العدد 3966 - الثلثاء 16 يوليو 2013م الموافق 07 رمضان 1434هـ

«إخوان مصر» والفرصة الضائعة

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منذ وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في أكثر من دولة عربية، كانت الأفكار تراودني بِشأن قدرتهم على بلورة وإدارة مشروع وطني وإسلامي رائد وجامع يقدّم البديل لما هو موجود في المنطقة. إلا أنني تردّدت في الكتابة لأسباب عدة أهمها اختلاط الشك باليقين. والآن وبعد انكشاف الصورة وجدت من المناسب البحث في مسببات هذا الفشل على ضوء التطورات الخطيرة التي تمر بها مصر، والتي يجب أن تكون درساً تتعلم منه جميع الأحزاب السياسية في منطقتنا وليس الأخوان المسلمين وحدهم.

يمكن لأي مراقب استعراض أسباب متعددة لإخفاق اخوان مصر في أول امتحان لهم في السلطة، إلا أننا سنكتفي في هذا المقال بإلقاء الضوء على عوامل نبرزها في المحاور الآتية.

أولاً: المحور الداخلي: لم يكشف إخوان مصر منذ وصولهم إلى السلطة عن استراتيجية وتطبيقات لمشروع وطني وإسلامي جامع وواضح المعالم يضعهم في موقع الريادة والقيادة، ويوحّد خلفهم جميع مكونات الشعب المصري ومن خلفه جموع الأمة العربية والاسلامية. فقد انشغلوا بالعمل على تثبيت سلطة الحزب على غرار الأحزاب الشمولية التي تهدف إلى الانفراد بالسلطة بشكل دائم. وفي الوقت الذي كان يتحدث فيه الرئيس التنفيذي محمد مرسي عن وحدة شعب مصر، أخذ يصيغ تحالفاته مع جماعات تكفيرية في وقت تتعرض فيه بعض مكونات الشعب للإقصاء والتهميش والإلغاء في مفارقة مكيافيلية لا تليق بفكر إسلامي. وفي الوقت الذي كان يتحدث فيه الرئيس عن الديمقراطية كان الحزب يطبق على أرض الواقع سياسة المرشد والولي في محاكاة لدولة الخلافة المغايرة للنهج الديمقراطي الذي أوصلهم إلى سدة الحكم. فقام بتغيير الدستور مانحاً لنفسه صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة، مخالفاً بذلك مبدأ فصل السلطات. حينها تنبهت غالبية المصريين إلى هذه النزعة الانفرادية الضيقة، وأدركوا أن ثورتهم ومشروعهم الوطني لم يكتملا بعد.

وعلى المستوى الاقتصادي لم يبلور الأخوان سياسة اقتصادية تعتمد على الذات وتستثمر جميع طاقات الشعب المصري بغض النظر عن أي انتماء فكري أو ايدلوجي، وذلك على غرار التجربة الأردوغانية. ونظراً لخبرتهم المحدودة في إدارة الدولة وغلبة التوجه الأيدلوجي فشلوا في استقطاب الخبرات الليبرالية والتكنوقراط، ما فاقم من أزمة مصر الاقتصادية التي باتت رهينة للمساعدات الخارجية والإدارة البيروقراطية المترهلة.

ثانياً: المحور الخارجي: على مستوى السياسة الخارجية اعتقد الأخوان أن وصولهم واستمرارهم في السلطة يعتمد على تحالفات سرية نسجوها مع قوى خارجية. وقد انعكس ذلك في سياسة النفاق والتقية التي تبنوها حيال القضية الفلسطينية حيث الخيوط الممتدة والغزل مع الكيان الاسرائيلي في محاكاةٍ لسياسة أردوغان في تركيا، متجاهلين تماماً أن ما بين مصر والعدو الاسرائيلي يختلف تماماً عن ما هو قائم بين تركيا والصديق الاسرائيلي.

لقد راهن الأخوان على دعم الخارج لتثبيت حكمهم في الداخل وتعزيز انتشارهم في الدول العربية، لكي يصبحوا القوّة الوارثة للنفوذ الذي يمكن للقوى العالمية المهيمنة الاعتماد عليها. وبسبب هذه السياسة الساذجة تكالبت عليهم القوى الإقليمية التي أدركت خطر الأخوان في مزاحمتهم لها، فسارعت لتقديم دعمٍ مالي سخي لورثة الأخوان بعد إزاحتهم عن السلطة.

لقد فشل الأخوان في استعادة دور مصر الريادي في الجامعة العربية وفي علاقاتها مع دول حوض النيل الأفريقية، وأقدموا على قطع علاقة مصر بسورية، ما أضعف دورها في إدارة الأزمة بنفس الطريقة التي توعدوا فيها بزجّ مصر في حرب مع أثيوبيا، ما يعني التقويض الكامل للعلاقات المصرية الأفريقية.

لقد ذهب الأخوان وأضاعوا فرصةً ذهبيةً في بلورة مشروع إسلامي جامع يعيد للعرب والمسلمين قوتهم ووحدتهم، ولكنهم لم يستوعبوا الدرس على ما يبدو. وعوضاً عن استيعاب الصدمة وتقييم الأداء وتصحيح المسار غرر بهم للميل نحو العنف لاستعادة ما فقدوه. وبهذه السياسة فإنهم يعرضون مصر إلى أخطار جسيمة تهدّد وحدتها وتجلب لها الخراب الذي يضرب بمعاوله الشعب السوري في الوقت الحاضر.

إن انعكاسات سياسة الأخوان هذه في مصر ستكون وبالاً على الأمة العربية وعلى أحزاب الأخوان المسلمين في المنطقة. فهل يستوعبون الدرس ويعيدوا صياغة سياساتهم بصورة جوهرية؟ هذا ما ستكشف عنه تطورات الأحداث في مصر في الأيام القادمة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3966 - الثلثاء 16 يوليو 2013م الموافق 07 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:00 ص

      العالم افتك منهم

      حزب فاشي طائفي شمولي ...طبعا لا يصلح للحياة بل منهية صلاحيته فكيف تريد الحزب هذا ينجح وبعنوان الحكم الاسلامي...هذا الاسلام القشري السلطوي ولى ولن يرجع لان الشعوب العربية والاسلامية تدرك جوهر الاسلام فلا تنخدع بعد يومنا هذا بالشعارات الفارغة.

اقرأ ايضاً