العدد 3955 - الجمعة 05 يوليو 2013م الموافق 26 شعبان 1434هـ

صندوق مرسي وأوراق المصريين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تستولي أحداث مِصر هذه الأيام على القلوب والعقول. لماذا؟ ربما لأنها استولت منذ عشرات السنين، على قلوب وعقول العرب (مسلمين ومسيحيين).

السياسة، بدأتها مصر. الدولة النِّدِّيَّة للغرب بدأتها مصر (محمد علي باشا). الأحزاب نَشَطَت في مصر. الحالة الدينية قادها الأزهر الشريف في مصر. الصحافة والثقافة والفن بدأ في مصر.

القومية، استقوت وتحوَّلت إلى فعلٍ في مصر. حروب التحرُّر وقتال «إسرائيل» ارتسمت في مصر. التطور المدني ومحاربة الإقطاع وقضايا التأميم جاءت من مصر. التعليم والمناهج الدراسية جاءتنا من مصر.

حتى ألسنتنا، نَحَتْ صوب اللهجة المصرية، فصارت شديدة التداول، وسَهلَة النطق، إلى الحد الذي أصبحت جزءًا من الثقافات المحلية في بلداننا.

هذه هي مصر. فعندما يحدث فيها كَسرٌ، فإن القلوب تهفو إليها، لأنها كانت كذلك، حاضرة في وعينا. فحين تتحدث، يُسمع صداها في أبعد الأمصار. وعندما تكتب، ينطق بمكتوبها الجميع. وعندما تتمنطق، فإن ذلك يُصبح شاغل الجميع. لذا، فحين يُقال عنها أنها عُمق العرب، فهي كذلك بحق. وبالتالي فإن ما يجري فيها اليوم، هو مُؤلمٌ لنا بحق.

جرح مصر اليوم كبير. كبيرٌ ليس بفعل خُرمشات الحاضر. فهي اليوم، تدفع فواتير سابقة، لأفعال سابقة، وَقَعَت فيها، لصالح الأمة، ودَفَعَ الفرد المصري من أجلها كُلفاً كثيرة. العدوان الثلاثي العام 56، وحرب 67 ضد «إسرائيل»، ثم حرب الاستنزاف معها، ثم حرب أكتوبر ضدها، كلها محطات كانت باهضة الثمن لمصر، لا يُمكن تخيلها أبداً.

جرح مصر، لم يبدأ من حسني مبارك، ولا أنور السادات ولا جمال عبدالناصر، هذه حقب، انغَمَسَت في معادلات إقليمية ودولية معقدة، وفي حسابات غير دقيقة «ربما» أدت إلى ما أدت إليه.

لذا، فإن هذه التراكمات، لا تحلها الشعارات، ولا حكم المئة يوم، بل يُمكن مواجهتها، عبر نظام مؤسسي، لا يَلعَن سابقه، ولا يرمي عليه مشاكله للتخلص من الفشل وأزمة الضمير، وهو بالتحديد ما وَقَع فيه الرئيس المصري السابق محمد مرسي، مع أننا نعتقد أن آلية التغيير التي تمت بدفع من الجيش والقوات المسلحة هي محل نظر، ورآها كثيرون أنها لا تمت إلى الديمقراطية بصلة، وهو ما يُمكن مناقشته في مقال.

لم تكن الدولة -أية دولة كانت- يوماً صنيعة المزايدات، ولا الصراخ على الماضي، بل هي نتاج العمل المتراكم. فمصر قبل الثورة - أو قبل مبارك، أو السادات، أو حتى عبد الناصر- لا يُمكن أن ننفي عنها صفة الدولة. نعم، يُمكن أن نقول أن بها نواقص، وفساداً وضياع حقوق، لكن كيان الدولة كان قائماً، والمؤسسات فيها تعمل، واحتكارية القوة المادية كانت موجودة، وهو ما يعني أنها لا تقبل العبث بتوازناتها بطريقة راديكالية.

أمامنا العراق كأكبر مثال. كثيرون كانوا ينظرون إلى حكم البعث، على أنه كان حكماً ظالماً، تاهَ في حروب عَبَثيَّة مع جيرانه ومع الغرب، لكن ذلك الحكم، وعندما تم هدمه بقرار بريمر السيء، وَجَدَ العراقيون أنفسهم بعده في بلد مكشوف، سياسياً وأمنياً وعسكرياً واجتماعياً وقانونياً، والسبب، أن الدولة كانت قائمة، رغم أن النظام العامل فيها كان محل خلاف.

أكبر خطأ وَقَعَ فيه الأخوان، أنهم فَصَلوا أنفسهم عن منتظم الدولة المصرية، وكان شاغلهم الأساس، هو الاستيلاء الأفقي على مفاصلها. وربما كان الإعلان الدستوري، هو الملمح الذي أظهرهم على أنهم كذلك. وكلما وقعوا في فشل تنفيذي، قالوا هذه مخلفات حكم مبارك. إنها بحق، ثقافة الذنب الموروث التي لا تنتهي.

من أكثر الأدواء السياسية في عالمنا العربي، هو عدم فهم معادلة الأكثريات والأقليات، سواء أكانت السياسية/ العرقية/ الطائفية، وكذلك النظرة للربح والخسارة. مع شديد الأسف، أنه وعندما يحقق حزبٌ فوزاً ما في الانتخابات، لا ينظر إلاّ لفوزه، فإن حقق اثنين وخمسين في المئة، ينسى أن هناك ثمانية وأربعين في المئة من شعبه لم يُصوِّتوا له بل لخصمه.

وبالتالي، هو يغفل أن فوزه في الانتخابات ما هو إلاّ فوزٌ دستوري قانوني، كآلية مُجرَّدة تحكم فوزه من خسارته، وليس فوزاً تفويضياً مؤزراً بالكامل في السياسة والاجتماع، بل حتى شرعيته، هي تصبح شرعية دستورية/ قانونية فقط، أما الشرعية الحقيقية، فهي مقسومة عليه، وعلى ثمان وأربعين في المئة ممن لم يُصوتوا له، فحقَّ لهم عليه أن يستمع إليهم، ويُشركهم في السلطة معه، فهم في نهاية الأمر، جزءٌ من الشرعية.

وربما وجدنا هذه النظرة الناقصة هي التي تسبَّبت في دخول إيران في أزمة سياسية خانقة، بعد تفرُّد أحمدي نجاد بالسلطة بشكل مطلق، دون أن يترك لمن لم يُصوتوا له أدنى فرصة، لأن يُشاركوه الحكم، فوقَعَ ما وَقَع من شرخٍ كبير في بُنيَة السلطة الإيرانية، والتي اعتبرها قائد الحرس الثوري، الأخطر على الإطلاق في تاريخ إيران ما بعد الثورة.

أمر آخر يجب الالتفات إليه، وهو أن الديمقراطية ليست صندوق انتخابات فقط، بل ممارسة حكم. كثيرون يأتون إلى السلطة عبر انتخابات لكنهم لا يحكمون تالياً بنفس الآلية التي أتوا من خلالها إلى السلطة، وأمامنا نماذج كثيرة على ذلك.

ما أود أن أقوله في هذه النقطة، أن التماثل ما بين الصندوق والحكم هو أمرٌ واجب وضروري لتسيير سلطة رشيدة، وهو ما لم نجده في حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وبالتحديد بعد الإعلان الدستوري.

لقد استطاع حكم الأخوان المسلمين في مصر أن يصل إلى السلطة ويستولي عليها، لكنه مع شديد الأسف، لم يستطع أن يصل إلى عقول وقلوب كثير من المصريين ويستولي عليها، وذلك بسبب عجزه عن تمثيلهم معه في الحكم، هذه هي أساس المشكلة في مصر وفي غيرها من بلدان العرب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3955 - الجمعة 05 يوليو 2013م الموافق 26 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:53 ص

      مصر هي أم الدنيا بوابة العروبة

      اغتيل قائد الأمة العربية جمال عبد الناصر مسموما ليحل محله من اغتاله ليبيع مصرا لأعدائها،ويتوارثها عميل السي آي إي دهرا اللذي كان ينوي توريثها لنجله،ولما انتفض عليه الشعب جئ بربيب الصهيونية في انتخابات تحرف رغبة ثوار مصر،فإما العودة إلى الحكم السابق في احمد شفيق،وإما بمن يدعون الاسلام,أريد لحرف الثورات عن مسارها خوفا من وصولها إلى تخومهم،فساندوا العملاء والخونة وحرضوا بالطائفية،دول خليجية صرفت جل مالها لدعم خونة الوطن بينما شعبها يرزح في فقر وتردي وعبودية،مصيرهم الفشل.

    • زائر 4 زائر 3 | 6:08 ص

      القومية هي الحل

      كي يستعيد الوطن العربي عافيتة لابد من قيادة الوطن العربي تحت قيادة عربية مؤمنة بالتيار القومي الديمقراطي الدي يظم في جناحية كل اطياف المجتمع من المسلمين والمسيحين وغيرهم من الاديان وهدا لايتحقق الابقيادة تيار قومي يظم هدة الفيسفاء وهدة القيادة اما من الناصرين الحقيقين او تيار حزب البعث العربي الاشتراكي اما الدينين فمكانهم الوعط والارشاد في الصلاة وامور الدين وتجربة مرسي مصر خير دليل رحم اللة جمال عبد الناصر وصدام حسين

    • زائر 1 | 3:09 ص

      الخطأ

      خطأ الأخوان أنهم لم يصبحوا إخوانا للمصريين

    • زائر 2 زائر 1 | 3:17 ص

      كلامك صحيح وأزيدك

      ولم يكونوا اخوانا للمسلمين همهم أنفسهم فقط

اقرأ ايضاً