العدد 2486 - السبت 27 يونيو 2009م الموافق 04 رجب 1430هـ

إيران... بين «الثلث الضامن» و«الثلث المعطل»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لنفترض -قطعا للنقاش- أن الأرقام التي أعلنها رسميا وزير الداخلية الإيراني (المتهم الرئيسي في الفساد والرشوة والإشراف على تنظيم حفلة التزوير) بشأن نتائج التنافس على الانتخابات الرئاسية صحيحة مئة في المئة و لا مثيل لها منذ ثلاثة عقود.

ماذا تقول صناديق الاقتراع بحسب ما ذكره وزير الداخلية؟ النتائج أعطت مير حسين موسوي أكثر من 13 مليونا أي ما نسبته 33.75 في المئة من مجموع المقترعين. وأعطت محسن رضائي 1.73 في المئة من النسبة العامة. وأعطت مهدي كروبي 0.85 في المئة من المقترعين. المجموع العام للمترشحين الثلاثة يشكل نسبة 36.33 في المئة أي ما يفيض عن 15 مليونا من الكتلة التصويتية في مختلف الأقاليم والمدن الإيرانية.

الرقم ليس بسيطا وغير عادي في معركة انتخابية جرى فيها توظيف المال العام لشراء الأصوات واستخدمت شبكات الدولة والأجهزة والمؤسسات للترويج لمترشح واحد ضد الآخرين. فهذه النتيجة التي أعلن عنها وزير الداخلية تطرح فعلا أسئلة بشأن تعامل الدولة مع أكثر من ثلث (الضامن أو المعطل) من الكتلة التصويتية في الجمهورية الإسلامية. النسبة كبيرة وعالية لأنها ترصد تحولات تؤكد أن 15 مليونا خرجوا عن سيطرة أجهزة الدولة وإرشاداتها. معدل ثلث المقترعين في معركة انتخابية انكشفت فيها خطة انحياز أجهزة الدولة وتدخلها المباشر في الضغط على الناس وتدوير اختياراتهم تعتبر نسبة راجحة في دلالاتها الرمزية والاعتراضية إذا أخذت مختلف الظروف في الاعتبار. فالثلث يطرح فعلا أسئلة بشأن تعامل الدولة مع هذا الكم من المقترعين (15 مليونا) الذي قرر المغامرة وخوض التجربة على رغم الصعوبات والتعطيلات والتدخلات.

النتيجة الكمية والنسبية مفيدة جدا لأنها تساعد على قراءة ما حصل بعد إعلان وزير الداخلية الأرقام المشكوك في صحتها أصلا. فالتعامل السلبي مع ردود الفعل الشعبية يكشف فعلا عن مجموعة أخطاء متراكمة ومخاوف من انقلاب مزاج الشارع واندفاعه نحو المطالبة بالكشف عن الحقيقة.

تعامل أجهزة الدولة أسوأ من إعلان النتيجة. وعدم احترام وزير الداخلية للدستور وتجاوزه لتلك المادة (المادة 27) التي تعطي حق الاحتجاج والتظاهر السلمي يؤكدان أن الأجهزة كانت على علم مسبق بالنتيجة وبأن غالبية الشارع اتجهت للتصويت في الضفة الأخرى.

منع الناس من الاعتراض والمطالبة بحقهم في كشف الحقيقة هو الوجه الآخر للتلاعب بصناديق الاقتراع. ومن يفعل هذه لا يتردد في افتعال غيرها من مشكلات أدت إلى أزمة ثقة وأثارت غضب الشارع وسقوط ضحايا.

رقم 15 مليون إنسان بالغ وراشد ليس بسيطا في جمهورية تأسست سياسيا على ثورة الشارع وثقة الناس بالقيادة. وهذا الرقم مهم لأنه يؤشر على تحولات لابد أن تأخذها الدولة في الاعتبار وإلا انزلقت الجمهورية إلى مناطق خطرة يمكن أن تؤدي إلى تفريغها وتجويفها من أنصارها لمصلحة مجموعات انتهازية ووصولية لا تكترث كثيرا لمبادئ الثورة.

أخطر ما تواجهه إيران الآن ليست الضغوط الخارجية وإنما نمو طفيليات في الداخل أخذت تمتد وتسيطر على أجهزة الدولة وتستخدمها لمصالح شخصية لا تحترم سير الناس ولا أخلاق التعامل ولا أصول المحاكم والعلاقات بين البشر. وهذا الخطر الطفيلي (البيروقراطي) إذا امتد واستفحل فإنه سيبدد ثروة الدولة وسينفقها على تصنيع وجهاء لا قيمة لهم سوى تسويق الكلمات الجوفاء وإطلاق التصريحات المبرمجة عن وعن وعن من دون وعي أو انتباه للمخاطر المتأتية من أسلوب التعامل المتوتر مع ثلث الشعب.


خياران

أجهزة الدولة الآن أمام خيار صعب في كيفية إدارة الأزمة مع 15 مليونا من المقترعين. والخيار ينشطر إلى اتجاهين هما إما اعتبار ثلث الشعب معطل ويجب تحطيمه أو أن هذا الثلث هو القوة الضامنة للجمهورية. حتى الآن يبدو وزير الداخلية يصر على التعامل مع ثلث الشعب بصفته مجموعة عملاء يتلقون المال من أجهزة المخابرات الأميركية (سي. أي. أيه). وهذا النوع من التفكير ليس جديدا في منطقة شهدت الكثير من الصور المشابهة لما يحصل الأن في إيران.

اتهام الناس (ثلث الشعب) بالعمالة والخيانة وتهديدهم بالسحق وترهيبهم بالسحل وإنزال الشرطة المقنعة بالقماش الأزرق إلى الشوارع لملاحقة الاحتجاجات ليس جديدا في سياق مشاهد منسوخة عن المنطقة. الجديد هو اختلاف التعامل مع الناس واتباع الأسلوب «الحضاري» مع حق المطالبة الدستورية في كشف الحقيقة. وهذا الأمر المفترض والمتوقع من جمهورية استمدت قوتها من غضب الشارع وصيحاته لم يحصل.

استخدام القمع للتهرب من المسئولية السياسية مسألة خلقية تتصل أساسا بمدى تعامل السلطة مع ثلث الناس وكيف قرأت النتائج الفعلية للاقتراع. فالاقتراع سياسي وهو يسبق التوجه إلى الصناديق بغض النظر عن النتائج الرسمية التي أعلنها وزير الداخلية. والنتائج لا تقدم ولا تؤخر سياسيا إذا كانت الأجهزة ترى أن ثلث المقترعين (15 مليونا) مجموعة خونة وجواسيس وأعداء ينفذون خطة سرية تمولها مخابرات أجنبية.

المسألة إذا قراءة سياسية. وهذه القراءة تطرح أسئلة بشأن تعامل الأجهزة مع «الثلث» وهل هذا «الثلث» يعطل الجمهورية أو هو الضامن لاستقرارها ونموها واستمرار نجاحها.

التعامل مع «الثلث» بوصفه قوة تشكل خطرا على الدولة هو الخطر بعينه، والخطأ الذي سيؤدي لاحقا إلى خسارته وربما خروجه فعلا من تحت مظلة الجمهورية وأجنحة الثورة.

هناك فرصة لإعادة القراءة وهيكلة المؤسسات والبناء عليها لتصحيح المعادلة وخصوصا أن الأزمة تجاوزت الشارع وانتقلت إلى داخل السلطة وأجنحة الدولة وقادة الثورة ومراجع الجمهورية ومصادر قرارها. حتى الآن لم تبادر المراجع الروحية التقليدية الكبيرة إلى مباركة عملية الانتخابات ما يؤشر إلى وجود عدم قناعة بنتائجها. وأمس الأول قاطع نحو الثلثين حفلة عشاء دعا إليها رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد أعضاء البرلمان الإيراني بمناسبة فوزه بولاية ثانية.

عدم حضور 185 نائبا من مجموع 290 حفل عشاء الرئيس المنتخب يعطي صورة عن أزمة ثقة أخذت تمتد وتنتشر وتتوزع على المراجع والمدن والمؤسسات الشرعية التي تشرف على إدارة الدولة وتشرع قراراتها وتقونن خطواتها.

نسبة «الثلث» التي أعلن عنها وزير داخلية متهم بالرشوة والفساد ليست بسيطة. واقتراع 15 مليونا للمترشحين المنافسين على رغم الضغوط والإغراءات والتوجيهات يؤكد على أن النتائج السياسية للمعركة تخالف تلك التي أعلن عنها رسميا وزير الداخلية. والجمهورية الآن في منعطف خطير وهي مخيرة بين احتمالين: إما اعتبار الثلث قوة ضامنة تحمي الدولة وتنقذ الثورة وإما اعتبار الثلث قوة معطلة للجمهورية ينبغي كسرها وتحطيمها مهما كان الثمن.

الخيار الأول (التسووي والتصالحي) صعب للغاية ولكنه ممكن إذا اتبع لغة عقلانية تفاوضية ومتواضعة. أما الخيار الثاني(مطاردة الناس وملاحقتهم) فهو سهل للغاية ولكنه يفتح الباب أمام عواصف واهتزازات داخلية ما يعطي فرصة للخارج أن يستفيد منها ويعيد توظيفها للتدخل والعزل... والله أعلم.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2486 - السبت 27 يونيو 2009م الموافق 04 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً