفاءات حقيقية وخبرات متنوعة ذات سيرة حسنة وطيبة، ومحل إجماع عام في مجلس الشورى المقبل، والذي يجب أن لا يضم شخصيات هي مثار خلاف وجدل ومثيرة للشبهات، عسى أن تكون التشكيلة متوائمة مع تشكيلة برلمان 2006، والذي نأمل أن يكون «أصلح» من سابقه

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً