العدد 3974 - الأربعاء 24 يوليو 2013م الموافق 15 رمضان 1434هـ

حين تطاير الأشلاء الصائمة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

والعراق ينزف، آثرَ البعض على تسلية نفسه بالشديد على الأشَد. يقولون: قُتِلَ خمسمئة عراقي في شهر واحد! «لكن هذا العدد، مازال أقلَّ بكثير من قتلى شهور عامي 2006م و 2007، عندما كان عدد قتلى الهجمات يتجاوز الثلاثة آلاف قتيل في الشهر»!

هكذا يقولون! يا لِلهَول! بات الأمر وكأنه تخديرٌ ساذج للمكلُومِيْن، على أن الأسوأ لم يأتهم بعد، فليصبروا على هذا المقدار، بدل أن يأتيهم (كما أتاهم من قبل) ما هو أفجع منه! لكن الحقيقة هي أنه تخييرٌ بين الموت الصامت أو المُدوِّي! بين أن تموت كآدمي، أو كمن يُمثَّل به ويُحرَق! لا مكان للحياة أو الأمل مُطلقاً.

كَتَبَت إحدى الزميلات مرةً تقول عن مأساة أحد البلدان، وعن الضحايا الذين يسقطون في بحر أربعة أيام فقط، فضلاً عن الفارين، ثم قفلته بهذه العبارة: عالَمٌ كالح تحوَّل فيه الإنسان إلى رقم! قلتُ لها: أن نكون أرقاماً فهذه ضريبة العدالة الغائبة، إلاَّ أن ما يريح النفس هو أن الوجود أكثر بكثير من التواجد كما قال فوربس. لكن السؤال الذي يبقى قائماً بالنسبة لي، والذي لا يبعث على الراحة أبداً هو: لماذا يموتُ «التواجد البريء» ويبقى «التواجد المذنب»؟

لماذا يدفع المدنيون والكَسَبَة والباعة، أثماناً لا يدفعها حيتان السياسة والمال، والشَّرِهون للدم من القَتَلَة والمجرمين؟

عندما هَزَّت خمسة انفجارات إرهابية دموية بسيارات مُلَغَّمة أحياءً في بغداد، وقُتِلَ ثلاثون عراقياً، في العشرين من الشهر الجاري، وأصيب أضعاف ذلك العدد، قال شاهِد عيان لـ «رويترز»: «كنتُ أقِفُ أمام متجري مع أصدقائي عندما رأينا سيارة واقفة أثارت شكوكنا. نادينا على السائق لكن لم يَرُد أحد علينا. وبعد دقائق انفجرت السيارة وحطمت واجهات المحال التجارية وألقت بالمارة كالدُّمى. وكل ما رأيته أمامي نار ودخان وجثث ومصابون يصرخون طلباً للمساعدة».

هذا هو العراق اليوم! إن لَمْ تكن ضحية فيه، فأنتَ قريبٌ بالدَّم أو الروح لضحاياه. أو أن تكون مجرَّد شاهدٍ على الحدث. أو جريح فيه. أو مُستعلِم عنه. أو مُستنكرٍ له. أو غاضب عليه. أو متبرئ منه. لكن، أين الفاعل لذلك الحدث؟ وأينَ المدبِّر له؟ لا أحد! شَبَحٌ وهمي! يضربُ ويتوارى وكأنه يفعل ذلك في ظلام دامِس، لا يرى المرء فيه حتى أصابع يديه. هل العقل، قادرٌ على أن يستطعم هذا؟! إنه خلاف المنطق، أو أنَّ العراقيين، يعيشون وَسَطَ بلَدٍ مسكون بالعفاريت!

الجميع بات يُدرك، بأن هناك ثلاثة سفَّاحين، مشهودٌ عليهم الجرم، ومسئولون عن الدَّم المسفوح بغزارة في بلاد الرافدَيْن. السَّفاحُ الأول، هم دولٌ، لا تريد للعراق، إلاَّ أن يكون ماخوراً للإرهاب، لكي يبقى ضعيفاً هَشَّاً لا يلوي على شي، ولكي يبقى واهِن العظم، فلا يكون ملجأً بل لاجئاً، يطلب العون والإسناد، ويرتجي الدعم. وحين يكون كذلك، لا يتحوَّل إلى لاعِبٍ، لا في الطاقة، ولا في السياسة، ولا في الثقافة، ولا في العمق الاستراتيجي. بالتأكيد، لا يهمُّ تلك الدول، إنْ وصلَ عدد الضحايا في العراق إلى ألفٍ أو ألفين، أو حتى مليون شهيد في الشهر، فالغاية عندهم تبقى مُبرراً!

السَّفاحُ الثاني هم الفاسدون في الدولة العراقية، التي بنى قوامها الاحتلال الأميركي. فاسدون يتلمَّظون اللحم البشري، على أثير المال. ليس لديهم مشكلة، أن يركنوا سيارة مكنوزة بالمتفجرات الناسفة وسط سوق شعبي، أو بجانب بيتٍ من بيوت الله، وهم على رأس أعمالهم السياسية أو الأمنية، ما دام المال قد رُمِيَ في أحضانهم! فحقُّ الناس في العيش يُمكن أن يباع ويُشتَرَى بالمثاقيل، ذهباً كانت أم فِضَّة، بل وفي أحيان أخرى أدنى من ذلك بكثير! كيف تجتاز سيارة مُفخخة، عدداً متوالياً من الحواجز الأمنية، وتسير بكل طمأنينة، وتُركَن بالكيفية والمكان الذي تختاره هي؟ هل يُعقل هذا؟ إنها مأساة! مأساة الغريزة الفاسدة عند هؤلاء وأضرابهم.

السَّفاح الثالث، هم الظلاميون، الذين «لا يَرقُبُونَ في مُؤمنٍ إِلاً ولا ذِمَّةً وأولئك هُمُ المعتَدُون». عَدَمِيُّون، لا هَمَّ لهم، إن يَتَّموا طفلاً، أو رَمَّلوا امرأة، أو أثكلوها بولدها، ما دامت غرائزهم الطائفية لا ترتوي إلاَّ بذبح أولئك الأبرياء! وفي أحيان كثيرة، ترى ثغورهم وقد انداحَ البَسْم فيها طرباً لمشاهد القتل، وانسكاب الدماء! بل إنهم لا يرونَ سوأة حين يعاقرون الخمر، وهم يتراقصون على أجساد الجرحى، ويتنادَوْن، وكأنهم في حفلة زارٍ أو مجونٍ فاجرة! أَفَهَل يستحق هؤلاء، لقب الحيوانية، فضلاً عن الإنسانية! هؤلاء، هم الإثم الجوَّال اليوم في العراق، يتزنَّرون بأحزمة ناسفة، أو يلاحقون ضحاياهم بكواتم صوتية، حتى إذا ما ظفروا بجماعةٍ أو فردٍ، هَجَموا عليهم كالذئاب! إنهم وبال العصر بحق.

في أحيان كثيرة، وحين نقرأ التاريخ، نرى عرب الجاهلية وهم يضعون القتال في الأشهر الحرم، ملتزمين فيها وكأنه دَيْنٌ عليهم تجاه بعضهم. وعندما شَدَّت قبائل بنو خثعم وبنو طي، باستحلالهم تلك الشهور في القتال، عُيِّروا بما فعلوا. وعندما تمنَّع عمرو بن الحارث من أن يسقي كُلَيباً جرعة ماءً قبل أن يُريحه، عُيِّرَ بِفعلته، أما هؤلاء من أدعياء الإسلام، فلا أشهر حُرم عندهم ولا رحمة! فأين هم من العروبة، وأين هم من الإسلام؟ بل أين هم من الإنسانية؟

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3974 - الأربعاء 24 يوليو 2013م الموافق 15 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:11 ص

      مقزز

      نعم انسان يتقطع اشلاء بشهر الخير والبركه حسبي الله على كل ظالم والله يمهل ولايهمل سبحانه اي قلب قاسي هذا انه حجر ويمكن الحجر يسبح الله احسن من قلوبهم المريضه انهم ذئاب بشريه ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم . خاتون

    • زائر 5 | 2:40 ص

      لماذا الاستباحة للدم الشيعي لهذه الدرجة

      من الملاحظ ان الدم الشيعي هو الاكثر سيلانا واستباحة من البعض لماذا؟
      نعم اخبرنا النبي ص وأهل بيته الكرام وأخبرونا اننا كلما زدنا حبا لهم وفيهم سوف
      لن يكون ذلك الا بدفع الثمن وهو كثرة البلاء ونحن على يقين من هذا ولكن ما يحزّ في النفس ان من يقتلنا يدّعي الاسلام وايضا لا غرابة فقد كبّر من قتل الامام الحسين ع سبط الرسول وسيد شباب اهل الجنة قتله ورفع رأسه على الرمح
      وهو يكبّر الله (ويكبرون بان قتلت وانما قتلوا بك التكبير والتهليلا)

    • زائر 8 زائر 5 | 6:35 ص

      الجميع مستهدف

      ليس الشيعي فقط بل السني والصابئي والمسيحي! قبل أيام تم تفجير مسجد سني وقتل فيه عشرون مصليا وجرح خمسين

    • زائر 3 | 1:58 ص

      إلى جنان الخلد يا شهداء

      انه ثمن لموالاة أهل البيت عليهم السلام

    • زائر 2 | 1:07 ص

      زأنا أيضاً أتسائل (كيف تجتاز سيارة مُفخخة، عدداً متوالياً من الحواجز الأمنية، وتسير بكل طمأنينة، وتُركَن بالكيفية والمكان الذي تختاره هي؟)

      الفاسدون في الدولة العراقية،يتلمَّظون اللحم البشري، على أثير المال. يركنوا سيارة مكنوزة بالمتفجرات الناسفة وسط سوق شعبي، أو بجانب بيوت الله، وهم على رأس أعمالهم السياسية أو الأمنية، ما دام المال قد رُمِيَ في أحضانهم!
      حقُّ الناس في العيش يُمكن أن يباع ويُشتَرَى بالمثاقيل، ذهباً كانت أم فِضَّة، بل وفي أحيان أخرى أدنى من ذلك بكثير!
      كيف تجتاز سيارة مُفخخة، عدداً متوالياً من الحواجز الأمنية، وتسير بكل طمأنينة، وتُركَن بالكيفية والمكان الذي تختاره هي؟ هل يُعقل هذا؟ إنها مأساة!

    • زائر 1 | 12:08 ص

      سنابسيون

      يا ابني العراقيين يأسوا من تغيير حالهم ،فعندما تسأل احدهم متى راح تصير العراق أمان تراه يقول لك العراق ماراح يتغير الا مع قيام الساعه دليل على يأسهم من تغيير حالهم ،وانا كنت اظن ان الارهابيين والتكفيريين راح يشدون الرحال الى سوريا فهي وجهتهم الجديده واذا بي اسمع عن التفجيرات اللي صارت وعرفت انهم يشتغلون على كذا جبهه الله لا يوفقهم المجرمين القتله

اقرأ ايضاً