العدد 1570 - السبت 23 ديسمبر 2006م الموافق 02 ذي الحجة 1427هـ

جولات في عوالم التدريس والإعلام والمكتبات

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com
حسين راشد الصباغ

في مطلع الستينات من القرن العشرين عدت إلى وطني البحرين بعد سنوات عدة من التحصيل الجامعي العلمي في ال 

في «محاضرات الأدباء» فصل ممتع في مدح الوزارة وذمها، بنقل قولاً عن النبي (ص): ما من أحد أعظم أجراً من وزير صالح يكون مع إمام فيأمره بذات الله ويجعل معه وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه. وقيل ثبات المملكة بقدر هيبة وزرائها. وهناك فصول أخرى مفيدة مثل مدح التقليل من الطعام وذم الإكثار، وفصل في نفع النوم ومضرة السهر، والتأني في المداولة والمبادرة، ووجوب عيادة المريض، وهناك أنواع مختلفة من الطب وتحذير من سؤال اللئام وتحمّل المكاره تفادياً للسؤال.

وفي صيف العام 1968، عدت إلى البحرين، ونعمت بوصل جميل مع مكتبتي إذ عملت موظفاً بوزارة الإعلام لسنوات تسع. عالم الإعلام والصحافة شدّني إلى قراءة واقتناء كل ما هو مفيد ومهم في هذا الميدان، الذي يتناول القضايا السياسية المهمة، وفي أروقة الإعلام ومؤتمراته وندواته أدركت أن الإعلام العربي في محنة بسبب الخلافات السياسية الدائمة والجدل السياسي العقيم بين الدول العربية حول الأمور المصيرية.

وإذا تركت هذا الجانب الإعلامي، فقد شدتني أمور الثقافة والفكر والبحث، فهذه الميادين أبقى وأنفع من أجواء السياسة المتقلبة ومناوراتها وتكتيكاتها القائمة على المنافع والمصالح الآنية.

في يناير/ كانون الثاني 1977 غادرت إلى بيروت، في أول عمل دبلوماسي لي، أعقبه العمل في أربع دول أخرى، واستمر حتى بداية 2002 حيث تقاعدت وأحلت إلى المعاش بعد ربع قرن على وجه التقريب، تركت خلالها فلذة كبدي، إنها مكتبتي. وكنت سعيداً إنها في مكان مكين وحرز أمين، وفي منتصف التسعينات بينما كنت أعمل في الصين، عدت إلى البحرين لقضاء إجازة قصيرة، ذهبت إلى غرفة مكتبتي وأزلت الأقفال الحديدية، ولكن ما كدت أفتح بابها حتى باغتتني فئران ضخمة شديدة البأس، تنظر إليّ نظرات شزر كأنها تقول: «ما هذا الزائر المتطفل»! فقد كانت تقتات على خزائن مكتبتي وتعيش على مائدة عرس كبير! فما كان مني إلا أن ذهبت إلى أكبر متجر من متاجر بو خماس لأسأل عن مصيدة كبيرة للفتك بهذه الوحوش الضارية، فنصحني مدير الفرع أن أشتري مصيدة حديدية ثقيلة مصنوعة من الصلب النقي، غالية الثمن، فاشتريتها وعدت إلى المكتبة، وما هي إلاّ ساعات قليلة حتى بلغ ضحاياها ثلاثة فئران، في فم أحدها أحد كتب التراث! لكن بقية الفئران اكتشفت هذه الحيلة وفضلت أن تقتات من الكتب بدل الأجبان السويسرية التي وضعناها طعماً. وبعد أيام من الحصار لم تجد ما تقتات به فعثرنا عليها منهوكة القوى لا تقوى على الحركة داخل هذا المحبس. خادمنا قال لي بعد هذه المجزرة: هل تعلم أن هناك فرقة في الهند تعبد هذه الفئران وتصادقها وتؤويها حيث تسكن، وتطعمها بما تأكل!

وتذكرت أنه في شتاء 1991 نظمت الخارجية الصينية رحلة لرؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية إلى جزيرة خاينام، وكنت برفقة سفير الكويت الصديق عبد الحميد البعيجان، ووجدنا في سوق اللحم والأسماك فئراناً ميتة معروضة للبيع، من الصنف الذي عاث بكتبي فساداً، ومازحنا البائع الصيني، فقال إن ثمن الكيلو منها أغلى سعراً من اللحم والسمك?

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1570 - السبت 23 ديسمبر 2006م الموافق 02 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً