العدد 1577 - السبت 30 ديسمبر 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1427هـ

العام 2007 لن يكون أفضل من 2006

الناس بين الواقع والأمنيات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يمكن تصور العام 2007 سنة خالية من الزلازل والعواصف والفيضانات والبراكين وغضب الطبيعة؟ طبعاً هذه أمنية ولكنها مثالية وتنتمي إلى عالم متخيل.

هل يمكن تصور العام الميلادي المقبل سنة خالية من الأمراض والأوبئة أو حوادث السير أو المشكلات الاقتصادية والأزمات المالية والاصطدامات وربما المعارك والحروب؟ طبعاً هذه أمنية ولكنها تبقى مجرد رجاء يتمناه الإنسان.

مثاليات البشر كثيرة ودائماً الناس تتوقع الخير والحياة الهانئة وتميل في طبعها إلى المسالمة والموادعة. ولكن وقائع الأمور تتخالف ومجرى الحوادث يتجه إلى العكس أحياناً لأن الدنيا في أساسها قائمة على الاستنفار والاصطفاف وتوليد ديناميات يتدافع البشر خلالها نحو التقدم أو التعثر. هذه السُنة تتحكم بالناس كما تتحكم بالطبيعة. فالأرض دائماً تتعرض للهزات والتقلبات وعنف المناخ ولكن البشر يتوالدون ويستمرون ويعملون بدأب على تطوير حياتهم أو تكييفها طمعاً في التغلب على الطبيعة ومحاولة السيطرة على قوانينها.

وكما هو أمر الطبيعة يمكن تصور حياة الإنسان. فالبشر يتخالفون ويتصارعون ويتنافسون ويتزاحمون ويتقاتلون على الكثير من الأمور بعضها تافه لا يستحق التضحية وإضاعة الوقت وبعضها لأسباب ذات قيمة إنسانية تتصل بالعدالة والحق والنزاهة والمساواة وعدم التفرقة والتمييز بين الشعوب والأقوام.

هذه القوانين التي تسيطر على الطبيعة والاجتماع البشري يمكن إدراكها في حال حاولنا قراءة آيات القرآن الكريم فلسفياً. فهذا الكتاب يشتمل على «ثنائيات» كثيرة تقوم على فكرة التدافع من أجل الخير. والخير دائماً ينتصر على الشر ولكن الشر لا يختفي من الوجود. فالعالم تأسس على هذه المعادلة التي توحد الإيجابيات والسلبيات ولكنها أيضاً تولد شرارات تدفع الناس نحو التنافس. وحتى يستوي التزاحم لابد من وجود كتلة شريرية وشيطانية تواجه كتلة الخير والإيمان. فالانقسام (الثنائيات) ضروري حتى يحصل التدافع والتقدم والتطور وإلا فإن مصير البشرية سيكون الذهاب نحو الهلاك الأبدي.

العام 2007 ليس بالضرورة أن يكون أفضل من العام 2006 ولكن الإنسان في طبعه يتمنى الخير والعدالة والسلام والحق وتوزيع الثروة على الناس ومساعدة المساكين والمحتاجين والمظلومين والمستضعفين. وهذه الأمنية ستبقى موجودة لأنها تعطي البشر تلك الآمال المرجوة لتحقيق الاستقرار والسعادة.

إلا أن الأمنية يجب أن تكون واقعية حتى لا يقع الإنسان في مطبات مثالية تفسد على البشر طموحاتهم واستعدادهم الدائم للتمسك بما هو أفضل.

القضاء على الفساد مثلاً من الطموحات الوهمية ولكن محاربة الفساد والحد منه والتقليل من مخاطره على الصالح العام وتوازن الحياة مسألة ممكنة. كذلك يمكن رؤية كل المشكلات من الزاوية نفسها. فالإنسان قادر على الحد من احتمالات الحروب والعمل على تقليل الإنفاق على التسلح والدفع باتجاه توظيف الأموال في حقول التنمية التي ترفع من شأن الحياة الاجتماعية ومتطلبات البشر البسيطة والمتواضعة.

حتى هذه الطموحات التي يمكن التحكم بها تبدو أحياناً شبه مستحيلة في عالم تتحكم بثروته أقلية وتديره مجموعة دول كبرى تسيطر عليها شركات متعددة الجنسية لا ترى أمامها سوى اعتماد سياسات الاحتكار وتفقير البشر وتوريطهم في حروب ومنازعات أهلية من أجل الكسب ومراكمة المال وتكديسه.

المشكلة إذاً تبدأ من هنا. وهي على بساطتها تحاول الشركات (الدول) الكبرى تجاهلها. فالعالم ينفق يومياً مليارات الدولارات على إنتاج الأسلحة والاتجار بها وتشجيع المساكين على الاقتتال بينما لو أنفق نصف تلك الموازنات على التنمية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لكان بإمكان البشرية أن تتقدم أشواطاً سريعة نحو العدالة والتوازن والاستقرار والرفاهية ولكان بإمكانه أن يتغلب على الكثير من المشكلات (الأمراض، الجهل، الأمية) من دون عقبات تذكر.

العام المقبل لن يكون للأسف الشديد أفضل كثيراً من العام الماضي. فهناك الكثير من التطورات الإيجابية حصلت على مستويات مختلفة من اختراعات واكتشافات كان لها وقعها الإيجابي على البشر. ولكن أيضاً حصلت الكثير من التطورات السلبية التي حملت إلى بعض الدول الويلات الاجتماعية والحروب السياسية وما يتفرع عنها من معارك قتل واقتتال أهلي.

صور العالم في العام الماضي ملونة ومتعارضة. فهناك ما هو الجيد والجميل وهناك ما هو السيئ والبشع. وللأسف أيضاً كانت حصة عالمنا العربي/ الإسلامي كبيرة في مجال السلبيات. فالعراق لايزال يدور في حلقة العنف الدموي اليومي. ولبنان تعرض إلى عدوان تدميري أعاده عشر سنوات إلى الوراء ودفع بأهله إلى الساحات في حركة عنيفة قد تعرض سلمه واستقراره لنوع من الاستقطابات الأهلية. وفي فلسطين لايزال مسلسل العدوان على هذا الشعب المظلوم يكمل حلقاته من دون توقف. والأمر نفسه يمكن مشاهدته في درافور السودان أو في الصومال.

الكثير من الأمور حصلت وهناك غيرها يمكن توقع حصولها. فالعالم هكذا، ولكن الإنسان لو أراد يستطيع أن يجعله أفضل وأقل ضرراً وأكثر استعداداً للانفتاح والتسامح والقبول بالآخر واحترامه.

لا يمكن تصور العالم في العام 2007 في حال مثالية، فهذا يعتبر من الأوهام. ولكن العالم يمكن أن يكون أفضل لو قررت تلك الأقلية التي تتحكم بثروات الشعوب أن تتنازل بعض الشيء عن الطمع والاحتكار واكتناز الثروات وهدر المال العام. وكل عام وانتم بخير?

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1577 - السبت 30 ديسمبر 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً