العدد 3875 - الثلثاء 16 أبريل 2013م الموافق 05 جمادى الآخرة 1434هـ

صفات الطبيب

البروفيسور فيصل عبداللطيف الناصر 

16 أبريل 2013

يقول أبوبكر الرازي: «الطب هو حفظ صحة الأصحاء، وردها على المرضى بقدر طاقة الإنسان»، كما أن ابن سينا يعرّف الطب بأنه «حفظ صحة من مرض من سبب في بدن عنه عرض»، إلاّ أن لابن رشد رأياً آخرَ، فهو يقول: «إن صناعة الطب هي صناعة فاعلة عن مبادئ صادقة، يلتمس بها حفظ صحة بدن الإنسان وإبطال المرض».

فالتطبيب مهنة فريدةٌ ورائدة في تعاملها المباشر مع جسم الإنسان وروحه ومشاعره دون وسيط، وعليه يُفترَض في الطبيب التميز بخصال وصفات متعددة؛ حيث إن المريض يتعرى تماماً من جملة الأحاسيس الذاتية ومن السواتر الخارجية أمام الطبيب، كاشفاً عن دواخل نفسه ومكنوناته وعن غطاء جسمه وحواجزها دون تحفظ ولا مواربة، كما أن مهنة الطب هي الأوحد في السلطة والقدرة وقوة التحكم في الطرف الآخر، فيها على المريض طاعة الطبيب الكاملة طوعاً دون قسر، فضلاً عن أنها المهنة الأميز والأشمل في التأثير المباشر على حياة الإنسان ورفاهيته أو إهلاكه والابتلاء بالوباء والداء.

وفي هذا، ذكر إسحق الرهاوي في كتابه «أدب الطبيب» أن «صناعة الطب هي أشرف الصنائع، والعلم بها أقدم العلوم، ويجب أن تتقدم في المرتبة على سائر الصنائع والمهن...».

كما جاء عن محمود بن سعود بن مصلح الفارسي أن «علم الطب أشرف العلوم بعد العلم الإلهي؛ لأن موضوعه بدن الإنسان....»، فهي المهنة العسيرة إلا لمن حُظي وأُنعِم بها، وليس لكل راغب فيها منال، وهي باتفاق الأقدمين واللاحقين منحة من آلاء الله تعالى، وهي علم من العلوم الربانية أو القريبة منها أو على القرب منه. قال أبوالطب أبوقراط: «لا يمكن في هذا العِلم أن يدركه عقل إنسان».

وبالتالي، فالطبيب عليه أن يكون حكيماً بكل معاني الحكمة، متعدد المواهب متشعب المدارك، في تميز دائم، رصيناً في التعامل، واسعاً في الثقافة، منطقياً، عارفاً بعلوم الإنسان، فضلاً عن أنه موهوبٌ بخصال ومميزات مشرقة إلى جانب التطبيب. فلقد قال الرهاوي في هذا الصدد: «كل فيلسوف طبيب، وكل طبيب فاضل فيلسوف، فالفيلسوف لا يقدر على إصلاح غير النفس، والطبيب الفاضل يقدر على إصلاح النفس والبدن جميعاً».

ويستوجب على الطبيب بذلك الاتصاف بخصال شخصية متعددة، فكما جاء عن الرهاوي: «أن يكون للذنب صافحاً، وللناس مسامحاً، وبالأمر عارفاً ليناً متواضعاً، وإلى الخيرات مسارعاً قنوعاً شكوراً، وبحسن الثناء مسروراً، وعن المآثم عفيفاً، وفي باطنه وظاهره نظيفاً».

وذكر صاعد بن الحسن: «أن يكون معتدلاً في مزاجه، طاهراً في نفسه، متمسكاً بدينه، لازماً لشريعته، وافر العقل قوي الذكاء، معروفاً بصدق اللهجة وأداء الأمانة غير شَرِه إلى المكسب, مواظباً على دراسته ونظره في علوم الأوائل، رقيق اللسان، رحيماً بالضعفاء والفقراء، سابقاً إلى معالجتهم قبل معالجة الأغنياء، ممارساً وصافياً عفيف الطرف والنظر والبطن والفرج، كتوماً للأسرار، غير مُغرَى بشرب الخمر ولا مولعاً بالفسق والفجور وأن يكون معتدل المزاج مستقيم الفكر والإنتاج، وينبغي ألا يكون متهوراً عجولاً، ولا جباناً عاجزاً لدرك المسائل فيفوت الوقت عمّا لابد المعالجة».

ختاماً, فكما قال جالينوس: «إنَّ الطبيب هو مَنْ تكاملت فيه الفضائل كلها التي هي العلم التعليمي والطبيعي والإلهي وصناعة المنطق والطب وصالح الأعمال ومحاسن الأخلاق والأفعال»؛ لذا على الطبيب مراعاة الله في التعامل مع المرضى وأن تكون مفاهيم وقيم الدين هي العامل الأساسي في تكوين شخصيته وصفاته مهما كانت عقيدته. فالعقائد السماوية في جملتها داعيةٌ إلى حسن التعامل مع المريض وغيره من البشر، بل مع المخلوقات كافة.

العدد 3875 - الثلثاء 16 أبريل 2013م الموافق 05 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً