العدد 3974 - الأربعاء 24 يوليو 2013م الموافق 15 رمضان 1434هـ

الملك: أبواب التعبير عن الرأي بالطرق القانونية مفتوحة للجميع

دعا إلى تعميق اللحمة الوطنية والمحافظة على أمن الوطن

قال عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، خلال مأدبة افطار اقامها امس الاربعاء (24 يوليو/ تموز 2013) بحضور ولي العهد نائب القائد الاعلى النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة. كما كان ضمن الحضور ممثلو الجمعيات المشاركة في حوار التوافق الوطني: «إن أبواب التعبير عن الرأي بالطرق القانونية مفتوحة للجميع». ودعا جلالته جميع أبناء الشعب من أصحاب الرأي، والعلماء والمثقفين، والصحافيين والكتاب، والإعلاميين والسياسيين، وخطباء المنابر، إلى ضرورة اعتماد خطاب وسطيٍّ توحيدي معتدل، وتعميق اللحمة الوطنية، والمحافظة على أمن الوطن واستقراره، واتباع نهج الحوار الحضاري، ورفض كل ما من شأنه احداث الفرقة والخصام بين أبناء الوطن الواحد، والبُعد عن كل تطرف ومغالاة، والمطالبة بالإصلاح والتطوير عبر القنوات الدستورية المشروعة... وهنا نص كلمة جلالة الملك:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين،،

أصحاب السمو، أيها الإخوة،،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،

أهنئكم تهنئة قلبية صادقة بهذه الأيام المباركة، في هذا الشهر الكريم، وما يحمله من بشائر الرحمة والمغفرة وجزيل الثواب، أعاده الله على الجميع بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى. وأعاننا جميعاً على صيامه وقيامه، وعمل الخير فيه، كما يسرني أن أتقدم بالشكر والتقدير للأستاذ الدكتور محمد الروكي رئيس جامعة القرويين على محاضرته القيمة التي تحدث فيها عن، (الوسطية حصانة ضد الطائفية)، فجزاه الله تعالى خيراً على ما يبذله مع إخوانه العلماء والدعاة والمصلحين من نصح وإرشاد وتوجيه للمسلمين. كما ونشكر الدكتور عبدالرحمن عبدالوافي على قصيدته وما تحمله من مشاعر تجاهنا وتجاه بلدنا العزيز.

أيها الإخوة الأعزاء،

إن الله تعالى دعانا إلى الوحدة والاعتصام بحبله، فقال: «وَاْعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيْعَاً وَلا تَفَرَّقُوا»، وحذَّرَنا سبحانه عن الفرقة واختلاف القلوب فقال: «وَلا تَكُوْنُوْاْ كَاْلَّذِيْنَ تَفَرَّقُوْاَ وَاْخْتَلَفُوْاْ مِنْ بَعْدِ مَاْ جَآءَهُمْ البَيِّنَات».

ونحن نعيش نفحات وبركات هذا الشهر الكريم، ينبغي علينا جميعاً أن نحرص في هذا الوطن العزيز على وحدة الكلمة، ورَصِّ الصفوف، والتكاتف والتآخي والمحبة والانسجام، والمحافظة على الأصول الدينية والثوابت الوطنية، والتلاحم الصادق بين أبناء شعبنا الوفي على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم.

ولاشك؛ فإن هذه الدعوة ستعمق روح الأسرة الواحدة، وستعزز مسيرتنا الإصلاحية، ومكتسباتنا الوطنية التي حققناها وأنجزناها معاً خلال العقد المنصرم.

إننا ندعو جميع أبناء شعبنا في هذا الشهر الكريم، من أصحاب الرأي، والعلماء والمثقفين، والصحافيين والكتاب، والإعلاميين والسياسيين، وخطباء المنابر... ندعوهم جميعاً إلى ضرورة اعتماد خطاب وسطيٍّ توحيدي معتدل، والتركيز على فضائل التسامح، وقيم الإخاء، وغرس مفاهيم المحبة، والتراحم في النفوس، وتعميق اللحمة الوطنية، والمحافظة على أمن الوطن واستقراره، واتباع نهج الحوار الحضاري، والانفتاح الثقافي، ورفض كل ما من شأنه احداث الفرقة والخصام بين أبناء الوطن الواحد، والبُعد عن كل تطرف ومغالاة، والمطالبة بالإصلاح والتطوير عبر القنوات الدستورية المشروعة، وعن طريق الحوار الذي دعونا له وباركناه، فإن أبواب التعبير عن الرأي بالطرق القانونية مفتوحة للجميع.

ختاماً نسأل الله تعالى، أن يتقبل منا ومنكم، الصيام والقيام، وصالح الأعمال، في هذا الشهر الكريم، وأن يوفقنا وإياكم، لخدمة ديننا ووطننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يحفظ مملكتنا، ويُديم علينا نعمة الأمن والأمان والسلام، إنه سميع مجيب الدعاء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد ألا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأقام عاهل البلاد جلالة الملك مأدبة إفطار في قصر الروضة مساء يوم امس (الاربعاء) بحضور ولي العهد نائب القائد الاعلى النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد آل خليفة. كما حضر المأدبة اصحاب السمو وكبار افراد العائلة المالكة الكريمة ورئيسا مجلسي النواب والشورى واصحاب الفضيلة العلماء ورجال الدين والمشايخ والوزراء ونواب رئيسي مجلسي النواب والشورى واعضاء المجلس الاعلى للقضاء والمحافظون وممثلو الجمعيات المشاركة في حوار التوافق الوطني.

كلمة رئيس جامعة القرويين

وقد بدأ الحفل بتلاوة آي من الذكر الحكيم، ثم القى عضو المجلس العلمي الاعلى رئيس جامعة القرويين بالمملكة المغربية الشقيقة محمد الروكي كلمة جاء فيها: «إنها لسنة حميدة ومنقبة مجيدة، هذه الدروس العلمية، والمجالس الرمضانية الربانية، التي تشرف عليها جلالتكم، وتنفعون بها الناس في مشارق الأرض ومغاربها. وتسهمون بها في تنوير الفكر، وترشيد العقل، وبناء القيم، وإنهاض الهمم، والدفع بها إلى التي هي أقوم».

وقال، في كلمة موضوعها «الوسطية مصانة ضد الطائفية»، انه «موضوع يتناسق مع واقع الأمة العربية الإسلامية اليوم، وما تعيشه من تشويشات بسبب ما يتسرب إلى بعض أبنائها من أفكار الغلو، وثقافة التطرف، التي غالبا ما يمليها الإيغال في مستنقع الطائفية، والبعد عن الوسط العدل الذي جاءت به شريعة الاسلام».

واضاف ان الوسطية خصيصة من خصائص الأمة الإسلامية المحمدية، فقد بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدها غاية في التمزق والتصدع، قد أكلتها الطائفية، وأفنتها القبلية، فبناها من جديد بناءً محكما قويا، بناها بدين الله عز وجل وكتابه المحكم، الموحد الجامع، وشريعته الغراء التي قوامها الوسطية والاعتدال، والشمولية والاكتمال كما هو مقرر في القرآن الكريم، ومفصل في السنة النبوية الشريفة.

وبين ان الطائفية تعني فيما تعنيه الانغلاق على الرأي وعدم الانفتاح على الآخر، والتقوقع على الذات، وعدم مراعاة الغير، وهي بذلك آفة عظمى، وفتنة كبرى، لأن الآراء والمعتقدات لا تعرف قيمتها، ولا يدرك صوابها، أو خطأها، ومصلحتها أو مفسدتها، ومنفعتها أو مضرتها، إلا بعرضها على الغير للتقويم و التمحيص، فإذا بقي صاحب الرأي حبيس رأيه، منغلقا عليه، حيل بينه وبين أن يعرف هل هو مصيب أو مخطئ، مصلح أو مفسد، نافع أو مضر، ولفظ الطائفية مصدر أصطناعي مأخوذ من الطائفة، وهي الجماعة من الناس، وغيرهم قلت أو كثرت، وقد تطلق على الواحد. ثم استعملت للدلالة على معتقدات طائفة معينة وأفكارها وآرائها التي لا تقبل غيرها، فهي منغلقة عليها، ترى أنها الحق، وأن ما سواها باطل، لا تحاور ولا تحاَوَر، ولا تأخذ ولا تعطي، فهي لا تنظر إلا إلى ما عندها، ولا تقف من الأمور إلا على أطرافها، فتغيب عنها أطرافها الأخرى وأوساطها، ويفوتها بذلك خير كثير، وبذلك فهي عكس الوسطية التي تعني الاعتدال والتوازن وأخذ الأمور من أوساطها، كما تعني أيضا البعد عن الغلو والشطط وأخذ الأمور من حواشيها وأطرافها».

واشار الى ان الوسطية هي التوسط في كل شيء بين الافراط والتفريط، فهي توسط بين الماديات والروحيات، وبين الواقعية والمثالية، وبين الفردانية والجماعية، وبين الدينيات والدنيويات، وبين الذاتيات والموضوعيات، وبين المشخصات والمجردات... وهكذا فهي توسط بين كل طرفين متناقضين أو متضادين أو متقابلين نوعا من التقابل.

ونوه الى ان من تتبع الطائفية وتاريخها ومفاسدها ومضارها وفتنها في الامم والمجتمعات وتتبع الوسطية ومصالحها وأثرها في البناء الراشد وتصحيح مسار الحياة، والدفع بالناس إلى التي هي أرشد وأقوم، وأسد، وأحكم، من تتبع ذلك، وجد أن الطائفية داء، وان الوسطية دواء وشفاء، ولذلك لم تكن الأمة الإسلامية عزيزة قوية متماسكة إلا حينما انتشر فيها الفكر الوسطي وصرف فيها طرقه ومسالكه، ولم تستطع أن تبني حضارتها الراشدة الرائدة، إلا حينما كانت ثقافة الوسطية فيها سائدة.

وواصل بالقول ان الوسطية حصانة من الطائفية، وجُنة واقية من ضرباتها الفتاكة، وحماية من فتنها المهلكة، وقديما قال الشاعر وهو يتغنى بالوسطية الحامية الواقية وأن الجماعة والقبيلة تقوى بها وتتماسك وتصمد أمام الحوادث الصادمة، وأن الطائفية تضعف أمام ذلك ولا تقدر على الثبات والمواجهة. لأن موقع الطرفية أدعى إلى السقوط وان موقع الوسطية محمي من ذلك، قال في هذا المعنى: كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت/ بها الحوادث حتى أصبحت طرفا؛ فالأخذ بالوسط يحمي من آفة التطرف، إذ الواقع في الوسط يرى موقعه وموقع الطرفين، أما الواقع في أحد الطرفين فلا يرى إلا موقعه ولا يرى موقع الطرف الآخر ولا الوسط.

واسترسل: إنما كانت الوسطية حصانة وحماية من الطائفية لما تمتلكه من أسباب هذه الحماية والحصانة ومقوماتها التي ليس لعاقل أن ينازع فيها، ومنها:

أولاً: أن الوسطية هي الوضع الطبيعي لهذه الأمة وأنها خصيصتها التي اختارها الله لها «وربك يخلق ما يشاء ويختار»، فقد أخبر الله عز وجل عن هذه الأمة أنها أمة وسط، فقال سبحانه وتعالى في معرض الحديث عن القبلة ودروسها البالغة «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»، هذا هو اختيار الله لهذه الأمة به جرت مشيئته، وتمت إرادته، واقتضت حكمته، أن تكون هذه الأمة أمة وسطا.

فالأمة الإسلامية المحمدية - إذاً - هي أمة الوسطية ولم يعل شأنها إلا بالوسطية، ولم يرتفع قدرها إلا بالوسطية والوسطية مصدر اصطناعي مأخوذ من الوسط، وهو اللفظ الذي ورد في الآية السابقة (أمة وسطا) ووسط الشيء في عالم المحسوسات هو مركزه وقطبه، ثم استعير لكل خصلة محمودة لتوسطها بين الإفراط والتفريط لأن كل شيء له طرفان وواسطة، كالجود هو وسط بين الإسراف والبخل، والشجاعة هي وسط بين التهور والجبن، وهكذا.

وفُسر الوسط في الآية الكريمة بالخيار والعدل، «وكذلك جعلناكم أمة وسطا»، أي خيارًا عدولًا.

ثانيا: الاستيعاب والجامعية فالإسلام بوسطيته العقدية والعبادية والتشريعية والخلقية يمتلك القدرة على استيعاب الآخرين اشخاصاً وافكارا ومذاهب ومناهج مادامت لا تدعو الى المفاسد وهدم الثوابت وهو باحكامه ومقاصده ومكارمه جامع واسع تتعايش في رحابه مختلف الانساق والمنظومات الفكرية المتعقلة، وتتلاقى في ظلاله الوارفة متعدد وجهات النظر وانماط المعارف البشرية السليمة نحو ملتقى الحضارات ومجمع الثقافات.

وقد ادى حضرة صاحب الجلالة العاهل والحضور صلاة المغرب جماعة.

عاهل البلاد: المطالبة بالإصلاح والتطوير عبر القنوات الدستورية المشروعة - بنا
عاهل البلاد: المطالبة بالإصلاح والتطوير عبر القنوات الدستورية المشروعة - بنا

العدد 3974 - الأربعاء 24 يوليو 2013م الموافق 15 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً