العدد 4003 - الخميس 22 أغسطس 2013م الموافق 15 شوال 1434هـ

ما فعلته قوى النظام والظروف بالشعب العربي

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

ما جرى وما يجري بعد قيام ثورات وحراكات الربيع العربي يحتاج إلى تمحيص وفهم لا ينحصر في نطاق السياسة، وإنما يتعداه إلى حقول أخرى. إن الغالبية الساحقة من الكتابات والمناظرات تركز على العوامل السياسية في محاولاتها لفهم أسباب التعثرات أو الانحرافات أو الإخفاقات التي حدثت في هذا القطر العربي أو ذاك.

ولكن ماذا يقول علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الأخلاق، في شأن الوضع العربي الذي يموج مداً وصعوداً لينقلب بعد حين إلى جزر وهبوط؟ ذلك أن تفسيرات من مثل التدخل الأجنبي أو التنافر الصهيوني أو تدفق مال البترول العربي لهذه الجهة أو تلك، لا تستطيع لوحدها تفسير ما يحدث، وبالتالي تحتاج إلى ما يغوص إلى الأعماق ويتخطى الظواهر.

في البدء يجب التأكيد على أنه لا يوجد شيء اسمه شعوب طيبة عاقلة وأخرى شريرة مجنونة، وبالتالي فإن ما يصيب الشعوب هو بسبب عوامل ذاتية، من نواقص وعاهات، أو امتيازات وفضائل، متأصلة في هذا الشعب أو ذاك. الشعوب، تماماً مثل الأفراد، تولد على الفطرة، والفطرة تقوم في الأساس على الخير وتنبذ الشر.

وبالتالي فإن محاولات تفسير ما يحدث من خلال تواجد عوامل ذاتية سلبية في الإنسان العربي وفي المجتمع العربي، هي محاولات عنصرية بدأها المستعمرون وبعض المستشرقين، وسار على خطاها مع الأسف، بعض المستغربين العرب. نحن لسنا أمام شعب يختلف عن بقية الشعوب ولا إنسان عربي يختلف عن بقية البشر.

إذن، أين تكمن المشكلة؟ دعنا نؤجل الجواب ولنبدأ بأن ألوف الأبحاث والتجارب المعملية في علمي النفس والاجتماع قد أظهرت، بالنسبة للأفراد كما للجماعات، بأن ما يحدث للفرد كما للجماعة، هو حصيلة تفاعل بين ثلاثة عناصر: المكونات الذاتية للأفراد أو الجماعات، والظروف المحيطة بالفرد أو الجماعة، والنظام الذي يخلق الظروف أو يبقيها أو يستعملها للتأثير على الأفراد والجماعات. علم النفس أظهر ذلك بالنسبة للأفراد، وعلم الاجتماع أظهره بالنسبة للجماعات ومنهم الشعوب.

بالنسبة للشعب العربي لا يوجد أي مبرر للاعتقاد بأن مكوناته الذاتية، كجزء من البشرية، تختلف عن الآخرين. إذن فالقضية تتركز في عنصري الظروف المحيطة به والنظام السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي الذي يخلق تلك الظروف الآن، والذي خلقها عبر التاريخ الطويل لهذه الأمة.

للكاتب إيرك هوفر مقولة بالغة الدلالة: «عندما تتراوح القوة مع الخوف الدائم الطويل المدى فإنها تصبح غير قابلة للقهر». هذا الأمر ينطبق على الوضع العربي. فعبر تاريخ طويل كان النظام العربي سلطوياً استبدادياً، ترافق مع خوف مركب من السلطة من جهة ومن تبعات الحرية من جهة أخرى. لقد عاش الشعب العربي، منذ الملك العضوض، في سجن كبير يديره حراس استبداديون من خلال أنظمة بطش وترهيب وإفساد، ما كان له إلا أن يقود إلى تشويه عقل ونفس وروح الإنسان العربي.

لكي ندرك عظم معنى المصيبة الاجتماعية والنفسية التي حلت بالجماعات والأفراد العرب جراء نظام الاستبداد، دعنا نستذكر بأن العديد من التجارب المخبرية التي أجراها علماء النفس والاجتماع على متطوعين، أظهرت أن وضع هؤلاء المتطوعين في أجواء السيطرة والاستبداد، وبالتالي في الخوف الدائم، ولفترات قصيرة جداً، قادت إلى نتائج تدميرية نفسية واجتماعية بين صفوف أولئك المتطوعين.

لقد تغيّر أولئك المتطوعون، الذين كانوا عاديين وأسوياء ومتزنين في تصرفاتهم، ليصبحوا بشراً مختلفين بصورة جذرية. فالذين كانت عندهم كرامةٌ أصبحوا خنوعين، والذين كان لديهم كبرياء الاستقلال الشخصي أصبحوا سلبيين يعتمدون على القوي الآخر. الجميع استقالت في داخلهم الأنفة والعزة ورضوا بأن يكونوا تابعين للظروف وبالأخص للنظام، أي للقوة الخفية التي تدير الظروف.

إذا كان ذلك التغير قد تم خلال فترة قصيرة تحت ظروف مختبرية مؤقتة، فكيف يكون التأثير والتغيير إذا كان نتيجة قرون من القهر والاستبداد والظلم؟ أي تغييرات كبرى قد حفرت في عقل ونفس وروح الشعب العربي عبر القرون؟ أي تشويهات قد تجذّرت لتجعل تعامل الشعب العربي مع ثورات وحراكات ربيعه تعاملاً مليئاً بالثغرات والعلل؟

سنحاول الإجابة على ذلك في مقال قادم.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4003 - الخميس 22 أغسطس 2013م الموافق 15 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 4:13 ص

      ضرايب دفعتها الشعوب لعدم مسائلة ومحاسبة

      ليس بسر اليوم أن من أعد أو قام بإعداد الإرهابيين إستخدموا الجن والسحر والشعوذه لتحويل المجاهدين الأفغان كما يزعمون. فلا يعقل أن إنسان يقدم على الانتحار والذهاب الى جهنم لأنه لا دين له فقد أطاع غير الله وأقدم على قتل نفسه وغيره. يعني غسيل ادمغة أو مخ وإحداث خلل وتعطيل عمل ضمير إنسان بتمول دول متشاركه في هذه الجريمة النكراء. فصناعة الارهاب ليست من الصناعات ولا من المهن ولا التعامل بالسحر وإحضار الجن كذلك. لما لا تجرم؟

    • زائر 7 | 3:33 ص

      فساد عقود وقرون لا يمكن اصلاحه بين عشية وضحاها

      فساد الاوطان العربية كفساد غيرها من الشعوب مورس على مدى قرون من توالي الحكومات الفاسدة ومن الطبيعي ان كلفة الاصلاح اكثر مرات بل عشرات المرات من الفساد، اي ان الجهود والوقت الذي يتطلبه الاصلاح لا بد ان يكون مضاعفا هذا في حالة فترة بسيطة من الفساد والظلم. ناهيك عن قرون من الفساد فلا يمكن ان تصلح هذه الامور في وقت قصير خاصة بعد تخريب النفوس وجعلها لا تؤمن بقيم انسانية سوى القيم المادية

    • زائر 6 | 1:59 ص

      نزع السلاح أولا والرجوع الي العقل وليس الى تسيس المجتمعات

      ليس بسر أن اليهود لا يخافون الله فلو كانوا يحبون الله ما قتلوا وعذبوا الفلسطينيين طول السنوات الماضيه ولا زالوا. ما أسسوه على باطال بأن اليهوديه دين لا يجد طريق الى الصواب ولا العاقل يصدق. فالدين عند الله الاسلام و إسلام بلا سلام لا يصح. الفكر المشوه الذي أعاد الناس الى جاهليه وإقتتال واقطاع ورأس مال ملوث بدماء البشر سببه المباشر التجارة. فمن الناس رأسه مشحون كيف يجمع المال بينما الآخرين همهم علفهم و غيرهم من الناس تقتل وتذبح. لإحلال السلام لابد من العوده الى اسلام واشتراكي ديمقراطية اليونان.

    • زائر 5 | 1:45 ص

      لمجتمع بشري موحد بد ل فوضى لم تخلق إلا مزيد من الحروب

      القواعد العشر في التعامل مع الناس ليست من البدع و ما أوصى به الأنبياء والرسل لم يخرج عن هذه الوصايا لكي تحقن الدماء ولا يعتدي البشر على بعضهم البعض. قواعد عشر ذكرت في الزبور و التوراة و الانجيل وفي القرآن كذلك. ما قاله موسى لا يختلف عن عيسى أو إبراهيم أو محمد أو علي عليهم أفضل الصلاة والسلام. فلكي يعم السلام بين الناس عليهم أن يتذكروا هذه القواعد والواصيا التي أووصوا الناس بها. منها الدين في المعامله وعامل الناس مثل ما تحب أن يعاملوك. لا تعتدوا على الناس مثل ما تحب أن لا يعتدى عليك. فلا تقتل..

    • زائر 4 | 1:44 ص

      الخوف هو وحده

      الخوف من القوي وجبروته وطغيانه من يجعل الانسان يتراجع عن حقه لانه يهددبقطع عيش اولاده ورزقه وسلبه كل شيئ

    • زائر 3 | 12:48 ص

      تجارة حرة وعلت عالميه إسرائيل وشركاتها

      إذا كان ضمير مبيوع في سوق حره ورشاوي وإتفاقيات من تحت الطاولات لتثيت كراسي وخدمة مجتمع شركات صهينا – عبريه دوليه – عالميه. لا تستغرب إذا كانت تجارة سلاح حلال والقتل والتخابر والتجسس ليس إعتداء ولا تعدي على حرمة إنسان!. ويش بقي للدول العظمى صاحبة الفيمتو عفوا الفيتوا الذي يستخدم حتى ولو كانت أمريكا إبادة جماعيه في العراق وفي أفغانستان ...أو إسرائيل ما قتلت الفلسطينين ولا حبست وعذبت. هذه مجلس أمن حراس طيور؟

    • زائر 2 | 12:35 ص

      تراكمات ....

      نعم بعض الظروف تخرج لنا بعض الحمقى وهذا نتيجه للجهل والابتعاد عن تلقي المعرفه المفيده والنابعة من الينابيع الصافيه كنبع الامام علي عليه افضل السلام , كما ان وجود منابع الشر الاكبر بالعالم العربي وتمويله من البترودولار يغذي الحمقى الجهلاء ولكن علينا الجزم تماما ان الله توعد بان ينصر حقوق المظلومين اجلا عاجلا شاءوا ام ابو وهذه هي النهاية الحتميه والله المستعان . خاتون

    • زائر 1 | 10:47 م

      التفكير فى محاسن الديموقراطية

اقرأ ايضاً