العدد 3914 - السبت 25 مايو 2013م الموافق 15 رجب 1434هـ

من أنت؟ هل تعتقد أنك إنسان حر؟

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

هل تعلم من أنت؟ أنت من قهر الموت في عالم الأرحام، وانتزع الحياة بقوة وجدارة. عندما كنت في عالم الأرحام على شكل قالب سائل، أو حيوان منوي، كان معك الملايين الملايين، كلهم ماتوا، ما عدا أنت، قهرت الموت وذهبت بعزم وإصرار إلى البويضة، لتنتزع الحياة، وتكون جنيناً، وتخرج للعالم لتعلن أنك تستحق الحياة بجدارة.

تخيّل ما هي قوتك؟ إن المسافة التي قطعتها في عالم الأرحام لتصل إلى البويضة، إذا ما قارناها بأحجامنا، فإنها مسافة دوران 20 مرة بين الأرض والقمر في دقيقة، إذ كانت لك هذه القدرة والسرعة الرهيبة، فأنت قوة جبارة تغيّر مجرى الحياة، وتحطّم حصون المستحيل.

إن من يقهر الموت في عالم الأرحام، وينتزع الحياة، فهو قادر على قهر المستحيل في هذه الحياة وتحقيق السعادة والنجاح مهما كانت الصعاب.

فالإنسان، ذكراً أو أنثى، في كيانه قوة جبارة وطاقة هائلة، إن أكتشفها وأحسن استغلالها، فإنه سيحقق كل أهدافه مهما كانت، وسيعيش حياة طيبة في غاية الروعة والسعادة، وإن لم يكتشفها فإنه سيعيش حياةً بائسة.

إن القوة الجبارة والطاقة الهائلة لدى الإنسان، وضعت في صندوق داخل أعماق قلبه، وفتحه يحتاج إلى مفاتيح يصنعها العقل، ومشكلة الإنسان أنه منذ ولادته تم استعباد عقله، وتعطيله عن التفكير الصحيح الذي يمكنه من صنع تلك المفاتيح لاستخراج قوته الجبارة.

الإنسان مسكين منذ ولادته، تم برمجته ليكون عبداً مطيعاً وخادماً للذين يسيطرون على الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني. وقصته تشبه قصة الفيل، إذ اشترى صاحب سيرك فيلاً صغيراً قوياً ومتمرداً. وقام بربطه بالسلاسل، وكرة حديد ضخمة، فكلما حاول الفيل التحرك، وجد صعوبةً بالغةً في تحريك كرة الحديد الضخمة، فيظل يحاول طوال اليوم، حتى يتعب وينام بآلامه. وفي اليوم الثاني والثالث وهكذا، بعد 3 أسابيع، قام صاحب السيرك، واستبدل الكرة الحديدة بكرة خفيفة من الخشب، لكن الفيل لم يتحرّك. وسأل زائر صاحب السيرك، لماذا لا يهرب الفيل، وهو يستطيع تحطيم الكرة الخشبية؟ فردّ عليه: «إن عقل الفيل تبرمج بأنه لا يستطيع الهروب، إذ فقد الثقة بنفسه عندما تم ربطه بكرة الحديد، حتى تبرمج عقله على أنه لا يمتلك القدرة على التمرد والهروب».

فالإنسان، مثل الفيل، تم برمجة عقله بأنه لا يستطيع، وإذا أراد الخلاص والسعادة عليه أن يتبع أفكار النخبة، سواءً كانت هذه النخبة علمانيةً أو دينيةً على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

والأكثر إشكالية، أن الآباء والأمهات بسبب جهلهم، ولأنهم أيضاَ مساكين تم استعبادهم، وهم لا يعلمون أنهم مستعبدون مسلوبو الحرية، يقومون بتربية ابنهم على العبودية والطاعة لمن يسيطرون على الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني، ظنّاً منهم، أنهم يربّون أبناءهم على السعادة.

مثل الذين يتبعون «القاعدة»، تم غسل عقولهم، واعتقدوا أنهم ينصرون الله، ولكنهم لا يعلمون أنهم عبيد يخدمون من يتحكّم بعقولهم من البشر، فيذهبون إلى الموت يفجّرون أنفسهم، والأدهى أنهم يربّون أبناءهم على اتباع القاعدة على أنها مصدر السعادة والطريق إلى الصراط المستقيم.

لا تضحك على من يتبع «القاعدة»، إضحك على نفسك، فأنت مثلهم مستَغَل، وعبدٌ لغير الله، لكنك لا تعلم، وأنت مستعدٌ لتقدّم نفسك للموت تحت مسمى «التضحية» إن كنت علمانياً، أو «الشهادة» إن كنت متدّيناً، لمحاربة كل من يكشف الغطاء عن بصرك ويعلمك بالحقيقة، بسبب البرامج التي وضعت في عقلك، والتي تجعلك تقدّم روحك رخيصةً في خدمة أجندات خاصة صوّروها لك بأنها أهداف سامية.

الغالبية العظمى من البشر مستَعبَدون لبشر آخرين، وأنا لا أستبعد نفسي، فهناك أفكارٌ تسيطر على عقلي لا أعرف أنها غير صحيحة، لأنني منذ ولادتي تمت برمجة عقلي على أنها صحيحة.

مثال، الإنسان يمتلك طاقة، بهذه الطاقة يصنع كرسياً، ثم يبيعه بسعر دينار، ماذا يعني هذا؟ أن الإنسان حوّل طاقته إلى شيء مادي «كرسي»، ثم حوّلها إلى نقود، فأصل النقود هي طاقة الإنسان. فمن يمتلك مليون دينار، فإنه يمتلك طاقة بنّاء ونجّار وصبّاغ...إلخ، ويسخّرهم لبناء فيللا فخمة له.

في اللعبة العقلية الكبرى للحياة الإنسانية، تم تحويل طاقة الإنسان إلى نقود، ومن النخب من يسعى إلى مصّ طاقة البشر من خلال هذه اللعبة، وتحويلهم إلى عبيد وهم لا يعلمون، يعتقدون أنه الطريق الصحيح.

السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كنت تسير في الطريق الصحيح، لماذا أنت لا تعيش السعادة؟ لماذا لا ترى جمال الحياة؟ فثق يقيناً أن الله جعل الحياة جميلةً وفي غاية الروعة والجمال، وفيها ما يملأ القلب بالسعادة الغامرة. كلّ ما عليك أن تحاول أن تكتشف ذاتك وتحرّر عقلك، لتتمكن من استخدام تلك القوة الجبارة التي منحك إياها الله الذي يحبك حباً.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3914 - السبت 25 مايو 2013م الموافق 15 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 12:57 م

      كفو

      كفو والله ياخوي عباس. مقالك مكتوب بماء الذهب وبعقليه راقيه. نرجو الإستمرار في محاكاة عقول الناس وهن استحضر مقولة عمر ابن الخطاب لعمرو بن العاص : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهآتهم أحرارا،،، جزاك الله خير والى الأمام.

    • زائر 6 | 2:00 ص

      النخبة و العامة

      الله سبحانه و تعالى يعلم بحاجة الأنسان الى اتباع ا الله سبحانه و تعالى يعلم بحاجة الأنسان الى اتباع النخبة و ذلك بسبب تفاوت القابليات و الأستعدادات بين بني البشر لذلك اصطفى او اختار لهم نخبه نظيفه منزهه لاتريد للبشرية الا الخير في مقابل رضا الله فقط و فقط وأمر الناس بتباعهم لينالوا الخير و في الجانب الآخر نهى الناس عن اتباع الشياطين من الإنس و الجن حتى لايحرفوا الإنسانية الى اطماع شخصية رخيصة.

    • زائر 7 زائر 6 | 2:20 ص

      سؤال

      و لماذا يتقاتل كل التابعين للمرسلين فيما بينهم؟ أليس مرسلهم جهة واحدة؟ لماذا يتفرقون و يختلفون و يتنازعون؟ هذا ما يريد المقال تنبيهنا اليه.

    • زائر 5 | 1:29 ص

      انتظر قراءه مقالك بفارغ الصبر

      لماذا لا تكثر من اصدار مواضيعك بالجريدة مثل باقي الكتّاب لما لها من اهمية ؟
      وهل عندك اصدارات كتب من تأليفك ؟
      فأنا من أشد المتابعين لكل مقالاتك لما لها من فائدة كبيرة

    • زائر 8 زائر 5 | 2:22 ص

      تفريخ

      عزيزى مع كل إحترامى، هل تتصور الناتج الفكرى مثل تفريخ الدجاج حتى يقدم فكرة كل يوم؟

    • زائر 4 | 12:09 ص

      رائعة

      رائعه جديده من روائعك عزيزي عباس المغني ولكن اين نجد الاحرار الذين يقدرون هذه الروائع انت استمر على هذا الطرح واسعى لتحرير العقول وان كنت وحدك ....فيوما ما ستستنير العقول وتتحرر البشريه من هذه القيود

    • زائر 2 | 10:58 م

      الحر حر في جميع احواله

      ان اسر هو حر وان صبت عليه المصائب وان كسر وان هزم فو لا ينكسر ولا يهزم لان داخله حر فيوسف الصديق استعبد وووو لكنه حر فوصل الى منثب وزير المالية -الخزانة- الحر لا ينكسر ولا يستعبد ولا يتراجع وخاتمته خير وان نشر بالمنشير كان ذلك خيرا له الحر :انت حر في الدنيا والاخرة ......سعيد جعفر الديهي

    • زائر 1 | 10:26 م

      عاجز عن التعبير

      أحسنت، أحسنت ثم أحسنت. شكرا لك. مفكر و كاتب كبير. حاله حال كل المبدعين عندنا. لا نقدرهم حتى يدخلوا علينا من الشباك الغربى. عندها نرقص و نغنى و نتباهى بأنه بحرينى. إستمر و أتمنى أن لا تغير مسيرك.

اقرأ ايضاً