العدد 3859 - الأحد 31 مارس 2013م الموافق 19 جمادى الأولى 1434هـ

لا ديمقراطية دون عدالة اجتماعية ومساءلة ومحاسبة

جاسم مراد

نائب سابق في البرلمان 1973

نتحدث كثيراً عن الديمقراطية، لكن ثمة مبادئ في الديمقراطية واضحة وجلية، وجدير بنا أن نعمل على تكريسها لدى الجميع والتناقش والتباحث حولها باستمرار.

أول هذه المبادئ العدالة، فلا توجد ديمقراطية من دون عدالة اجتماعية، ولا عدالة اجتماعية دون مشاركة شعبية وسلطة شعبية، ولا ديمقراطية دون سيطرة على المال العام ومعرفة كيفية صرفه ومحاسبة ومساءلة كل أوجه إنفاقه.

ثانياً: لا تقدّم ولا تطوّر للديمقراطية دون فصل الدين عن السياسة، فالدين لله والوطن للجميع، واللغة والهوية القومية الجامعة تخلق انسجاماً وتوحداً بين المواطنين أكبر من الدين والمذاهب التي تفرّقهم.

ثالثاً: الالتزام بمبادئ الانتخابات، وهو نظام حديث طوّره الغرب لمنع تسلّط الفرد على الجماعة، وهو مقترن بدفع الضريبة، ومن يدفع الضريبة له حق الانتخاب والمشاركة، فلا تمثيل دون ضريبة.

ولهذا المبدأ مقاربةٌ في تراثنا العربي والإسلامي «خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم...»، «وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم»، وهذه الأموال تؤخذ من ربح الميسورين والأغنياء لصالح الحكومة المنتخبة من قبل الشعب لصالح الشعب من أجل ترسيخ الديمقراطية والعدالة وإدامة الاستقرار وزيادة الإنتاج. ولدينا نموذجٌ في البحرين يوضّح معنى ذلك، فمثلاً نرى في انتخابات الغرفة التجارية، يتم انتخاب أعضاء مجلس إداراتها بموجب ما يمتلك الأعضاء من سجلات تجارية، أي بمقدار رأس المال، ومن يملك أكثر يحصل على أصوات انتخابية أكثر، في مقابل قيام الأعضاء المنتخبين بالعمل لصالح شريحة التجّار والدفاع عن مصالحهم وعدم التضييق عليهم في القوانين والرسوم وغيرها.

الديمقراطية والانتخابات

في الديمقراطية الغربية، نجد أن الأحزاب ذات البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع فيها الفرد بالتعليم والوعي السياسي (كلهم متعلمون تقريباً)، يصوّت الناخب للحزب الذي يطرح برامج يقتنع بها، وهي ممارسات ترسّخت مع الزمن وأصبح الحكم يتوالى بالانتخابات المتعاقبة ويتعلّم من تجاربه باستمرار وينقّحها ويصلحها من أجل مزيدٍ من الديمقراطية. وقد جرى فيها إبعاد الدين عن السياسة أو عدم خلط هذا بذاك منذ زمن طويل (أنّى نحن من ذلك؟)، باعتبار أن الدين شأن مقدّس، بينما السياسة شأن دنيوي يعتمد مبدأ فن الممكن لحل مشاكل الناس الدنيوية. فالدين هو المعاملة وهو الأخلاق، وهو علاقةٌ بين المخلوق والخالق لتدريب الضمير على الحق والعدل والمساواة والاستقامة، وفي الشرق نرى أن الدين تم تسييسه واستغلاله لتهييج العامة وجر أصواتها الانتخابية لصالح هذا المرشّح أو ذاك، ما يعمّق التعصب الديني والمذهبي ويساهم في تجزئة الشعب وتفكيكه وإشغاله بتوافه الأمور، وإفقاره ونهب ثروته.

فن الممكن

إن هذا المبدأ مهم لفهم السياسة، وأغلب الناس للأسف يجهلون معنى فن الممكن، وليس لديهم الوعي الكافي للتعاطي معه، وفي الغالب يتأثرون بانتماءاتهم واتجاهاتهم القبلية والمذهبية وبتأثير من سطوة رجال الدين، يشيعون العنصرية والتعصب الديني والمذهبي، ليسودوا الدهماء أو العامة، لصالح فئات ضالّة في المجتمع ليس لديها من العلم شيء. ويستغل الأغنياء أيضاً هذا الوضع فيشترون أصوات الفقراء والمحتاجين وكل من هو على استعداد لبيع ضميره في مقابل إشباع طمعه للمال.

ومن ملاحظاتي على الانتخابات في العالم العربي، هي أن المتعلم الواعي لا يذهب إلى صناديق الاقتراع، ويترفّع عن الاصطفاف في تلك الطوابير ليدلي بصوته، وذلك لإحساسه بمساواته مع الجاهل والأمي الذي يُقاد من عاطفته الدينية أو نزعته القبلية أو حاجته المالية، والذي لا علم له ولا فهم في السياسة أو الاقتصاد بسبب تدنّي تحصيله العلمي والمعرفي، وهذه أحد أكبر مساوئ العملية الانتخابية. وهي لا تقل سوءاً عن استغلال المال السياسي للتحكم في الانتخابات، فتجد مرشّحاً مسنوداً بهذا المال أو بفضل الفتاوى الدينية والقبلية. إن العملية الانتخابية التي جرت على مدى سنوات في مجتمعاتنا العربية تحتاج إلى إعادة نظر وغربلة وتجديد وتطوير، انطلاقاً من دراسة أوضاعنا وأخطائنا وأسلوب تفكيرنا ومستوى تعليمنا، وابتكار أساليب تلائمنا لصالح العملية الانتخابية والديمقراطية.

لذا فإنني أقترح عدم مساواة الأمي بالمتعلم في الصوت الانتخابي «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، فمن غير المعقول أن يكون للناخب الحاصل على شهادة ابتدائية أو ثانوية، صوتٌ كصوت الناخب الحاصل على شهادة جامعية أو دكتوراه؟ فمثلاً يجب أن يمنح صاحب شهادة الابتدائي صوتاً، والجامعي صوتين، وصاحب الماجستير والدكتوراه ثلاثة أصوات، على أن يكونوا من أصحاب الشهادات المعتمدة وليست تلك المزوّرة أو المشتراة كالتي نسمع عنها كثيراً هذه الأيام.

إن هذا النظام باعتقادي يحول دون استغلال العامة وبسطاء الناس، وهنا يجب أن يكون التصويت إلزامياً للجميع، وعلى الناخب غير المقتنع أن يرمي ورقة بيضاء إن شاء.

ثانياً: تحدد مدة الانتخاب بأسبوع، وتوضع الصناديق بشكل شفاف وفي أماكن عامة وتُحرس جيّداً، وبإشراف أمني ودولي إن أمكن لخلق الثقة لدى الناخب أو حتى لا يتقاعس الناخب عن الذهاب إلى مراكز الانتخاب بسبب قصر مدتها، فالناخب العربي ثبت أنه لا يثق بالانتخابات ويرى أنها مزوّرة، وهذا هو سبب تدني نسبة المشاركة فيها من قبل الشعب وخصوصاً المتعلمين منهم.

ثالثاً: يمنع منعاً باتاً استغلال الأحزاب أو الجمعيات ذات التوجه الديني في الانتخابات. كذلك يمنع استغلال المال في شراء الأصوات وشراء الذمم، مع ضرورة إحكام الرقابة على ذلك ومحاسبة من يقوم بخرق ذلك بموجب قانون رادع وصارم، وكل رجل دين يرشّح نفسه عليه أن يتخلى عن بزته الدينية ويخاطب الناس بلغة علم السياسة ومصالحها الدنيوية، وجدير به أن يكون ملمّاً بعلم السياسة ودارساً لها، والمرشّح الذي لا يحظى بثقة الناخبين وعقولهم لا يحترمه أحد، لا الشعب ولا الحكومة.

إن هذه مجرد آراء لا أتمسك بها، إنما أرى أنها قابلة للنقاش والتشارك حولها، استخلصتها من تجربتي الشخصية ومن مشاهداتي لأحوالنا السياسية والانتخابية، فإن كانت صالحةً، أتمنى أن يؤخذ بها، وإن لم تكن كذلك فأتمنى سماع أو قراءة آراء أخرى مختلفة أو متفقة حولها... وبهذا تعم الفائدة على الجميع.

إقرأ أيضا لـ "جاسم مراد"

العدد 3859 - الأحد 31 مارس 2013م الموافق 19 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 7:40 ص

      ارجو نشره ايضا رسالتي الثاني الى الاستاذ جاسم مراد الجزء ( 2 )

      ماذا الذي خرب الوطن العربي غير الاسلامين انظر الى مصر الشباب من فرق السلطة والمعارضة يتقاذفون على بعضهم بالملتوف هذا اللغة اوصلهم الى هذه اللغة في تونس تفجر اوظاع واغتيال بالعيد وفي ليبيا الميليشيات الاحزاب الاسلاميه تفجر البلد في سوريا حزب جماعة النصرة السلفيه تقتل و العراق تفجر الاوضاع ولا يريدون الساسه الاسلامين و هنا في مملكة البحرين يجب من الطرفين المذهبين الكريمين يعترفو سنه وشيعة ان فرقنا الجمعيات الاسلاميه السياسية عن بعضنى يجب تتحولو الى ديمقراطين وشكرا

    • زائر 9 | 7:21 ص

      انشرو مساهمتي ورسالتي الى الاستاذ جاسم مراد هذا تحليلي واكتشافي عن واقعنا في البحرين واتفق معك الذي جرى بنا

      ماذا جعل من شعب البحرين يتفرق عن نفسه ويتفتت هو المذهب جمعيات سياسية سنية وجمعيات سياسية شيعيه عمل في السياسة حتى لو ان احد يكون على حق والصواب كل فئة تحارب الثاني بسم العناد المذهبي لا يتفقون مع بعظهم من الطائفتين شعرو نفسهم على قلط ولم يعترفو مثال الجمعيات العشره اختاور احمد جمعة في الحوار رجل سياسي ليسه اسلامي واختارت الجمعيات الخمسه اكثر اعظاء ليبرالين وعد والتقدمي والتجمع والاخاء اكثر من اعضاء الوفاق هناك قلط لكن التعصب يجعلهم لا يقولون الصدق من الطرفين بدئو يعرفو اقلاطهم الدنيويه

    • زائر 11 زائر 9 | 7:52 ص

      يا ولدي الفرقة والتفرقة جاءت بها السلطة لكي تستطيع التحكم في الوضع

      الكل يعرف وعلى يقين من ان مطالب الشعب محقّة 100% ولا يوجد ارتباط بالخارج ولكن لكي تتملص السلطة من هذه المطالب لا بد لها من مخرج تفرق فيه المجتمع فيبدأ التناحر وتبقى السلطة تتفرج بدل من ان تستجيب لمطالب الشعب والمشكلة ان هناك فئة من الشعب وهي المنتفع بعضها من فتات السلطة رضيت بأن تكون مطية لأغراض الآخرين.
      هذه الفئة رضيت بأن تسخّر كما تسخر البهائم لكي لا يحصل الشعب على شيء من حقوقه والى الآن تقف المواقف المعاندة رغم ان كل العالم بات يعرف الحقيقة جيدا

    • زائر 8 | 7:18 ص

      رسالة الاستاة جاسم مراد هذا من اكتشافي الذاتي عن واقعنا الحالي في البحرين عاجل

      ماذا جعل من شعب البحرين يتفرق عن نفسه ويتفتت هو المذهب جمعيات سياسية سنية وجمعيات سياسية شيعيه عمل في السياسة حتى لو ان احد يكون على حق والصواب كل فئة تحارب الثاني بسم العناد المذهبي لا يتفقون مع بعظهم من الطائفتين شعرو نفسهم على قلط ولم يعترفو مثال الجمعيات العشره اختاور احمد جمعة في الحوار رجل سياسي ليسه اسلامي واختارت الجمعيات الخمسه اكثر اعظاء ليبرالين وعد والتقدمي والتجمع والاخاء اكثر من اعضاء الوفاق هناك قلط لكن التعصب يجعلهم لا يقولون الصدق من الطرفين بدئو يعرفو اقلاطهم الدنيويه

    • زائر 7 | 6:42 ص

      الى الاستاذ المحترم جاسم مراد رسالة خاصة و هام جدا وسري للغاية انا اكتشفتها في البحرين

      ماذا جعل من شعب البحرين يتفرق عن نفسه ويتفتت هو المذهب جمعيات سياسية سنية وجمعيات سياسية شيعيه عمل في السياسة حتى لو ان احد يكون على حق والصواب كل فئة تحارب الثاني بسم العناد المذهبي لا يتفقون مع بعظهم من الطائفتين شعرو نفسهم على قلط ولم يعترفو مثال الجمعيات العشره اختاور احمد جمعة في الحوار رجل سياسي ليسه اسلامي واختارت الجمعيات الخمسه اكثر اعظاء ليبرالين وعد والتقدمي والتجمع والاخاء اكثر من اعضاء الوفاق هناك قلط لكن التعصب يجعلهم لا يقولون الصدق من الطرفين بدئو يعرفو اقلاطهم الدنيويه

    • زائر 6 | 6:33 ص

      أسمع صوتك كل هؤلاء

      قاتلي الابرياء معتقلي الابرياء معذبي الابرياء فاصلي الابرياء من أعمالهم
      منتهكي حرمة البيوت مغرقي المناطق السكنية بالغازات السامة الخانقة
      سارقي المحلات التجارية العابثين بالامن سالبي الاراضي العامة
      أخذي وسالبي ومغتصبي المال الغام دعاة الدعوات الطائفية مصنفي
      المواطنين على أساس طائفي أسمعهم ترى بهم صمم

    • زائر 5 | 6:28 ص

      دمقراطية جديدة وديمقراطية قديمة أصيلة كانت في اليونا

      فن الممكن عرف عنه الساسه في السياسة بينما في الديمقراطية عقل وقانون حاكم العلاقات بين الناس في المجتمع الواحد ولا أحد أفضل من أحد الا بالعمل. فكل بعمله و ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك القاعدة الذهبية المخفية في الانظمة الاستبابية والشمولية. فتعيين وتصنيف الناس حسب الكفاءة وليس بالحسب والنسب ولا حساب اسمه الاختراع والاقتراع بالعدد الأكبر هو الذي يفوز. فخير ما استأجرة القوي الأمين الذي يقبل تحمل المسؤولية كما يقبل بأن يحاسب إن أخطأ. فهل يوجد فرق ديمقراطي؟

    • زائر 4 | 5:26 ص

      لماذا كان صوتك خافتا طوال هذه الفترة

      كنا نتمنى ممن لهم صوت رفع عقيرتهم بالحق عندما كانت دماء الشعب تسيل في الشوارع

    • زائر 3 | 2:34 ص

      ولد البلد

      خلط الدين بالسياسة بصورة لا عقلانية لا يؤدي إلى خير المجتمعات، كما أن خلط الدين بالتجارة و الإقتصاد بصورة لا عقلانية لا يؤدي سوى للفساد و الإفساد.
      ولكن هذا لا يعني أنه يجب فصل السياسة عن الدين أو عن الإقتصاد. الدين إذا ما أحسن فهمه هو الأساس المتين و الموجه والدليل لسياسات البشر في كل النواحي، تماماً كما أن الإقتصاد المزدهر هو غاية رئيسية من غايات السياسة.

    • زائر 2 | 2:27 ص

      أبو صلاح

      ارفع الصوت عاليا واسمع ضعيف السمع وليكن صوتك كما كان يوم كنت في البرلمان
      المحل

اقرأ ايضاً