العدد 3885 - الجمعة 26 أبريل 2013م الموافق 15 جمادى الآخرة 1434هـ

سفنٌ ميتةٌ على شط العرب

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في البصرة، تطل شرفة الغرفة التي نزلت فيها ضيفة على مهرجان المربد العاشر، على شط العرب. الشط الذي عمره من عمر دجلة والفرات، أي من عمر بلاد الرافدين، والذي يتكون من التقاء النهرين الخالدين.

وقفت في أحد الصباحات البصرية أمام النافذة، فرأيت الشمس تشرق على الشط، وبدأت معالم المنظر تتكشف أمامي. في بداية الأمر لم أفهم المشهد جيداً، ثم... وشيئاً فشيئاً، بدأت أستوعب ما أرى؛ كان الشط يغص بكتلة حديدية ضخمة تطفو على وجهه كالبثور المقزّزة. إنها سفينة غارقة، متروكة في مكانها منذ أن قرّرت الحرب بوحشية أن تمنعها من مغازلة الماء. تساءلت: أي الحروب خلفت هذه السفينة الغارقة يا ترى؟ فشط العرب شهد حروباً وحروباً... ليس في هذا القرن وحده، ولا في القرن الماضي فحسب؛ وإنما منذ فجر التاريخ، منذ أن صار وادي الرافدين وادياً للحضارة والحرب.

وبتفاؤل قلت لنفسي: ربما قرر أهل البصرة أن يتركوا هذه السفينة كتذكار، أو كعِبرة للأجيال القادمة؛ كي لا تتكرّر ويلات الحرب من جديد. لكن شمس الصباح لم تتركني فريسةً لتساؤلاتي وتفاؤلاتي هذه، وبدأت تكشف لي تفاصيل أكثر من المشهد؛ فرأيتُ شكل السفينة المقلوبة الطافية على سطح الماء، ورأيت حديدَها يلمع، فقدَّرتُ أن عمرها لا يتجاوز الثلاثين سنةً، وهذا يعني أنها توقفت عن الحياة وانقلبت في حرب السنوات الثمان، في ثمانينيات القرن الماضي، أو في حرب الكويت، أو في الغزو الأميركي للعراق، أي أن هذه السفينة ميتة منذ ثلاثين سنةً في أسوأ تقدير، أو عشر سنوات في التقدير الأقل سوءًا!

وسأكون متفائلةً - كعادتي - وأقول إنها غرقت في السنوات العشر الأخيرة، لكن تفاؤلي لن يصمد طويلاً حين أفكر بكمية التلوث والأذى الذي أصاب الماء وما فيه من عوالم حية!

انشغل العراقيون بالحروب العبثية التي خاضوها تحت مسميات متناقضة، قليلٌ منها حقيقي وأكثرها كان مجرد شعارات لا تعني شيئاً إلا خدمة الحكام وإطالة مدة بقائهم على الكراسي، وانشغل العالم بمتابعة تلك الحروب وتقصي أخبارها، عن بُعد أحياناً، وأحياناً شارك فيها بالمال والسلاح وحتى الجنود.

انشغل أهل البلد، وانشغل جيرانهم، وانشغل أقاربهم، وانشغل أعداؤهم، وانشغل أصدقاؤهم، وانشغل من يعرفهم ومن لا يعرفهم... انشغل العالم كله، ونسوا الحياة التي كانت على هذه السفينة يوم كانت تجوب موانئ العالم وتزور المدن البعيدة، لتنقل الناس والبضائع من العراق وإليه.

نسي العالم أيضاً الحياةَ التي تحت سطح مياه شط العرب وهي تئن من ثقل حديد هذه السفينة، ومما تبثُّه من سموم تقتل التنوع البيئي في ماء الشط.

سألتُ أهل البصرة عن هذه السفينة، فهدمت إجابتهم آخر جدار من التفاؤل كنت أستند عليه، قالوا لي: أية سفينة تقصدين بالضبط؟ فاستغربت وقلت: كم سفينة ميتة على سطح الشط؟ قالوا: المئات!

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3885 - الجمعة 26 أبريل 2013م الموافق 15 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:35 م

      المالكي منتخب من شعبه

      وتؤيده 12 محافظة واكثر والفساد ظني ليس بيقين في اتهامك له ولا ننفي انه يوجد فساد ومفسدين في العراق لكن ائت بالدليل ولا تنسى وانت ترمي غيرك بلدك والفساد فيه من رأسه الى قدمه

    • زائر 2 | 6:21 ص

      محرقي بحريني

      هذا يدل على الفساد الكبير الذي ينخر حكومة المالكي فهذه الحكومة لم تستطيع توفير الحياة الكريمة للمواطن العراقي فكلنا شاهدنا صور وبرامج عن أهل البصرة وهم يقتاتون من القمامة وملابسهم غذرة وكأنهم في أفقر قريه أثيوبيه وليس في بلد يعوم على النفط كيف لهذه الحكومه التى لم تستطيع توفير أدنى شروط مطالب الحياة لمواطنيها أن تتبنى مشورع كبير لتنظيف شط العرب وعودة الحياة اليه

    • زائر 1 | 1:20 ص

      معلومات

      هناك حوالى 2500 الى 3000 سفية و قارب من مختلف الأحجام فى شط العرب. قبل أعوام عملنا دراسة لتنظيف شط العرب من هذه المخلفات و ثم تعميق المجرى و تشغيل الميناء. لكن المشروع لم يرى النور و لم يبدأ لأن المسئولين عن المشروع فى البصرة طلبوا (رشوة) مبلغ 10 مليون دولار نقدا قبل تنفيذ المشروع الذى كانت تدفع تكاليفة من مدخولا ت الميناء لفترة عشر سنوات و ليس أى مبلغ نقدى. أخبرناهم بأننا سندفع لهم سنويا مبلغ مليون دولار بعد تشغيل المشروع. لم يوافقوا و لذلك لم يتم أى عمل هناك . المخلص : الفساد غريق فى شط العرب.

اقرأ ايضاً