العدد 1546 - الأربعاء 29 نوفمبر 2006م الموافق 08 ذي القعدة 1427هـ

تهافت المتناقضات... في موسم الانتخابات!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

وصف المؤرخ الإغريقي أو أبو التاريخ هيرودوت مصر «هبة النيل»، بأنها بلد المتناقضات، وربما كان من الأكثر فصاحةً وبلاغةً والأدق وصفاً لو تم سحبها وجرها، أو ربما جرجرتها ناحية البحرين أو دلمون أرض الخلود، لتوصف الأخرى بأنها بلد المتناقضات والمتناطحات وخصوصاً في الموسم الانتخابي الأخير، إذ شهدنا كماً هائلاً من المتناقضات التي يصعب على الشرفاء والصرحاء، وأصحاب الأنفس العالية أن يبلعوها ويهضموها، سواءً أكان ذلك دفعةً واحدةً أم على دفعات، كما تشتهي ذلك بعض الأطراف المتورطة في مثل هذه التناقضات العجيبة.وحتى لا يضيع حصاد الأيام من متناقضات ملأت الأفواه والأجواف، البعض منها ظل سليماً معافى والآخر اعتل وتهشم، حبذا لو يتم التطرق إليها نقطة نقطة على حدة.

بين مباريات الكرة والانتخابات

في الوقت الذي يتم فيه تنظيم المباريات الرياضية الودية بين الفرق، أو المنتخبات الوطنية، يتم تعيين حكم أجنبي أو من دولة عربية صديقة بهدف تحقيق النزاهة والحيادية في إدارة المباراة، عسى أن تسد جميع أبواب الاحتجاجات المحتملة، وتدرأ الشبهات الممكنة بوجود انحياز لطرف ضد آخر، فخذ مباراة الأهلي والمحرق مثلاً حينما تم تعيين الحكم الدولي السعودي علي المطلق. ولكن مع إعمال الفكر لإجراء مقارنة منطقية بين مسألة الحيادية والنزاهة في مباراة رياضية بين فريق وفريق آخر، في مقابل قضية الحيادية والنزاهة في مباراة انتخابية وطنية كبرى بين عددٍ من الفرق السياسية المختلفة في توجهاتها وتصوراتها ومواقفها، نرى أنه لا سبيل للمقارنة بين حدث رياضي عادي وحدث مصيري يؤثر على مختلف معالم الوطن سياسةً واقتصاداً واجتماعاً وبنيةً أساسيةً لسنوات أربع مقبلة، فلماذا يتم تيسير تعيين حكام أجانب لتحكيم وإدارة ومراقبة المباريات الرياضية في الدوري المحلي والمباريات الدولية، في حين يستعصي ويتعقد وجود الرقابة الدولية في الانتخابات الوطنية الأكثر أهميةً ومصيريةً؟

كما أننا نرى انتفاء الحاجة إلى وجود أي تبريرات، لا تحمل من المنطق والإقناع حتى الرائحة، التي خرجوا بها علينا منذ أيام، عن كون البحريني ليس قاصراً وبإمكانه أن يراقب الانتخابات لوحده من دون الحاجة إلى رقابة دولية من الخارج! ألم يتم اللجوء إلى الأجنبي والدولي من قبل في تعليم نواب برلمان 2002 ألفبائية العمل البرلماني، ومن ثم الانقلاب عليه لاحقاً؟ يا لهذه المتناقضات العجيبة!

عجبي على حال البعض (قد يكون فرداً أو جمعيةً أو مؤسسةً أو شركةً عائليةً ولكن على رأسه بطحة هائلة) حينما تستبد به الحاجة للوصول إلى مقعد البرلمان الذي يصبح غايةً أكثر منه وسيلةً لخدمة الوطن ومواطنيه، فيظل يمارس ازدواجيةً غريبةً في الأخلاق والقيم والمبادئ التي يدعو الناس إلى تطبيقها فيما بينهم في معاملاتهم، في حين يكون هو الأبعد عنها، فتصبح حاله كمن يستخدم الأخلاق والقيم كالمكياج حسب الحاجة، وما أكثر من يضع «المكياج» في مقابلاته هذه الأيام إلى حد يفوق فيه النسوة المتبرجات اللاتي يهاجمهن دوماً!

أحد التيارات الإسلامو - سياسية عزم إنقاذ أحد كبرائه المملوء فساداً ونفاقاً وازدواجيةً من مأزقه الانتخابي الذي وقع فيه بسبب أدائه في برلمان 2002 (اللي ما سوا شي)، باللجوء إلى تمكين المرأة باستغلالها بحسب طريقته الخاصة من خلال الاستعانة بفيلق القوى النسائية، وتحقق ما لم يحققه الرجال، في واقعة كبرى بين «الإيمان» و«الكفر»، بدلاً من أن تكون بين البرامج الانتخابية والتطلعات من البرلمان القادم! فالمطلوب من هذا «اللواء النسائي» التجوال بين بيوت الدائرة الانتخابية بيتاً بيتاً لنشر الإشاعات و الأكاذيب، والتشهير بالمنافسين والطعن في شرفهم وعرضهم، عسى أن تكون منقذةً هذه الورقة الانتخابية الأخيرة، بعيداً عن المطالبة بعقد المناظرات والندوات العامة، واستعراض البرامج الانتخابية ومناقشتها مع جميع أفراد الدائرة في جو تنافسي ودي وندي بعيداً عن أخلاقيات «الحبربش»، وكل أشكال «الشرشنة» السياسية الواردة!

لابد من مغازلة الحكومة!

خلال هذا الموسم الانتخابي الحافل بالفعاليات السياسية والفكرية والاجتماعية، وفعاليات التشهير والفضح والتجريد و«التكفير»، أخذ بعض بقايا نواب 2002 المترشحون لبرلمان 2006 يلجون في سرد بطولاتهم وإنجازاتهم في الإيقاع بالحكومة و«شربكتها»، والتحايل عليها لصالح عيون الشعب وجمهور الناخبين، لحصد المزيد من المكاسب! ورددوا بأنهم لن يترددوا مرة أخرى في الإيقاع بها في أقرب حفرة من الزمان والمكان حينما يتم انتخابهم لدورة أخرى، لتحسد الخلائق أبناء الدائرة على نائبهم الذي خلبته براعة اللعبة التي شارك بها دور الفروسية، إلاّ أنه تناسى أنه لا يعدو أن يكون بيدقاً على اللوح!

هذا المترشح وأمثاله الكثير من المتحدثين بلسان التقوى والعفاف، ومن أشد الساعين إلى حجب «شيوعيتهم» الغابرة ببشت «إسلاميتهم السياسية» الموالية والحاضرة، وحينما تم الإيقاع بهم بعدما أوقعوا الحكومة، وقبل أن يعيدوا الكرّة مرة أخرى بالإيقاع بها في برلمان 2006، أكدوا دوام أهمية مغازلة الحكومة بكامل مفاتنها الهيكلية بغية إحراز المزيد من المكاسب الوطنية، التي بمزيد من النخل والغربلة تتحول في وهلة إلى حفنة مصالح فئوية وحزبية ضيقة!

نحن كعادتنا نبارك لهم سعيهم في هذه المغازلة المباركة لصالح الوطن ومواطنيه، فلطالما دعونا إلى ضرورة تمتع البرلماني بعلاقات إيجابية وواسعة الأطراف مع أجهزة السلطة التنفيذية ضمن ما تقتضيه مسئولية العمل البرلماني، ولكن نحذرهم ونستنكر منهم انجرارهم بتلك المغازلة إلى سيناريو «نظرة فابتسامة فلقاء فموعد فـ...»، فلا بأس من الاكتفاء بالمغازلة والمصافحة وربما القليل من التقبيل، ولكن حذارِ أن يتطور نحو حمل غير شرعي من تلك العلاقات المؤسسية غير السوية، والتي سرعان ما ستتحول إلى عبء آخر يضاف على كاهل المجتمع الشعبي قبل الدولة، وهو للأسف ما وقع في محذوره الكثير ممن ابتغوا من «دخلة» البرلمان أن تكون مجازاً نحو «الدخلة الثانية» و»الدخلة الثالثة» و»الدخلة الرابعة» على أم الخير، وهلم جراً للأنوف!

تحالف «الدلَة والفناجين»

شهدنا في الربيع السياسي الأخير وابلاً من التحالفات السياسية على مستوى الجمعيات والتيارات، وأخرى أقرب ما تكون بصفقات قصيرة ومتوسطة الأجل تحمل منظوراً طائفياً وعائلياً ومناطقياً وغيرها من مناظير شائعة، وفي مقابل «تحالف وعد والوفاق» الانتخابي والمبني على عدد من الأجندة والأولويات السياسية الوطنية الضرورية التي تشكل رافداً أساسياً لا غنى عنه للهم الشعبي، وتطرح رؤية إصلاحية جذرية للتخفيف من حدة الأزمات التي يعاني منها المجتمع والدولة معاً!

فإننا نجابه للأسف وفي الاتجاه الآخر وضمن فرضية «فرق تسد» الراهنة والمطروقة من أعلى بعدة طرقات احترافية تصعيداً غير مسبوق في الضفة الأخرى، يحوي تجمعاً لكبريات جمعيات «الإسلام السياسي»، ويزعم أنه يتبنى أجندة وطنية ذات نكهة خاصة، وينطلق معاً في تبني خيار إصلاحي جذري ومتكامل يستهدف النهوض بالأمة ككل لا البحرين كواحد، ويخوض باسمها معاركه «الدونكيشوتية» ضد مردة الإلحاد و»عتاولة» الكفر أو الفكر، والذين لا مانع من أن تتم مقارعتهم بأفجر أشكال المقارعة دون التخلي عن التفكير في تطوير أو تحديث آليات إدارة القيم والأعراف والأخلاق العربية والإسلامية ذات الصبغة الخاصة، والتي يتم من خلالها ابتزاز المجتمع إذا ما خطر بباله أن يتنكر لدعم «أصحاب الصراط المستقيم».

وعلى رغم مما أثاره هذا التحالف «التقوي» الجديد في الساحة المحلية والسياسية من جلبة، وما أزهاه من أمل زائف بيقظة الشارع فإن كل الدلائل والمؤشرات، وخصوصاً الآتية منها صوب مصادر خاصة تؤكد تأسس وتمأسس هذا التحالف الانتخابي استجابة لأوامر فوقية متنفذة لا مرد منها ولا حصر لها، من دون أن يكون نتيجة منطقية واستتباعية عملياً لرؤية جوهرية في التغيير نحو الأفضل!

وبالتالي لن يخرج هذا التحالف المزكى و»المدزوز» والمحقون بكل أنواع «الجلوكوز» بالغ الرداءة لإضفاء تصور عام بوجود نوع متبقي من الشعبية والشرعية البراقة للمنضوين تحت هذا التحالف، عن نطاق تلك الأوامر الفوقية وما تبتغيه من تحرك سياسي في برلمان 2006، والذي يخشى العديد من المراقبين أن يكون عشاءً لأبناء آوى الطائفية على شرف مذبحة الوطن والوطنيين والوطنية، وغصة المواطن والمواطنية (لا قدر الله)!

فهل بعد ذلك من الممكن أن يوضع تحالف «وعد والوفاق» مع تحالف «الدلة والفناجين» أو «تحالف العود والبشت» في توازن واحد؟!

يظل السؤال مطروقا مع انتظار اكتمال تشكيلة البرلمان، بعدما تنتهي المعركة الوجودية الكبرى بين «الإيمان» و«الإلحاد» في عدد من الدوائر المبتلاة للأسف بلوثة قيمية وأخلاقية مركبة بفضل الحمى الانتخابية الرعاشة، وحتى يتوقف الجسم الوطني عن الحك لا الحراك السياسي، وإلى أن يجتهد بعد ذلك المصلحون في العمل على ترقيع ما تثلم من أخلاق وقيم المجتمع العربي والمسلم بفضل أنظمة إدارة القيم والأخلاق والآليات والعواطف الشعبية المتطورة، والتي تمتلك مفاتيحها جمعيات «الإسلام- سياسية»، ومع التوفيق المستحيل بين نفاق جميع تلك المتناقضات في قالب وجودي موحد ومحدد الأبعاد?

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1546 - الأربعاء 29 نوفمبر 2006م الموافق 08 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً