العدد 3938 - الثلثاء 18 يونيو 2013م الموافق 09 شعبان 1434هـ

من المخيم إلى الصفحة الأولى

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في رمضان قبل تسعة أعوام، نشرت لقاءً خاصّاً في «الوسط» مع عبدالباري عطوان، واليوم مع اقتراب رمضان أنشر مقالين عن سيرته المهنية ومعاناته كلاجئ من أبناء المخيّمات.

كان شغوفاً بالصحافة منذ طفولته، وأقنعه أخوه بأن شخصية الفرد يمكن معرفتها من خلال اسم الصحيفة التي يقرأها. وكان معجباً باللبناني غسّان تويني صاحب «النهار»، ومحمد حسنين هيكل رئيس تحرير «الأهرام»، وكان يحترمهما لشجاعتهما في التعبير عن آرائهما حتى لو تناقضت مع الخط الرسمي.

في يوم تخرجه في جامعة القاهرة سئل عن بلده، فأجاب: ليس لدي وطن. فطلب إليه الخروج من مصر لانتهاء إقامته، كان ذلك بداية عهد السادات. وهكذا يمّم وجهه شطر ليبيا مضطراً، مع تاجرٍ اتفق على أن يعمل لديه سائقاً، ووصل ليبيا ليجد نفسه ضائعاً. وفيما كانت تتناوشه الرغبة بالعمل بالصحافة، لجأ إلى إحدى الصحف وقدّم إليهم مقالاً ترجمه عن صحيفة «التايمز» اشتراها بدينارين كانا كل ما يملك يومها: «لماذا يحتاج الأميركان للشاه كشرطي للخليج؟».

لم يبدِ رئيس التحرير به اهتماماً وركنه على الرفِّ، لكنه بعد أسبوع فوجئ باتصال صديقٍ يخبره بنشر مقال «الكاتب الكبير عبدالباري عطوان» على الصفحة الأولى! المقال لفت نظر عبدالرحمن شلغم (وزير خارجية القذافي) وكان صديقه في الجامعة، فاستدعاه للعمل معه في مجلته الشهرية.

من مفاجآت عطوان، أنه انتقل إلى العمل في وكالة للسيارات في السعودية (1975)، بترتيب من أخيه المقيم هناك، والذي يرى أن الصحافة لا تطعم خبزاً. لكن شكله لم يعجب مندوب الشركة فصرفه، فعمل معلّماً لفتاة من علية القوم، لفترة قصيرة، حيث دخل إلى عالم القصور والمساحات الهائلة المبلطة بالرخام الأبيض. لم يستمر في هذه الوظيفة لأكثر من درسين فانصرف عنها. بعد ذلك فتحت له «المدينة» أبوابها، ليعمل مترجماً، ومنها إلى التحرير لعدة سنوات، كانت خير تأسيسٍ لقاعدته المهنية، حيث تخصّص في التغطيات الأدبية والثقافية. وهو يسجّل اعتزازه الكبير بتلك الفترة وصداقاته هناك.

بعد سنواتٍ من مغادرته لندن للعمل في «الشرق الأوسط»، وبعدها ينتقل إلى تأسيس صحيفته الخاصة «القدس العربي»، سيتعرض لحملة صحافية مركزة، تتهمه بأنه طرد منها بسبب قضايا جنسية. كان حينها بدأ ينشر بعض المقالات ينتقدها، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع الصحافة الكويتية واتهامه بالعمالة لنظام البعث العراقي، ولاحقاً بتسلم كوبونات صدام حسين.

هذه الجزئية كانت في خاطري يوم أجريت اللقاء، وكان يومها غاضباً جدّاً على صدّام الذي أدت سياساته المتهورة إلى ضياع العرب وتدمير العراق. وفي كتابه أفرد فصلاً بعنوان: «صدام حسين وأنا»، يذكر فيه بداية اتصال العراقيين به بعد مقابلة له على «سي ان ان» يعارض فيها الغارات الأميركية على بغداد بعد محالة اغتيال جورج بوش الأب في الكويت (أبريل/ نيسان 1993)، وكان صدام يشاهدها مع طارق عزيز، ورفض ثلاث دعوات من صدام لزيارة بغداد.

وهو لا يخفي إعجابه بالرجل و»إنجازاته» العلمية وتأميم النفط، لكنه يؤكد رفضه عروضاً بقسائم نفطية مغرية في فترة الحصار الذي تعرضت له صحيفته، كما يعترف بأنه لم يكن معجباً «بالأسلوب الفظ والدموي الذي كان يستخدمه في حكم العراق وقتله معارضيه بعد تعذيبهم من خلال أجهزة مخابراته الرهبية». وكيف تحوّل المركز الثقافي العراقي في لندن إلى استوديو لتسجيل مقابلات مع صحافيين عرب مؤيدين لحرب صدام ضد «الفرس المجوس»، وكيف كان السفير يحتفظ في درجه بـ 180 ألف جنيه يوزعها على الكتاب والصحافيين المؤيدين. ويقول انه لم يكن مؤيداً لحربه على إيران «التي أطاحت بنظام الشاه المتحالف مع إسرائيل، وكنت مثل الملايين غيري من المعجبين بالإمام الخميني مفجر هذه الثورة، وزاد إعجابي به بعد طرده السفير الاسرائيلي وسلمها (السفارة) لعرفات».

في سيرته المشوقة، يستعرض هذا اللاجئ المشرد لقاءاته وحواراته مع عددٍ من القادة والمثقفين العرب، مثل علي عبدالله صالح الذي أهداه خنجراً، والشاب عبدالله الثاني الذي كان يتكلم العربية بصعوبة وبلكنة أجنبية، والقذافي الذي قابله في خيمته، وياسر عرفات الذي التقط له صورة بنفسه، وادوارد سعيد، وصديقه الحميم محمود درويش الذي كان يكتب لعرفات خطاباته القوية لكنه قطع عنه معونته حين اشتد عليه الحصار، حتى اضطر الشاعر إلى تغيير سكنه في باريس.

إلا أن أثمن وأغلى مقابلة أجراها كانت مع أسامة بن لادن، فقد جرت بترتيبات سرية مع «القاعدة»، لم يعرف بها أحدٌ حتى زوجته، عبر طرق ملتوية. وتجشّم عناء السفر عبر أكثر من دولة للتعمية على وجهته، ثم ركوبه طرق مواصلات عديدة، جوية وبرية، آخرها الحمير، للوصول إلى معقله في جبال تورا بورا.

هذه المقابلة حوّلته بعد هجمات سبتمبر/ أيلول إلى «خبير» في شئون القاعدة، وفتحت له أبواب كبرى القنوات التلفزيونية الأجنبية. هنا أيضاً لا يخفي عطوان إعجابه بالرجل، ويقدم أطروحته بشكل متعاطف معه، في فصل خصصه بعنوان: «أسامة بن لادن»، يستهله بمحاصرة سيارته يوم زار اليمن، وأحاطت به مجموعة تصيح به بعدما تعرفت عليه: «يا شيخ عطوان، أخبرنا عن الشيخ، كم كنت مباركاً لأنك قضيت وقتاً معه» كان قد قضى مع بن لادن ثلاثة أيام في الجبال.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3938 - الثلثاء 18 يونيو 2013م الموافق 09 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 12:42 م

      جعفر عبد الكريم صالح

      ويذكر عطوان في الكتاب ان احد ابرز شعارات جمال عبد الناصر كان ان 'نفط العرب للعرب، وان الخيرات الطبيعية العربية يجب ان تستخدم لمصلحة الشعوب العربية وليس لمصلحة القيادات الغربية ومصالحها' (ص87). ويشير عطوان الى انه كفلسطيني 'كان من المستحيل عليه عدم الانغماس في القضايا السياسية.. وكان من المنتظر منه الدفاع عن القضية الفلسطينية' (ص91). ويتحدث عطوان في الكتاب عن الصعوبة التي واجهها في مصر لاكمال دراسته الجامعية حيث ابلغه ضباط في المخابرات المصرية ان ملفه موجود لديهم كطالب راديكالي

    • زائر 15 | 8:46 ص

      جعفر عبد الكريم صالح

      أسدود. بعد الإنتهاء من الدراسة الإبندائية في مخيم رفح للاجئين في غزة. أكمل دراسته الإعدادية والثانوية في الأردن، عام 1967، ثم في القاهرة بمصر. وفي عام 1970 التحق بجامعة القاهرة. تخرج بتفوق من كلية الاعلام. ثم حاز دبلوم الترجمة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة. بعد التخرج عمل لجريدة البلاغ في ليبيا، ثم جريدة المدينة في السعودية. وفي عام 1978 انتقل إلى لندن، حيث استقر، ليعمل في جريدة الشرق الأوسط و"مجلة المجلة" السعوديتان الصادرتان في لندن. في عام 1980 أنشأ مكتب لندن لجريدة المدينة

    • زائر 20 زائر 15 | 12:51 م

      الي رقم 14 ورقم 17

      صدام حسينا لويريد سلطة لاتفق مع الامريكان والبريطانين ولحد الان في السلطة والحكم لكن شريف ومناضل قل مثلة لقد كان قائد حقيقي وبسبب شجاعتة لم يهرب من المعركة وضل يناضل حتي استشهد علي يد عملاء امريكا والصهيونية وانت تعرف ضرب العراق باسلحة كانت موجهة اصلا للاتحاد السفويتي السابق واوربا الغربيةواسقطوا النظام الوطني الدي سيعود ان شاء اللة رحمة اللة عليك
      رمز الأمان
      تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفةالتعليقات 15
      زائر 1 | اطراء سطحي يرتكز على التعاطف 2013-06-19 | 5:19 صباحاً
      عزيزي اظنك

    • زائر 13 | 7:25 ص

      نصيحة للطلاب

      هذه تجربة رجل كافح من اجل تحقيق هدفه. امس ذكر الكاتب قاسم حسين كيف كان يعاني من سوء التغذية ولا يملك غير حذاء واحد ولكنه كافح وأثبت نفسه وعمل سائق سيارة جمع القمامة في البلدية واكمل دراسته الجامعية في مصر.تعلموا وادرسوا واجتهدوا فأنتم شعب متحضر عظيم. شكراً على لفتتك استاذ.

    • زائر 12 | 5:23 ص

      الغائب الحاضر

      صدام حسين فعلا شخصية لاتنسي شخصية قومية بحق ناضل من اجل الشعب العربي من فلسطين الي الجزر العربية التي احتلتها ايران حتي الوقت الحاضر الرجل استشهد من فترة ولكن اي مقال يكتب من فبل الدين يكرهون الشخص يدخلون موضوعوة فية تري وانا متاكد ان هؤلاء وهو ميت يستشهدوب بة ويضعونة في مقالاتهم كمن انت عظيم لقد فقدتك الامة العربية في الوقت الحاضر رحم اللة ياشهيد العصر

    • زائر 14 زائر 12 | 8:39 ص

      الامة لن تنسى حجاج العصر

      شهيد الأمة وبطل القادسية والقعقاع وبطل المقابر الجماعية وحجاج العصر. أكيد لن تنساه الشعوب العربية بشهادة عبدالباري عطوان. قتل حتى زوجات بناته واقرب المقربين له وحتى وزير دفاعه. وصدق الله: انها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

    • زائر 17 زائر 12 | 10:27 ص

      نعم صدام البصل

      صدام المجرم سفاح العصر
      الخابوري

    • زائر 18 زائر 12 | 11:38 ص

      ههههههه

      هههههههه هكذا بشر اضحكوا عليه. لا تردوا عليه بالعقل

    • زائر 11 | 4:18 ص

      فعلا تشعر انه حتى الان متعاطف مع بن لادن والقاعدة

      وأغلى مقابلة أجراها كانت مع أسامة بن لادن، فقد جرت بترتيبات سرية مع «القاعدة»، لم يعرف بها أحدٌ حتى زوجته، عبر طرق ملتوية. وتجشّم عناء السفر عبر أكثر من دولة للتعمية على وجهته، ثم ركوبه طرق مواصلات عديدة، جوية وبرية، آخرها الحمير، للوصول إلى معقله في جبال تورا بورا.

    • زائر 10 | 4:12 ص

      من يتعلم الدرس؟

      مقال فيه عبرة ودرس خصوصا لاولادنا وبناتنا المتخرجين. تعلموا وادرسوا وكافحوا. هذا الرجل خرج من المخيمات وكافح حتى وصل الى رئيس تحرير كبير.مقال في وقته.

    • زائر 8 | 2:31 ص

      قصة معاناة شعب

      تتركز في رجل. واجمل ما فيها انها عبرة للشباب خصوصا الذين يعانون من ظلم واضطهاد وتمييز في اوطانهم وهجرة قسرية.الارادة تعمل المستحيل وتقهر الصعاب.

    • زائر 7 | 2:14 ص

      لم اعد اثق بما يطرحه عبد الباري عطوان

      اسمح لي سيد اختلف معك كثيرا
      فليس كل ما يطرحه هذا الكاتب حقيقي
      هو احيانا يستخدم التخمين كثيرا

    • زائر 6 | 2:11 ص

      أفغانستان ويهود ستان وإيران والاتحاد السوفييتي سابقا

      علشان لا ينكسر خاطر على ليش الشاه كانوا حاطينه شرطي المنطقه وليش حاربوا الثوره بعد إنتصارها وتغيير جدري في العلاقات بين إيران وأمريكا. خطان لا يتوازيان واحد إسلام يريد السلام والامن والامان للشعوب، بينما في إسلام حر موجود في شبه الجزيره القطريه عفوا العربيه وبفتوى يمكن إعلان وتغيير أي موقف وإذا إحجت مساعده قانونيه أو إفتائيه، فأم الديا ماقصرة ولاده وبهدلوا الدنيا وما يندره بأم الدنيا أو بستخاراتهم وإستشاراتهم القانونيه والفتاوي ما يحتج القرضاوي. اليس عدلا أو عوجا أرادوها فما مشى الحال؟

    • زائر 5 | 2:04 ص

      الصحافه من قنوات الاعلام كما الدعايه والاعلان

      ليس من الأسرار أن الصحافه والاعلام والدعايه والاعلان مسخرينها اليهود الصهاينه لصالحهم عدل مو عدل.. العبره بالعبريه أن اليهود سخروا واستعبدوا ثم إستفادوا من قلم عبد الباري عطوان بعد تعذيبه وتعليمه أن الحياة بدون يهود ما تسوى بعد أن كان حلمه إيصال الحقيقه بعد التحقق منها. ويش مو الصحافه تسمى مهنة المتاعب. الرجال ماقصر تعب وإجتهد، لكن شوف بعض الناس أو بعض كتاب الغفله ما يندره غافلين أو ما يدرون كيف الواحد يتعب ويشقى لينقل معلومه صحيحه، وذلك لأن الكلمه أمانه وليست نقل هويوي وهيلي ومالي..عدل أو موعد

    • زائر 1 | 10:19 م

      اطراء سطحي يرتكز على التعاطف

      عزيزي اظنك اسرفت في الاطراء لاننا بحاجة لقراءة الرجل بصورة أعمق ، وهذا التعاطف المجاني هو الذي يسلمنا للعناء غالبا.

    • زائر 3 زائر 1 | 1:08 ص

      كامل والكمال لله

      هذا الرجل لم تنجب البشرية مثله!!!!! ما السر وراء هذا التمجيد ؟؟؟؟

    • زائر 4 زائر 1 | 2:01 ص

      سلام

      لا اجد في المقال اطراء سطحي كل ما فيه سرد لسيرة رجل بنى نفسه بنفسه و القراءة الاعمق و التحليل امران متروكان للقاريء

اقرأ ايضاً