على مدى فترة طويلة من الزمن، نظر العالم إلى أوروبا على أنها قلعة الدفاع عن مجتمع أكثر عدلاً وقيماً وتضامناً، وذلك على خلاف الولايات المتحدة القائمة على أمجاد الفردية والمنافسة التي تعتبر كل ما هو «عام» على أنه «اشتراكي» (بمعني شيوعي).

وبلغ هذا الفارق المفهومي حد اتهام الرئيس باراك أوباما في حملته الانتخابية الأخيرة - ضمن اتهامات أساسية أخرى - بأنه يتبني خطة غير معلنة لتحويل الولايات المتحدة إلى أوروبا أخرى، بدءاً بإصلاح نظام الرعاية الصحية.

بيد أن الوقت حان الآن لتحديث مثلاً هذه المفاهيم التي أصبحت بالية. فالواقع هو أن المدافعين عن أصولية السوق قد انتقلوا بالفعل إلى أوروبا.

ففي الاجتماع الأخير لوزراء المالية الغربيين في 9 أبريل/نيسان 2013، حاول وزير الخزانة الأميركي المعين حديثاً، جاكوب ليو جيه، إقناع زملائه الأوروبيين بتخفيف تمسكهم بالتقشف باعتباره أفضل دواء للمشكلات الاقتصادية.

وكدليل على هذا الموقف الأميركي الجديد، أطلقت وزارة الخزانة الأميركية، جنباً إلى جنب مع البنك المركزي (الاحتياطي الفيدرالي الأميركي)، سياسة تحفيز اقتصادي؛ بل وبنجاح ملموس. فكل شهر، يضخ البنك المركزي الأميركي وحده 80 مليار دولار في سوق السندات. كذلك تفعل اليابان الشيء نفسه؛ بل وعلى نطاق أكبر.

لكن دعوة وزير الخزانة الأميركي قوبلت بموقف أوروبي رافض ومتمسك بأن أفضل وسيلة لتحقيق النمو على المدى الطويل (على عكس الأدلة العملية والفعلية كافة) هي خفض العجز وطمأنة الأسواق، حتى وإن جاء ذلك على حساب ارتفاع معدلات البطالة والبؤس الاجتماعي على المدى القصير.

في هذا الشأن، يكفي ما قاله أقوي وزير في أوروبا، الألماني ولفغانغ شوبل: «لا أحد في أوروبا يرى أي تناقض بين ضبط الأوضاع المالية العامة والنمو. يجب أن نضع حداً لهذه المناقشة التي تقول إن عليك أن تختار بين التقشف والنمو».

هذه الرياح الاقتصادية المعاكسة وقصيرة الأجل تشكّل الواقع اليومي لجميع دول جنوب أوروبا.

في الوقت نفسه، لدينا الآن البيانات الخاصة بقبرص، التي تكشف أنه أصبح من المقبول، على نطاق واسع، أنها ستفقد اثنين في المئة على الأقل من ناتجها المحلي الإجمالي في الأشهر المقبلة وستعاني من آثار اجتماعية وخيمة؛ بل وسيكون عليها أن تطلب قريباً عملية «إنقاذ» مالي آخر.

روبرتو سافيو

مؤسس وكالة «إنتر بريس سيرفس»