العدد 3984 - السبت 03 أغسطس 2013م الموافق 25 رمضان 1434هـ

الأزمة المصرية والتخبط الأميركي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ليس هناك توصيفٌ للسياسة الأميركية في المنطقة العربية خلال الأعوام الأخيرة أدق من كلمة التخبط.

فبعد خمسين عاماً من التحالف الاستراتيجي مع الأنظمة العربية الدكتاتورية، تغيّر المزاج الأميركي مع مجيء الرئيس باراك أوباما وتغيير الاستراتيجية القتالية التي أعطت الأولوية للانسحاب من العراق وأفغانستان، توفيراً للخسائر المادية والبشرية.

الربيع العربي فاجأ أوباما مع نهاية فترته الأولى، وقد شاهدنا ارتباك سياساته وطريقة تعاطيه مع هذه الأحداث. فالمؤكد أن أوباما لم يأتِ مبشّراً بيوريتانياً لإدخال الديمقراطية للبلدان المتخلفة، وإنّما جاء ليحافظ على مصالح بلده وتحسين شروط تعاقداتها مع العالم.

لقد بدأ أوباما يتعامل مع دول الربيع العربي بطريقة «القطعة»، حيث تحكمها المصلحة الأميركية العليا. وفي الوقت الذي تولى الإعلام الترويج لنظرية المؤامرة، باتهام أميركا بإشعال أحداث الربيع العربي، إلا أن المتتبع للأمر يكتشف أن أميركا قد فاجأتها الأحداث كما فاجأت حلفاءها وأعداءها معاً. فبعد نصف قرن من الجمود السياسي وانحسار الجماهير عن الميادين العربية، عادت فجأةً بالملايين لتملأ الساحات، مع طرح الشعارات الكبرى التي ستمثل عناوين المرحلة لسنوات قادمة: الحرية والكرامة والعيش الكريم.

الربيع العربي لم ينطلق إذاً بصفارة أميركية، ولم يأخذ أذناً من هذه العاصمة أو تلك، وإنّما تحرّكت الجماهير غضباً لكرامتها المهدورة واستعادةً لحقوقها وحرياتها المصادَرة. وهي حركةٌ فاجأت السادة الأميركيين وأربكت حساباتهم، وقد شاهدنا ذلك أوضح ما يكون في تعاطيهم المضطرب مع ثورة مصر. فحتى قبل أسبوعٍ من سقوط حليفهم القديم حسني مبارك، كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تؤكّد على ضرورة بقائه حتى إنهاء ولايته الرئاسية في 2014. الأحداث المتسارعة أسقطت هذا الخيار ودفعت به إلى السجن.

الحسابات التالية كانت مع الاخوان المسلمين، حيث آمن الأميركيون إيماناً لاهوتياً أن هذه الحقبة هي حقبة الاخوان بلا منازع. وبالتالي بدأ نسج العلاقات وبناء التفاهمات، يمدّهم في ذلك الموقف التركي الذي استند على تجربة تمثل أنموذجاً يُحتذى لما يسمى بـ «الاسلام المعتدل». هذا النموذج تضعضع بفعل عاملين: التورط في الأزمة التركية، واحتجاجات ميدان «تقسيم».

اليوم، تدخل الولايات المتحدة طوراً جديداً من التخبط مع تطورات الأزمة في مصر، بإعلان وزير خارجيتها جون كيري أن ما جرى (من انقلاب) إنّما كان «لاستعادة الديمقراطية»! وتبع ذلك إعلان البنتاغون أن القائد العام للقوات المسلحة (عبد الفتاح السيسي) أبلغ وزير الدفاع الأميركي أمس (السبت) أن القيادة المصرية الجديدة تعمل من أجل تحقيق مصالحة سياسية في أعقاب عزل الجيش لمرسي.

أصدقاء الولايات المتحدة اليوم لا يثقون بها، حيث يتعمق الشعور بتخليها عنهم، وتقصيرها في حمايتهم، وآخر ما رشح من تنهدات كانت للفريق السيسي، الذي اتهم مؤخراً إدارة أوباما بعدم تقديم الدعم المناسب: «لقد تخليتم عن المصريين. أدرتم ظهوركم للمصريين ولن ينسوا ذلك، وتريدون الآن الاستمرار في تخليكم عنهم؟». لم يكمل فخامته شهراً في الحكم، ويلوم أميركا بالتخلي عنه!

اليوم يكمل أنصار مرسي الاعتصام والتظاهر من أجل إعادته للرئاسة، مستخدمين أدوات الاحتجاج نفسها التي استخدمها مناوئوهم للإطاحة بحكمهم. الجيش العائد للإمساك بالسلطة يزداد توتراً، و«الداخلية» تزيد تهديداتها لفض اعتصاماتهم بالقوة.

المؤسف في الصورة كلها، أن مصر تبتعد أكثر وأكثر عن إرساء أسس وقواعد الدولة المدنية، التي ضاعت بين غباء الاخوان السياسي، وفرعنة الجيش، وتكالب مناوئيهم غير الاسلاميين للوصول إلى السلطة حتى برتبة ذيل للعسكر.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3984 - السبت 03 أغسطس 2013م الموافق 25 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:55 م

      عين الحقيقة

      اصبت الحقيقة

    • زائر 7 | 8:02 ص

      مصر لن تذهب لقتال اهلي وامريكا لاعب قوي وذكي

      الاخوان اضاعوا الفرصة فقد حكموا وكان باستطاعتهم مسك العصى من المنتصف وادخال المعارضين في التشكيلة الحكومية والمحاصصة الحقيقية ولكن غبائهم اوصلهم لهنا
      اما تخبط امريكا فانا لا اتفق معه الادارة الامريكية تحاول مسك العصى من المنتصف في كل دول الربيع العربي والى الان نجحت في مقدرتها على عدم التصادم مع انظمة وليدة كما حصل في ايران وثورتها الخمينية
      اعتقد الى الان الامريكين ناجحون في ذلك

    • زائر 6 | 4:09 ص

      شفيك يا سيد

      واجد مقالاتك فيها تشاؤم عن مصر... مصر الله حافظنها والتغيير ما صير بسهولة اكيد بتكون في اخطاء واخطاء فادحة ولكن في نهاية المطاف بتصير كل هذه الاحداث من الذكريات وان شاء الله بتصير مصر من الدول العظمى

    • زائر 4 | 3:16 ص

      هذه هي المشكلة

      مصر تبتعد اكثر واكثر عن الدولة المدنية مع زيادة سيطرة الجيش وعودته للامساك بزمام السلطة من جديد.

    • زائر 3 | 2:56 ص

      امريكا

      قبل 11 سبتمبر كانوا غافلين عن الدول المتخلفة عن الديمقراطية ولكن بعد ذلك ارادوا افهامنا كيف هي الديمقراطية ووضفوا مئات المستشارين لدراسة سياسة وعقول هذه المجتمعات من جميع النواحي وخاصة الدينية وبأسلوب الهيمنة والتخويف تغلغلوا الى العقول وعرفوا كيف يستفزونا تارة وكيف يحبونا تارة وكذلك درسوا عن ألأنسان العربي مايغيظه ومايفرحه واما سالفة الديمقراطية فهي النقطة التى اذا طرحت فمنها يزرعون مايريدون من المشاكل والمنازعات التى نحن نراها اليوم.

    • زائر 1 | 11:23 م

      مصر هي الخاسر الاكبر ................. تخلصت من الاخوان العملاء حتى النخاغ

      لكن مصر الله يعين شعبها الكل يساوم عليها والكل يشتريها مليارات من هنا وهناك
      ومصر تحاصر مرة أخرى لتدخل شباك العمالة مرة الفاسدة.
      نريد مصر دولة مستقلة حرة وقوية ((((مثل أيران)))) بل أقوى من أيران
      لكن للاسف الشديد مصر في ظل العملاء السابقين والمنصرفين والحالين وحتى القادمين وبعد القادمين لا يمكن ان تكون دولة قوية.
      تهدد بالمليارات وتهدد بالعمالة، تهددها دول في قمة التخلف.
      فكيف تكون مصر حرة وهي اسيرة.
      الله يعينك يا مصر.

اقرأ ايضاً