العدد 3960 - الأربعاء 10 يوليو 2013م الموافق 01 رمضان 1434هـ

وجهٌ من الجزائر وثلاث ملاحظات

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فاطمة نسومر. أو توقيراً لها، تُنعَت بـ لالة (السيدة) كما هي في الأمازيغية. مَنْ سَمِعَ بهذا الاسم من قبل؟ بالتأكيد، كثيرون سَمِعُوا بها، باعتبارها وجهاً من وجوه المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي للجزائر (في بواكيره)، والذي دام قرناً واثنين وثلاثين سنة!

اليوم، الحادي عشر من يوليو/تموز، نستحضر اسم فاطمة نسومر كونه يُصادف، ذكرى نهاية الحملة الفرنسية العسكرية الشعواء، والمسماة بـ «حملة جرجرة» على منطقة القبائل بالجزائر، والتي اندلعت في العام 1857، بهدف إخماد الثورة هناك، حيث قتِلَ وجُرِح الآلاف، وأُسِرَت لالة فاطمة نسومر خلالها، كونها إحدى قيادات المقاومة الجزائرية.

وُلِدَت فاطمة، في العام 1830 وتوفيت في العام 1866. ما يعني، أن مشوار حياتها لا يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً. وعندما وقعت معركة جرجرة، التي كان قوام الجيش الفرنسي فيها خمسة وأربعين ألفاً، مقابل سبعة آلاف جزائري فقط، كان عمرها 27 عاماً فقط!

أنشأت الجزائر لهذه المرأة المناضلة تمثالاً في تيزي الجمعة، وأطلقت اسم «فاطمة نسومر» على واحدةٍ من بواخرها العملاقة، التي تنقل الغاز الجزائري، وذلك تخليداً لها، كونها رَسَمَت استقلال الجزائر «الأول»، بمقاومتها له، تاركةً حياتها الخاصة، وملذاتها كشابة.

هنا، حديثٌ لازم، والعالم الحر «بمعناه التحرري من نَيْر الاستعمار والوصاية» يُحيي الذكرى السادسة والخمسين بعد المئة، على معركة «جرجرة» الخالدة، وبطولات لالة فاطمة فيها. ضمن هذا الحديث، فإنه يلزمنا الإشارة إلى ثلاث ملاحظات، لها علاقة بالحدث والحديث.

الأولى: أن فاطمة، تنتمي إلى إحدى الطرق الدينية الصوفية، وهي الطريقة الرحمانية. وكان والدها (محمد بن عيسى) وهو صاحب زاوية (موضع عبادة وإيواء وإطعام الواردين والقاصدين عند المتصوفة) الشيخ سيدي أحمد أومزيان شيخ الطريقة الرحمانية.

وإنني إذ أذكر هذا قاصداً، رامياً إلى التنبيه، إلى حجم اتساع المشاركين في صياغة عالمنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. وما هذه المرأة (المتصوفة) إلاَّ نموذجاً حياً من أولئك المشاركين، ليُدحَض بذلك، الاختزال النرجسي الظالم، الذي يحصر كل شيء في ذواتٍ مُحددة، في الهوية، والانتماء الديني، والثقافي، وكأنه يعيد تكريس التمييز بشكل آخر.

عالمنا الذي نعيش فيه، لم يتأسس على اليهود فقط، ولا على المسيحيين فقط، ولا على المسلمين فقط، ولا على الصابئة فقط، ولا على الديانات الأخرى، ولا على مذاهبها ومدارسها فقط. فجميعهم، وضعوا لَبِنَة فيه، حتى أصبح بهذا الاتساع، وهذا التنوع.

في أحيان كثيرة، نشتم اليهودي، وننسى أن راشيل كوري يهودية. ونُكفر المسيحي، وننسى أن هناك ملايين العرب مسيحيون ويعيشون معنا. ثم يأتي المسلمون ليتشاتموا كل بمذهبه، دون أن يعلموا، أنهم جميعاً صنعوا للآخر ما لهم يصنعه هو لنفسه من خير. وحين تقرأ في ذلك من تاريخ المسلمين، يدفعك لأن تقتنع بأن كل المذاهب هي رافِدة.

الثانية: أن المناضلة الخالدة فاطمة نسومر، تنتمي إلى الشعوب الأمازيغية، الممتدة توزيعاً ديمغرافياً من «واحة سيوة المصرية شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً» كما جاء تاريخ هيرودوت.

هذا الأمر، له دلالة قوية، أصِلُها بسابقتها الأولى. فالأمازيغ، ينتسبون إلى هذه الأرض، حتى لو لم تزِد أعدادهم في الجزائر عن الثمانية ملايين، وفي المغرب عن الاثني عشر مليون نسمة، والبقية في عشر بلدان أخرى جلها في القارة الإفريقية، فضلاً عن دول أوروبا. وبالمناسبة، فإن شأنهم في تلك البلدان كبير، ولهم مواقع مهمة في تراثها وتاريخها.

ولكي نستوعب قِدَمَ هذه الشعوب، فقد أطلق عليهم المصريون القدماء، اسم المَشوش. وأطلق عليهم الإغريق والرومان المازيس. وأطلق عليهم العرب البربر كما جاء في المصادر التاريخية. لذا، فالقضية هي ذاتها، أن شعوباً أخرى ساهمت في تشييد حضارتنا، وتحررنا من الاستعمار، جميعهم ينتمون إلى الأكثريات والأقليات بالسواء.

الثالثة: أن فاطمة هي امرأة، وليست رجلاً يتغنى صباح مساء برجولته. وإذا ما فاقَ الكثيرون على هذا الأمر، فعليهم أن يستشعروا جيداً، أن كرامتهم، ونهضتهم، وشكل عالمهم، لا تُشكله فقط، قوة الصوت، ولا الذكورة، ولا العضلات الجسدية.

هناك كتلة بشرية عالمية من النساء لا تقل عن الرجال إلاَّ بسبعة وخمسين مليوناً. وقد أثبتت الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أنهم شركاء للرجال في كل شيء. وهم وإن لم يكونوا طرفاً مباشراً لصورة العالم الظاهرية، إلاَّ أنهم كُنه صُوَر باطنه.

قد نأسف حين نجد، أنه لا يوجد أزيد من أربعة عشر رئيسة ورئيسة للوزراء في العالم اليوم، ورئيسة لثلاث عشرة شركة من بين أكبر خمسمئة شركة في العالم فقط، لكن ذلك لا يُغيِّر من أن هذا العالم، قد حاك أعتى إمبراطورياته نساء «كاترين الكبرى مثالاً» .

في أحيان كثيرة، يُصاب المرء بالضجر، حين يرى أوضاع النساء في عالمنا العربي. نساءٌ عظيمات، يَعِشن حالة من القَدَرِيَّة المفروضة عليهن. نحن لا نتحدث عن أوضاعهن السياسية أو الاقتصادية، وإنما عن حياتهن الاجتماعية والخاصة، التي هي حق لهن.

ملاحظة أخيرة، وخاتِمة: أشير إليها لعلاقتها غير المباشرة بالموضوع. فاليوم، هو أيضاً يُصادف، قيام الأسطول الإنجليزي في العام 1882 بقصف الإسكندرية، حيث دمَّر قلاعها، وانسحاب أحمد عرابي بقواته إلى كفر الدوار. وهي مناسبة، لأن مصر، تعيش اليوم كَرْباً وألماً في السياسة والاجتماع. فإن هذه الحادثة، ربما تكون نقطة استذكار لهم، قد تعينهم على اللُحمة الوطنية، كما أعانت ذكرى لالة فاطمة الجزائريين على ذلك، عندما كانت أرض المليون شهيد تكابد نفسها في العشرية الحمراء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3960 - الأربعاء 10 يوليو 2013م الموافق 01 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:14 ص

      من قال ان النساء شركاء للرجال والصحيح انهم يرأسن الرجال..واليك الحكاية..

      يُحكى أنَّ أحدَ ملوكِ أثينا كانَ جالساً في حديقةِ قصرِه فرأى طفلَه الصغيرَ وهوَ يمرحُ ويلهو بلا حسيبٍ أوْ رقيب؛ فناداه وقالَ له: يا بنيَّ، هلْ تعلمُ أنَّك أنتَ مَنْ يحكمُ العالم؟! فتعجَّبَ الطفلُ وظنَّ والدَه يمازحه فأرادَ مجاراتَه في المزاحِ قائلاً: وكيفَ يا والدي أحكمُ أنا العالم؟! فأجابَ الأبُ بكلِّ جدِّيةٍ ووضوح: اليونانُ تحكمُ العالم، وأثينا تحكمُ اليونان، وأنا أحكمُ أثينا، وأمُّك تحكمني، وأنتَ تحكمُ أمَّك، فأنتَ يا صغيري مَنْ يحكمُ العالم!..

    • زائر 2 | 3:59 ص

      مقال يستحق القراءة

      شكرا ..أ. محمد أجمع عند قراءتي مقالاتك بين المتعة بأسلوبك الأدبي الجميل و الفائدة

    • زائر 1 | 3:00 ص

      تذكروا تصريحها

      ذكرني هذا بتصريح رئيسة وزراء استراليا عندما خاطبت المتشددين بالقول: تشتموننا وتكفروننا ثم تأتون لتعيشوا عندنا للحصول على حياة وحرية وتأمين أفضل! هذا حال المتطرفين الي يكفرون المسيحيين والشيعة والصوفية وووووو

اقرأ ايضاً