العدد 3969 - الجمعة 19 يوليو 2013م الموافق 10 رمضان 1434هـ

ضع نفسك مكان الآخرين لتفهم مشاعرهم

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في إحدى البلدان وضع بائعٌ لافتةً على واجهة محله مكتوب عليها: «جراءٌ بيضاء للبيع»، وبالطبع فإن مثل هذه الإعلانات كانت كفيلةً بأن تدفع الأطفال في تلك المدينة للتوقف أمام المحل رغبة في شراء جرو يلهون معه، ويشاركهم لعبهم وركضهم في الحارات والمزارع القريبة.

وبالفعل توقف أحد الأطفال بالقرب من المحل سائلاً البائع: بكم تبيع الجرو الواحد؟ فأجاب: تتفاوت أسعارهم بين 30-50 دولاراً، فوضع الطفل يده في جيبه وأخرج نقوده، قائلاً للبائع: لا أملك غير هذين الدولارين، فهل تسمح لي برؤية الجراء؟ ابتسم الرجل وصفّر بفمه فخرج من الداخل كلبٌ خلفه أربعة جراء، آخرهم جروٌ أعرج.

انتبه الطفل إلى الكلب الأعرج، فسأل البائع عمّا أصابه، فقال له: أخذت هذا الجرو إلى الطبيب البيطري، وأكّد لي أنه سيبقى أعرجاً ما حيا، فطلب الطفل من البائع أن يبيعه هذا الجرو، لكن البائع أخبره أن هذا الجرو ليس للبيع، وأن بإمكانه أخذه مجاناً، لأن أحداً لن يشتريه بسبب إعاقته، ولا يمكن الاستفادة منه، ولن ينفعه بالركض والقفز كبقية الجراء، وشراؤه مجرد مضيعة للنقود.

انزعج الطفل كثيراً، وأصرّ على شراء الجرو على الرغم من نصح البائع له، قائلاً: سأشتري هذا الجرو بنفس الثمن، وسأعطيك في كل شهر دولاراً واحداً ليتساوى هذا الجرو ببقية الجراء. وهنا رفع الطفل بنطاله ليكشف عن رجله الخشبية المثبّتة بالأحزمة الجلدية، التي كانت الملابس تغطيها، وقال للبائع: انظر يا سيدي، أنا أيضاً أعاني من إعاقةٍ في رجلي ولا أستطيع الركض، وسأشتري هذا الجرو لأنه بحاجةٍ لمن يفهم إعاقته!

هكذا هي الحياة، لا تستقيم ولا تحلو إلا إذا أحسّ كل منا بالآخر، ووضع نفسه في مكانه، وشعر بمعاناته قبل أفراحه؛ فأحياناً لا يكون المرء قادراً على البوح بمعاناته، أما لكونه يعتبر البوح ضعفاً، أو خوفاً من تحميل الآخرين مزيداً من الأذى والتعب.

وفي أحايين كثيرة نحن من نجهل ما يعانيه الآخر لأننا لم نفكّر في الاقتراب منه؛ فبائع المناديل الصغير الذي آثر أن يساعد أسرته من خلال عمله في البرد والحر، لا يعدو أكثر من كونه طفلاً مررنا به صدفةً في كثير من الأوقات.

وتلك المرأة التي تجلس بالقرب من أحد المجمعات التجارية في العاصمة، وتضع أمامها بضاعتها القليلة المكونة من بعض علب المناديل والقطن لا نراها إلا امرأةً مكافحةً، وأحياناً مسكينة قسا عليها الزمن، أو ربما أهلها، فاضطرت للبقاء خارجاً في ظروف أجوائنا القاسية.

والرجل الذي يجلس وحيداً على طاولته المعتادة في أحد المقاهي ليس سوى وجه اعتدنا رؤيته كلما زرنا ذاك المقهى بصحبة الأصدقاء أو الأقارب.

والكاتب الذي ينزف قصصاً، والشاعر الذي يكتب بنبضه ودم قلبه مجرد مبدعَين يكتبان لنستمتع أو نستفيد.

هكذا نرى الناس من حولنا. نراهم كما توحي لنا مظاهرهم فقط من غير الانتباه إلى أن حياتهم قد تكون مليئةً بالمصاعب والمتاعب والجراح.

لو أننا وضعنا أنفسنا مكان صديقٍ يعاني، أو أمٍ تُهان، أو ابنٍ يضرب، أو فقيرٍ لا يملك قوت يومه، لازداد الودّ والتفاهم بيننا، ولاستطعنا تجاوز المحن التي تعصف بنا، وبالتالي بمجتمعاتنا.

لو أننا وضعنا أنفسنا مكان أولئك الذين نؤذيهم بكلمة أو سلوك، بقصدٍ أم من غير قصد، لما فعلنا ولما قلنا، ولما ارتكبنا الحماقات في حقهم.

لو أننا نكون للآخرين كما نتمنى أن يكونوا لنا، لبتنا وقلوبنا أكثر سعادةً وصفاءً ونقاء.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3969 - الجمعة 19 يوليو 2013م الموافق 10 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 2:18 ص

      ابو يوسف امير الربيعي

      اشكرك لانك تهتمين بالبناء الاخلاقي والنفسي والعاطفي والقيمي للانسان دمت للعطاء

    • زائر 15 | 1:48 م

      God bless

      Nice article

    • زائر 14 | 10:43 ص

      مقال رائع ؟؟؟

      مقال رائع في زمن احتلت السياسة فيه كل شي . بومريم

    • زائر 13 | 6:08 ص

      قلم راقي

      مقال رائع يلامس الواقع المرير ولكنه يساعد كثيرا على فهم الكثير من الحالات اللتي هي حولنا ولا نحس بها. شكرا لك ووفقك الله

    • زائر 12 | 4:14 ص

      مقال اكثر من رائع

      شكرا للكاتبه الفاضله .. لعل المثل القائل ما اسهل الحرب عند الناظرين يعبر عن هذه اللفته الذكيه او كما يقال اللي ايده في الماي مو نفس اللي ايده في النار .. شكرا لكم

    • زائر 10 | 4:04 ص

      جزاك الله خير

      تفهم الأخرين ضرورة لتعايش الناس في مجتمع واحد يحتضن الكل وليس هذا أو ذاك,
      شكرا لك وجزاك الله خيرا على سعيك.

    • زائر 9 | 4:03 ص

      وايد مهم ان احنا نكون مثلما نبي غيرنا يكون

      شكرا استاذة تنفسنا شوي بعيد عن السياسة الله يحفظج

    • زائر 8 | 3:04 ص

      انعدم الإحساس

      مقال رائع بس حق الي عنده احساس
      للأسف الحين انعدم الأحساس من فئه من الناس والحكومة اولهم

    • زائر 7 | 3:00 ص

      من الحقوق العين حق .. فكما اللسان يجرح العين كذلك جارحه

      من ما قالوه من المشاكل الغير متعصبه لكنها مستعصيه على البشريه منها الحسد. فيقال لو ما الحسد ما مات أحد. قد لا يلام الحسود أو الحقود أو من لا يتمنى الخير الى الغير، فيصعب عليه أن يضع نفسه مكان الآخر، لأنه متى ما كان مكان الآخر سيدمر نفسه بنفسه سريع وإذا لم يضع نفسه سيدمر نفسه ببطيء. حالة من الحالات المرضيه للحساد لا تعرف أنها من الفواحش التى لا تظهر الا بفعل الحسد الذي يصيب الآخرين. فالحسود قد لا يعرف أو قد يعر لكن إيسوي نفسه ما يدري .. فهل هي ضعف نفس أم ثلت حياء وقزاحة عين نظر وتصيب ولا تخيب؟

    • زائر 6 | 2:32 ص

      مع أني ضد المقالات التي تحلل الأوضاع بالعاطفة

      إلا اًن المقال رائع

    • زائر 5 | 2:31 ص

      فعلا مقال مفيد

      هم قليلون الذين يهتمون لامور الاخرين صحيح احيانا قساوة الحياة تجعلنا نغفل عن هذه الامور ولكن هذا ليس مبرر لكي لا نهتم للاخرين او نضع انفسنا مكانهم.

    • زائر 4 | 2:29 ص

      إغتنموا فرص الخير فإنها تمر كمر السحاب..

      يقال من التقوى أن تتقي شر من أحسنت اليه بزيادة الاحسان اليه.. فأحسنت رحم الله واليديك قد تسمعينها رغم أن بعض الناس قام بعمل أوفعل أذى أو أضر بالاخر، إلا أن الآخر رد بعكس ما يعكس صورة قانون نيوتن الثالث وردة الفعل كانت ليس بمثل ما أوذيتم ,إنما بأحسن منها .. فهل تجدي أخلاق شعب أحسن ويتبعونها برحمة والديين؟؟؟ .. وين ممكن ياترى تلاحظين طبع في ناس من على هذه الدنيا لا زالت فيهم من هذه النوعيات ولا نقول قليلون ولكن ...!!

    • زائر 11 زائر 4 | 4:05 ص

      انت محشش خوك؟ وش هالردود؟

      غربال

    • زائر 3 | 2:22 ص

      تسلمين

      تسلمين على المقال الله يشافي كل مريض

    • زائر 2 | 11:44 م

      تحتاج لقلوب نظيفة

      وليست ضمائر رقصت على سفك الدماء ووضعت المشانق ووزعت الصور لللإيقاع بأصحابها من فصل وتشريد ومحاكمات وسجون تبا لهاتيك القلوب القاسية.

    • زائر 1 | 10:08 م

      باركك الله

      يوفقك الله فى نشر ثقافة فهم الآخرين و كتبت من عمق الإحساس. شكرا.

اقرأ ايضاً