العدد 3887 - الأحد 28 أبريل 2013م الموافق 17 جمادى الآخرة 1434هـ

في رحاب السياب

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

«إليك يا بُوَيْب

يا نهريَ الحزين كالمطر

أودُّ لو عَدَوْتُ في الظلام

أشدُّ قبضتيَّ تحملان شوقَ عام

في كل إصبع كأنني أحمل النذور

إليك من قمح ومن زهور»..

أن تقف على جسر بُوَيْب في قرية الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب متنظراً سماع صدى صوته وهو يغني له، لهو عين السعادة الممتزجة بحسرةٍ مصدرها أنك لن تجده واقفاً بانتظارك وفي يديه قصيدة وقمح وزهور.

كان هذا الوقوف مع أربعة من شعراء العراق: بغداديّ ونجفية وبصريّ وكربلائيّ، جميعنا توجهنا إلى بيت السياب لنشم به عبق الشعر ورائحة الأحرف المعتقة بالحزن، الممزوجة بالحنين الذي طالما أنتج قصائد لا حصر لها في مديح القرية وهجاء المدينة التي لم يألفها الشاعر.

«بُوَيْب» كان في استقبالنا، بجسره القديم، ورائحة الطلع التي تتقافز إلى أنوفنا من نخلاتٍ لم يختلفن كثيراً في شموخهن عن نخيل موطني البحرين. وعلى الرغم من عدم وجود «السيّاب» بلحمه وعظمه، إلا أنه كان حاضراً بقوة، وكأن طيفه يحتضن زواره بالشعر.. بالحرف.. بالعشق الذي كان يصدح بالقرب من شباك معشوقته وفيقة.

توقفت السيارة قرب بيتٍ كبيرٍ قديم، كُتِبَ على لافتة حديثةٍ عُلّقتْ على حائطه الأمامي: «مشروع صيانة دار الشاعر بدر شاكر السيّاب. مدة العمل: 8 أشهر. تاريخ المباشرة: 8/1/2013م». اللافتة حملت اسم الجهة الداعمة والجهة المنفذة، وبالقرب منها تكدس الطوب والقرميد بانتظار أخذ مكانه في البيت الذي تُزْهِر منه أصداء الكلمات.

دخلنا الدار من بابه الذي يقود إلى غرفٍ كان السيّاب يتجوّل فيها بحثاً عن قصيدته الجديدة، ومن هناك، من رمل ذلك البيت أنبتنا الشوق ليزهر ابتساماتٍ وضحكاتٍ تعالت دهشةً وهي تبحثُ عن أي شيءٍ تركه الزمن من بقايا «السيّاب».

تجولنا في غرفٍ متعددةٍ و»حوشٍ» واسعٍ توسط حضنها، تحت سقفٍ علا بسمو روح ساكنيه ذات قصيدة. التقطنا الصور التذكارية قبل أن تطال يد الحداثة تلك الدار. وبكثيرٍ من القلق تمنينا ألا تختفي معالم الطين على الجدران وألا تكون الأعمدة الجديدة التي شُيِّدَت على أطراف «الحوش» مدخلاً لنسيان شكل البيت بطبيعته القديمة السابقة التي حمدنا الله كثيراً أننا رأيناها قبل الترميم، وألا يغيّر الطوب والقرميد شكل البيت حين نزوره في المرة المقبلة.

«جيكور»... القرية التي أنجبت السيّاب، والتي وصلنا إليها بعد أن عبرنا كثيراً من الجسور، كانت تماماً كما توقعناها: بسيطة، حالمة، بأطفالها العائدين من المدارس والذين يحملون على ظهورهم النحيلة حقائب ربما تحتوي كثيراً من قصائد السياب، وربما نسيت أن تحتفي به. أطفالٌ لم تلوث معالم المدن براءتهم وعفويتهم، فحين سألنا أحدهم عن بيت السيّاب، أجاب أنه لا يعرفه وهو الذي لم يكن بعيداً عنه، وحين شاكسه أحد الأصدقاء بسؤالٍ توقعنا له إجابة محددة: «إنت شاطر بالمدرسة»، أجاب: «آني طاب بثنتين». ماذا لو كان هذا الطفل من المدينة؟ هل كان سيقول أنه راسب بمادتين بكل هذه العفوية؟ أم أن المدينة بأضوائها المزيّفة ستضفي على جوابه كذبة صغيرة ليكون جوابه كما توقعناه: «نعم شاطر».

بعد جواب هذا الطفل على سؤالنا المشاكس، عرفنا لماذا لم يألف السيّاب المدينة، وكان دائم الحنين إلى «جيكور».

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3887 - الأحد 28 أبريل 2013م الموافق 17 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:24 ص

      رائحة الوجع في نبض السياب

      وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
      كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ،
      دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،
      والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛
      فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
      ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء
      كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر !
      مطر..مطر..مطر

    • زائر 3 | 1:51 ص

      العراق مهد وكنوز

      عيناك غابتا نخيل ساحة السحر
      أو شرفتان راح ينأى عنها القمر
      العراق حكايات وحكايات .. للأدب عنوان عريض فيها
      حبذا لو نعرف حسابك في انستاغرام لنشاهد الصور استاذة
      شكرا مع المحبة

    • زائر 1 | 12:31 ص

      السياب وما ادراك ما السياب

      الجواهري والسياب اكبر شاعرين اعتز بهما .. تابعت رحلتك للبصرة عن طريق حسابك في الانستجرام حيث شاركناك شيئا من شعورك واحتفائك بالشاعر السايب وكم كانت الصور جميلة .

اقرأ ايضاً