العدد 3856 - الخميس 28 مارس 2013م الموافق 16 جمادى الأولى 1434هـ

النواهي والمحظورات في (اليوغا)

المنامة - سيدعدنان الموسوي 

28 مارس 2013

إن الإنسان المعاصر آلة إصطناعية شديدة البعد عن الطبيعة مما جعله محاصراً بأعداء كثر كالأمراض الجسدية والنفسية، وكلما كان الإنسان أقرب إلى الطبيعة كلما كان أقدر على محاربة الأمراض مع الاستمتاع بمباهج الحياة، ومع تقدم الانسان وظهور المدنية قفزت كماليات جديدة في حياتنا إلى مستوى الحاجات الأساسية وترتب عليها وقوع الإنسان ضحية لتبعاتها واستحقاقاتها من التزامات مالية واجتماعية وغيرها أغلبها منغصات نفسية كان الإنسان في حال أفضل بدونها وعلى الرغم مما تقدمه الأنظمة الجديدة والتكنولوجيا وثورة الالكترونيات من خدمات لا ينكرها أي لبيب إلا أنها من جانب الآخر تسببت في الكثير من المآسي، فالإنفجارات النووية التجريبية تسببت في إنتشار الاشعاع النووي الذي جلب الخطر إلى البشر وجميع الكائنات دون استثناء ومع زيادة حاجة الإنسان لاستخدام الطاقة النووية زادت المخاطر المحدقة بالبشرية والتي تنذر بكوارث مفجعة لو فلت الزمام أو وقع الخطأ في أي لحظة كما حصل في إنفجار مفاعل تشرنوبل ومفاعل محطة فوكوشيما في اليابان.

أرجو أن لا يفهم أن اليوغا ضد التطور والتكنولوجيا، لكن يجب أن يكون الوازع الانساني هو البوتقة التي تصب فيها كل الإنجازات البشرية، بمعنى آخر يجب ألاّ تكون هذه الإنجازات لحساب الانظمة السياسية أو الآيدولوجية أو غيرها على حساب حياة البشر والكائنات الأخرى، كذلك تسببت الصناعات الثقيلة والتوسع في استخدام الآلة وما تبعه من زيادة في استخدام المحروقات في تلوث الغلاف الجوي ورفع درجة الحرارة في الكرة الأرضية مما تسبب في ذوبان أجزاء من الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي تبعه ارتفاع في منسوب البحار والمحيطات فباتت كثير من الجزر والبلدات الساحلية عرضة لخطر غرقها وضمها للبحار والمحيطات، وأبرز مثال على ذلك ما حصل فى تسونامي 2004 وإذا لم توضع ضوابط وقوانين للحد من الاحتباس الحراري مستقبلا فسوف يؤدي ذلك إلى ظهور لاجئين جدد هم لاجئي البيئة، وقد كان بالإمكان تفادي الكثير من الفواجع التي حصلت أو المرتقبة لو أخذت في الحسبان الجوانب الانسانية ولكن لسبب عصبية الإنسان وجهله وغطرسته أقدم على كثير من الأمور التي أصبح جليا أنها تجر البشرية نحو الفاقة والموت والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يجب عمله؟

يجب أن نبدأ بالإنسان وهو الشيء الذي بدأت به كل الأديان السماوية فجميع الانبياء والرسل قد صاغوا رسالتهم حسب حاجة الوقت فإذا أصلحنا الإنسان أصلحنا الأوطان.

وقد أعطت اليوغا الجانب الاخلاقي من حياة الإنسان أهمية كبيرة فمنذ أكثر من أربعة آلاف سنة وضع (بتنجالي) أهم أسس أخلاقيات اليوغا على النحوين:

- (ياما) – المحظورات (النواهي) والتخلي عن السوآت.

- (نياما) - المرعيات أو النهج الإيجابي.

الياما

الياما: لا يمكن تفادي الوقوع في الزلل من الكذب والعنف والرياء والاشتهاء ما لم نضع حدودا لانفسنا فاليوغا تفترض ان الخير من سمة الإنسان أو طينته الأصلية فإذا ما أزلنا عنه الشوائب من الكذب والعنف والرياء يصبح الإنسان طهورا قلبا وقالبا مثله مثل الجوهرة الخام فبعد أن نزيل عنها كل الشوائب تصبح لامعة مصقولة في أحلى وأبهى صورها وأولى هذه المحظورات.

أهيمسا: الأعنف ويعني تجنب إيذاء الغير بالفعل أو بالقول أو حتى بالفكر بما في ذلك أي مخلوق آخر وأنفسنا وذلك لا يتم إلا بالتخلص من الأفعال السيئة والكلمات البذيئة التي تخدش الحياء كما يتطلب الأمر منا أن نخلص عقولنا من قسوة الحكم على أنفسنا.

وعلى الآخرين فنكون رحماء في الحالتين دون ضعف أو تحيز والسيطرة في عدم إيذاء الغير تفضي إلى زيادة السيطرة على الغضب والكراهية وذلك يفضي في نهاية المطاف إلى زيادة الصبر والتسامح ونزع الخوف، إنها سلسلة من السيطرة على الجوارح ذات الصلة فعفة الفعل واللسان تفضى إلى السيطرة على المشاعر الهدامة وإحلال المشاعر الإيجابية مكانها كالصبر والتسامح، انها قوانين أزلية إذ لا تصفو النفس ما لم ننزع عنها الافكارالهدامة والوسوسة الطفيلية.

ساتيا: لا توجد أكذوبة تنطلي على معظمنا في الحياة أكثر من الشعور بانفصاليتنا وهي إن كل فرد منا يعتقد أنه مستقل عما حوله من مخلوقات، وعبوديتنا لهذه الفكرة الخادعة والنظرة القاصرة للنفس قادتنا إلى النطق بكافة أنواع الأكاذيب، فأصبحنا أسرى لهذه الفكرة الخاطئة فنحن نكذب حتى لا يظن بنا الآخرين السوء، فكأنما نظرة الآخرين عنا هي التي تصبغ لون حياتنا الحقة.

الا أن أسوأ عقاب للكذاب ليس عدم تصديق الناس له فيما يقول بل عدم تصديقه للآخرين ظنا منه أنهم على شاكلته والسبب أن الكذاب يجافي الطبيعة البشرية التي بنيت على الفطرة الانسانية السليمة ولذلك تفضحة حججه مهما بلغت من براعة في الحبك والتمثيل اذ ربما تنسجم مع العقل أحيانا ولكن ليس مع الفطرة إما إفلات المجرمين من العقاب فيتم بالتحايل على العقل مصدر القوانين والتشريعات وليس الفطرة.

من جانب آخر عندما يمتنع الإنسان عن الكذب ويكون دائما صادقا فيما يقول يكتسب قوة عظيمة هي أن كل ما يقوله يكون صدقا وقد كان النبى محمد (ص) حتى قبيل الدعوة لا ينطق إلا بالصدق فلقب بالصادق الأمين.

إلا أنه لهذه القاعدة بعض الاستثناءات، فخداع اللص أو الكذب لحماية النفس من القتل لا يعتبر معصية، ولكن في المقابل التبرعات المالية لصالح أمور تقود الى معاصي واكاذيب تضيف إلى رصيد الكذب عند الإنسان.

أستيا (عدم السرقة)

إن السرقة مصدرها فكرتين كاذبتين خاطئتين اجازهما الانسان لنفسه.

الأولى اعتقادنا الخاطيء أننا أندادا للآخرين فنحن نسرق لأننا نشعر أننا لا نتساوى مع الآخرين في الصرف والإنفاق على سبيل المثال، أو اننا نستحق أكثر مما يستحقون، وفي كلا الحالتين نشعر بانفصاليتنا.

أما الفكرة الثانية والتي يجب أن تجتث من النفس فهي الشك في عدم قدرتنا على أن نعول أنفسنا بأنفسنا فنجيز لأنفسنا أن نأخذ مال الغير بغير وجه حق وتعلمنا اليوغا أن نقبل دائما بنفس شاكرة راضية قضاء الله سبحانه في السراء والضراء.

والمثل يقول (الكفاف مع حسن التدبير خير من المال الكثير مع التبذير)، كذلك تعلمنا اليوغا أن التبذير الفاحش على المظاهر والمتع الدنيوية تنمي عند الإنسان شهوة الرياء والتملك للماديات، وربما التخلي عن إنسانيتنا في سبيل الحصول عليها أحيانا كذلك إغواء وتضليل الآخرين وخداعهم لتسهيل بيع منتج معين أو تسويق لفكرة خاطئة ابتغاء لمنفعة معينة يعتبر سرقة.

عدم الاكتناز: (آبريكرا)

إن الاكتناز عادة مقيتة، ربما يكون الدافع إليها عدم الشعور بالأمان، ومن مساويء هذه العادة أنها تؤذي إلى سوء توزيع الثروات، فمن الأمور الملحوظة أن يمتلك البعض أطيانا بأكملها في الوقت الذي لا يجد البعض ما يسد رمقه أو يستر عريه، أما الأمر الآخر فإن الإكتناز يؤذي الى إعاقة تحقيق العدالة لعدم الشعور بالمساواة ويكون في الوقت نفسه عائق كبير لترسيخ فضيلة القناعة، فالسعادة الحقيقية لا يمكن تحقيقها في كنز المال بل في صرفه في أوجه الخير كالصرف على الفقراء والمحتاجين ودور العبادة والمستشفيات أو بعض المتطلبات الملحة في وقتنا الحاضر كالتبرع لعلاج المصابين بالسكلروغيرهم من مرضى السرطان.

وقد ثبت أن بعض أوجه الاكتناز الأخرى كالتعلق بكثير من الأشياء المادية التي لا ضرورة لها دلالة على قلقنا على المستقبل إضافة أنها تضاعف من رصيد قلقنا وخلو راحة بالنا لكثرة ما تشغله هذه الماديات من حولنا من مكان وما تؤرق عقولنا من الهم والغم عند فقدها أو حتى مجرد الخوف من ذلك، ولو راجعنا ما نقتنيه في بيوتنا من نفائس وما تعود به علينا من راحة وسعادة لوجدنا أكثرها منغصات للحياة ليست ذات منفعة حقه أو فائدة مرجوة.

الاعتدال (براجاريا)

يستطيع المجتمع أن يكسب السعادة والسلام والقوة الجسدية والعقلية والنفسية إذا حقق الإنسان شرط الإعتدال، فالإمتناع عن الأشياء المثيرة والتي تعكر صفو المزاج وتجعل العقل في حالة شتات كالأشياء الحريفة (الفلفل) وأنواع الطعام المثيرة مثل القهوة والمشروبات الروحية والدخان، كذلك يجب تجنب الحمية السيئة كالإفراط في الأكل لما تجر من أخطار على الصحة.

كذلك يجب الإعتدال في الجنس على وجه الخصوص حتى لا نصبح ضحية الإعلام الذي يزين لنا الإفراط في الجنس فنصبح أسرى هذه الغريزة. حتى أصبح الثلاثة: المال والسلطة والجنس أقصى ما يشتهيه الإنسان ويبلغه في المجتمع الانساني المعذب.

كذلك تعلمنا اليوغا من جانب آخر ألاّ ننساق إلى التنسك بجهل وإحتقار الجسد والحياة الجنسية.

فى الختام نجد إن التخلى عن المحظورات يحقق غايتين أساسيتين فى الحياة وهما التصالح مع أنفسنا ومع الاخرين وباقى المخلوقات وذلك يقضى فى النهاية الى زيادة شعورالالفة والمحبة مع كل البشر والمخلوقات الاخرى والنأى بنا عن نبذهم اوالتسلط عليهم .

العدد 3856 - الخميس 28 مارس 2013م الموافق 16 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً