العدد 3880 - الأحد 21 أبريل 2013م الموافق 10 جمادى الآخرة 1434هـ

تحميل الآخرين فاتورة الرفاهية

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

الغنى والثروة والرفاهية لعبة عقلية تبرمج عليها الناس من صغرهم، وانحرفت بسبب الأنانية لتقسم المجتمع لعدة فئات غنية وفقيرة، قائمة على فكرة «تحميل الآخرين فاتورة الرفاهية».

لتوضيح «فكرة التحميل»، نفترض أن الحكومة تريد أموالاً لبناء مستشفى، فتقترح فرض ضرائب استثنائية بنسبة 10 في المئة على التجار، وفي الحقيقة تحمّل الحكومة التجار تكاليف بناء المستشفى تحت مسمى ضرائب، والتجار أيضاً لا تفوتهم الفرصة، فيرفعون الأسعار لاستعادة أموالهم، ويحمّلون المستهلكين الفاتورة النهائية.

مثال آخر: رفاهية مذيع التلفزيون. فالمذيع يحمل تكاليف رفاهيته التلفزيون من خلال ما يسمى «راتب شهري مجزي»، والتلفزيون يحمل التكلفة للشركات المعلنة، وهذه الشركات تحمل المستهلك التكاليف.

للتوضيح أكثر، شخص يريد أن يسافر مع أسرته كل عام ويستمتع بحياته في البلدان السياحية. الحل المطروح هو تحميل الآخرين تكاليف هذه السفرات. كيف؟ يقوم بشراء أرض وبنائها 10 شقق، ومن ثم تأجيرها، وبذلك يدفع كل مستأجر 200 دينار إيجاراً للشقة الواحدة شهرياً.

المستأجر يعمل ويتعب، وفي نهاية الشهر يقطع جزءًا من راتبه، ليسلمه لذلك الشخص تحت مسمى «إيجار»، وهذا الشخص يأخذ الأموال ويسافر بها، وكأن الحقيقة في نهايتها أنه حمّل المستأجر تكاليف رفاهيته وثروته.

كل جهة تحمّل الجهة الأخرى التكاليف، وكلما زادت قدرة شخص على تحميل التكاليف أكبر عدد ممكن من الناس، زادت ثروته ورفاهيته، وإذا عجز عن تحميل الآخرين الفاتورة زاد فقره.

و»فكرة التحميل» يمكن أن تفسر وجود أكثر من 600 ألف أجنبي في البحرين، تم استقدامهم، بهدف تحميلهم تكاليف الثروة والرفاهية. فالمباني الشاهقة والعمارات والفلل الفخمة تم بناؤها بأيدٍ أجنبية، وتحميل الفاتورة للآخرين، تكون إما برضاهم، أو إكراههم، أو استغفالهم. برضا الآخرين، مثل مغنيّة تعلن عن حفل غنائي، وتبيع التذاكر، فيتوافد الناس على شراء هذه التذاكر، وبذلك تحصل هذه المغنية على أموال الآخرين أو تحملهم تكاليف ثروتها مقابل السماح لهم بدخول خشبة المسرح. ولكن برضاهم دون إكراه.

أما تحميل الآخرين بالإكراه، مثل: بنك استثماري مضارب، يشتري كل محصول الأرز بسعر 1000 دولار للطن، ثم يعرض طن الرز بسعر 2000 دولار، وهنا يُكره الناس على شراء الأرز بتلك الأسعار المبالغ فيها، لأنهم لا يستطيعون الاستغناء عن الأكل، إذ قام البنك بتحميل الناس تكاليف إرباحه المبالغ فيها من خلال استغلال حاجتهم الضرورية.

وأحياناً تحميل الرفاهية تتراوح بين الرضا والإكراه، مثل تحمل الشعوب تكاليف رفاهية الحكام وحاشيتهم، مرة يشعرون بالرضا، وأحياناً بالإكراه، وكذلك ما يحصل عليه النائب البرلماني أو الوزير من مكافآت شهرية ورواتب تقاعدية.

الإشكالية ليست في تحميل الآخرين الفاتورة، وإنما الإشكالية تتعلق بمدى رضا أو أكراه الناس على تحميلهم الفاتورة. مثلاً، أنا أبيع وجبة عشاء بسعر دينار، وأنت اشتريت برضاك هذا العشاء، وأعطيتني الدينار، هذا لا مشكلة فيه، لأنه قائم على الرضا وضمن الحياة التي نراها عادلة في عقولنا. ولكن لو كانت جميع المطاعم مغلقةً في منتصف الليل، واستغللت الفرصة ورفعت السعر من دينار إلى 20 ديناراً، وأنت مجبر، فأبناؤك يتضورون جوعاً، واشتريته مكرهاً بسعر 20 دينارا. هنا استغلال نراه في عقولنا ظلماً وإجحافاً.

حتى تكون لعبة الثروة والغنى مستقيمةً في عقولنا، يجب أن تقوم على الرضا وعدم الإكراه والاستغلال البشع، فالراقصة تبيع تذاكرها برضا الناس ومن يشتريها يكون مقتنعاً، والإنسان لا يواجه ضغطاً، إن كان يريد شراء تذكرة لمشاهدة عرض الرقص، أو لا يريد.

ولكن الإنسان في حاجة ضرورية للغذاء والسكن، فإذا قام المستثمر المضارب بشراء الأراضي بسعر 30 ألف دينار، ثم يرفع الأسعار ويعرضها للبيع بسعر 100 ألف دينار، ويصر على هذا السعر، فإنه حرم عشرات آلاف من الناس من توفير السكن لأسرهم، من أجل الأرباح المبالغ فيها، وتحميل الآخرين فاتورة ثروته، أو بعبارة أدق، أن يجبر الناس على تسليم كل ما ادخروه طوال عمرهم، وتسليمه على طبق من ذهب ليصبح مليونيراً على حساب الآخرين.

وفكرة «التحميل»، تقوم على أن كل إنسان محتاج إلى منتجات وخدمات، وإذا أراد الإنسان الثروة عليه أن يوفر هذه السلع والخدمات التي يحتاجها الناس ويشترونها منه. والدول الرأسمالية تقوم استراتيجيتها على فكرة تحميل الشعوب الأخرى تكاليف الثروة والرفاهية، بما يعطيها انطباع العدالة في اللعبة العقلية الكبرى للحياة الإنسانية.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3880 - الأحد 21 أبريل 2013م الموافق 10 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:52 م

      ماذا تريد ان افعل

      بنيت عمارة لابد ان احصل على ايجار شهري وهذا عقد متفق عليه بين المؤجر والمستأجر اتريدني ان اسكنه بلا اجر وهذا عرض والمستأجر قبل هل في ذلك لوم على المؤجر ؟ والمستئجر قد يكون هو في موقع اخر لديه برادة اشترى شيء ب2دينار ويبعه 3دينار وهكذا في كل موقع لماذا لا تتكلم عن السارق الذي استحوذ على كذا وكذا واقام مشاريع عليها الله يرحم الاوائل من اجدادنا يرددون على لسان حال من يحصل على اشياء ليست لهم وصارت من ممتلكاتهم :لا غصنا ولا سبنا و.....,, ام الطمس ليها

    • زائر 4 زائر 3 | 10:40 ص

      متأسف

      متاسف لم تفهم مغزى المقال........................... إقرأ تعليق الزائر 1

    • زائر 2 | 11:47 م

      ابو كرار

      الصراحة مقالاتك جميلة جدا جدا جدا
      ياريت تكتب بشكل يومي

    • زائر 1 | 10:41 م

      قلها بصراحة

      المقال جيد و لكنه خجول. كان يجب أن يكون صريحا و يسجل: الإقتصاد المؤسس من الإنسان على هذه الكرة الأرضية مبنية على إستغلال البشر و ذلك لأجل رفاهية الأقلية. كل المبادئ و الأصول التى جاء بها الإنسان لتطوير و تحسين الحياة لم تعالج الوضع و الأساس الإقتصاد ى المبنى على إستغلال البشر بواسطة البشر. ملخص: كل الأمور تدور حول إستغلال البشر و المسألة ستستمر و لا تنتهى و لا تتغير مهما قلنا فى تجميل الأمور.

اقرأ ايضاً