العدد 1548 - الجمعة 01 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي القعدة 1427هـ

السوق الآسيوية على مائدة اللقاء الصيني الأميركي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ستعقد الصين والولايات المتحدة أول حوار اقتصادي استراتيجي بينهما يومي 14 و15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل في بكين. أعلنت ذلك المتحدثة باسم وزارة الخارجية جيانغ يو. وقالت جيانغ إن الحوار سترأسه مشاركة نائبة رئيس مجلس الدولة الصيني وو يى ووزير الخزانة الأميركي هنري بولسون ، وكلاهما مبعوث خاص لرئيس دولته.

يأتي في هذا اللقاء في وقت يتوقع أن تدخل الصين إلى قائمة 10 اكبر مصادر سياحية للولايات المتحدة بحلول العام 2007 بحسب أقوال مارك ايه تورنر المسئول السياحي بسفارة الولايات المتحدة لدى الصين في معرض الصين السياحي الدولي الذي شاركت فيه أكثر من 50 شركة سياحية ووكالة سفريات أميركية لجذب السياح الصينيين.

وأكد تورنر ان السياح الصينيين سيشكلون نسبة نمو مهمة في سوق السياحة الأميركية على رغم ان أوروبا واليابان لا تزالان مصدرين رئيسيين. واضاف انه تماشيا مع النمو فى الاقتصاد والتنمية الصحية للعلاقات الصينية الأميركية يأمل المزيد من السياح الصينيين في ان يقوموا بزيارة الولايات المتحدة.

يأتي ذلك منسجما مع إجماع تقارير دولية مختلفة على أن مساهمة الصين في اجمالى الإنتاج العالمي تسجل زيادة كبيرة سريعة بل ويتوقع أن تتصدر قائمة المصدرين في العالم في العام 2010.

فمن ناحية، أشارت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومقرها فيينا، إلى أن بعض الدول النامية التي تتمتع حاليا بدرجة أكبر من النمو الاقتصادي، كالصين والهند وجنوب افريقيا، ساهمت بصورة ملحوظة في زيادة الإنتاج العالمي في العام 2005.

وفي هذا الصدد، أشار مدير عام المنظمة، كانيه يومكيللا، إلى أنه «من أبرز الوقائع أن الصين قد تحولت إلى محرك صناعي ضاعف نصيبه في الإنتاج العالمي ثلاثة أضعاف في الـ 15 عاما الأخيرة».

يذكر أن مساهمة الصين في الإنتاج العالمي على مدى أكثر من 23 عاما ارتفعت من 2.2 في المئة إلى 9.6 في المئة، بينما ازداد نصيب الهند من 0.9 في المائة إلى 1.2 في المئة، في حين ركدت مشاركة جنوب أفريقيا في حدود 0.5 في المئة.

وتشير آخر بحوث هذه المنظمة إلى أن تأثير النمو الاقتصادي والصادرات الصينية أصبح واضحا، بل ومن المتوقع أن تصبح أكبر مصدر في العالم بحلول العام 2010.

وحاليا، تعتبر الولايات المتحدة أكبر منتج صناعي في العالم بنسبة تصل إلى 23.3 في المئة من الإنتاج الصناعي العالمي، يليها اليابان (18.2 في المئة)، فألمانيا (7.4 في المئة)، ثم الصين (6.9 في المئة).

ومن السياسات السريعة ذات المردود الآني وعلى المستوى المنظور من أجل تعزيز قدرتها الصناعية، كثفت الصين حديثاً من سعيها المستمر منذ زمن بعيد لدمج أرض التيبيت البعيدة وشعبها عبر توفير بنى تحتية جديدة والخطط اللازمة لاستغلال موارد المياه التي لم تطال بعد في منطقة الهملايا، إضافة إلى احتياطاتها الغنية بالنحاس والذهب والهيدروكربون.

ويشدد القادة الصينيون على ان نيتهم تتلخص في جعل التيبيت جزءا من معجزة اقتصاد البلاد، من خلال توسيع دائرة التجارة والسياحة، وخلق ثروة في المنطقة المتخلفة التي يرى فيها الكثير من الغربيين آخر ملاجئ الروحانية. ويقول آخرون ان بكين تنظر إلى التيبيت على انها الجنة الجديدة للصين المتعطشة للطاقة والمحدودة الموارد. ويقع نحو 40 في المئة من موارد الصين الطبيعية في التيبيت، التي يعني اسمها الصيني «كزيزانغ»، «الوديعة الغربية».

قد حذر الناشطون الدوليون والتيبيتيون الذين يعيشون في المنفى من ان موجة الاستثمارات الصينية الجديدة في المنطقة قد تكون مضرة بالثقافة والاستقلالية التيبيتية.ويعتبر هولاء النشطون أن البنية التحتية الجديدة ستقود نحو عسكرة إضافية لمرحلة الاستقرار التيبيتي إذ ان الصين، التي احتلت المنطقة في العام 1951، ستمسي قادرة على نقل الجنود والتجهيزات بشكل أسرع والمحافظة على موقع أكثر فعالية هناك. وقد افتتحت الصين هذا الصيف أعلى سكة حديدية في العالم تربط قرية غولمود في كينغاي بلاهاسا، عاصمة التيبيت.

وبنيت السكة الحديدية بتكلفة بلغت 4.2 مليارات دولار، ويبلغ طولها 1140 كيلومترا وتسير فوق أراض صعبة وتربة غير مستقرة على ارتفاع بالغ، ما يجعلها واحدة من أصعب السكك الحديدية المبنية في العالم.

وبالإضافة إلى الأهمية الرمزية للسكة الحديدة الجديدة كمشروع وطني مهم، فإن الخط يوفر وسيلة أسرع وأرخص وأريح للوصول إلى أرض التيبيت المحاصرة. وكان نائب وزير السكك الحديدية سان يونغفو قد قال في يوليو/ تموز الماضي قبيل افتتاح الخط الأول أنه «إلى جانب الأهمية الإستراتيجية التي تشكلها في إطار تطور التيبيت، فان هذه السكة الحديد هي مشروع بنية تحتية للصالح العام أكثر منه للأغراض التجارية».وعلى رغم ان الحكومة الصينية تعتبر السكة الحديدية مشروع تقدم ناجح، فان للسكة الحديدية الجديدة أهداف اقتصادية واضحة، في سبيل تحفيز التجارة بين التيبيت وباقي البلاد والسماح لمزيد من السياح بزيارة هذه المنطقة البعيدة والمحاصرة بالجبال.

وتتوقع الحكومة أن تتخطى عائدات السياحة 700 مليون دولا في السنة الواحدة بدءا من العام 2010، وذلك في موازاة زيادة مهمة في العدد السنوي للزوار من 1.8 مليون في العام 2005 إلى ما يقارب 10 ملايين في العام 2020.

وبالفعل، من خلال توقعات زيادة أعداد السياح، ارتفع معدل الزيارات اليومية إلى البوتالا، القصر الشتوي للديلاي لاما في لاهاسا، من 1500 الى 2300.

قول يي كزاوغيانغ المسئول في «الصحافة الصينية الشبابية» حول الدليل المسمى «زانغدي نيوبيشو»، أو «كتاب مساحات الأراضي التيبيتية»، ان «دليلنا الى التيبيت يباع بشكل كبير». ويضيف «لقد بيع منه أكثر من 100 ألف نسخة منذ نشره... وهو رقم قياسي حقيقي بالنسبة لدليل».

وفي هذا العام، يخطط القادة الصينيون أيضا للبدء في تنفيذ 21 مشروع طريق سريع و9 طرق رئيسية أخرى في التيبيت، في الوقت الذي يتم فيه تطوير الطريق السريع لبلاد الهملايا المجاورة في نيبال.

وتشكل البنية التحتية حجر الزاوية في الخطة الصينية للتطوير الغربي، التي يقول قادة الحزب الشيوعي انها تستهدف إدخال التيبيت في عصر من الحداثة والازدهار، تنعم بهما المقاطعات الشرقية الصينية.

لكن يبدو أن هذه المشروعات الرامية إلى تطوير التيبت تواجه بمعارشة من لدن أبناء التيبت. إذ يشير مات وايتيكيس، المتحدث باسم «حملة التيبيت الحرة» في لندن «في الحقيقة، انه مشروع سياسي، والسكك الحديد تشير إلى حلم ماوتسي تونغ في احتواء التيبيت ضمن الصين إلى غير رجعة».

ويضيف «هذا الأمر سيسهل هجرة شعب هان الصيني الاستيطاني الى التيبيت، سعيا إلى انتقاص إضافي من الثقافة التيبيتية والهوية التيبيتية». وأوجدت «حملة التيبيت الحرة» التي تعمل من أجل الانسحاب الصيني الكامل من التيبيت، معارضة قوية ضد شركات النفط والمناجم الغربية التي تساعد الصين في الاستيلاء على الموارد المحلية، كونها تعتبر ان التيبيتيين محرومون بشكل خاص من المشاركة في صنع القرار المحيط بهذه المشروعات.ويؤكد وايتيكيس ان «التيبيتيين عاجزون عن ممارسة حقوقهم الاقتصادية لتحديد طريقة استخدام مواردهم». ويضيف «إنهم يعيشون في جو من الخوف والإكراه إذ تخضع معارضة مشروع غير مناسب كاستخلاص الهيدروكربون الى عواقب وخيمة».

ومعظم شركات الإعمار التي تستفيد من السكك الحديدية تتبع الصين الشرقية، والأمر نفسه بالنسبة لشركات التنجيم التي تأمل اليوم في استخدام السكك الحديدية لتسهيل عملياتها في المنطقة.وحينما تصبح جاهزة، ستسرع شبكة البنية التحتية من عملية الوصول الى الهيكلية التيبيتية الغنية بالذهب والنحاس والزنك والفحم والموارد الأخرى.

??وقد دعت الصين أيضا شركات نفطية عملاقة مثل «بي بي» و»شل» الى التنقيب عن النفط والغاز بعدما أدركت ان شركاتها تحتاج إلى خبراء في التنقيب في منطقة تشتهر بجيولوجيتها المعقدة.

ولعل أكثر الخطط الصينية لاستغلال الموارد التيبيتية أثارة للجدل حتى وقتنا هذا، هي النظام المائي الجديدة، المسمى بـ «الخط الغربي الكبير».

وبعد التشجيع الذي وفره نجاح مهندسيهم المدنيين في سكة حديد غولمود لاهاسا، يتطلع المخططون الصينيون إلى برنامج أكثر جرأة لبناء سلسلة من القنوات والأنفاق والمخازن التي قد تنقل الماء من التيبيت حتى الأراضي الجافة في شمال الصين.وحسب لي غويينغ، رئيس لجنة هيئة الصيانة في النهر الأصفر، فان الخط الغربي الممتد تحت الأرض بشكل جزئي على مسافة 300 كيلومتر، سيوفر نحو 8 ملايين متر مكعب من المياه في العام، من جينشا والأنهار الأخرى في المنطقة التيبيتية. وذكر أن المياه ستستخدم أيضا لتغذية نهايات النهر الأصفر العليا من أجل تلبية المتطلبات الصناعية المتصاعدة.

لا شك أنه لم يعد في وسع واشنطن أن تستمر في حصار بكين ومنعها من نيل حصة من السوق العالمية. فهذه الحالة الاقتصادية الصحية الصينية، يقابلها اقتصاد أميركي تثقله سلبيات العلاقات الأميركية الدولية. لكن تجمع الطرفين مصلحة واحدة هي إعادة رسم خريطة العلاقات الاقتصادية في آسيا، بما يفتح المجال أمام النمو الاقتصادي الصيني، من دون إلحاق أضرار قاتلة بالوجود الاقتصادي الأميركي فيها?

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1548 - الجمعة 01 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً