العدد 4009 - الأربعاء 28 أغسطس 2013م الموافق 21 شوال 1434هـ

الأزمة السياسية... بين حوار عقيم وتفاوض جدي!

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

إن المتابعين لمجريات أزمة البلاد السياسية التي بدأت في 14 فبراير/ شباط 2011، والأحداث والتداعيات الإنسانية والسياسية والحقوقية والقانونية التي نتجت عن معالجاتها وتسببت في تعقيد الأزمة وزيادة تأزيم الوضع، والخطوات التي اتبعت لحلها في مؤتمر حوار التوافق الوطني، يجد هذه المعالجات والحوارات تتجه بالأزمة نحو التعقيد، وكأن نية إخراج البلد من الأزمة إلى الآن غير موجودة، رغم أن جميع متطلبات الحل العادل متوفرة منذ زمن بعيد وفي متناول اليد، ولكن تحتاج إلى إرادة حقيقية لتكون واقعاً على الأرض .

المواطن يريد حلاً سياسياً دائماً وعادلاً، يأتي ببرلمان له كامل الصلاحيات في التشريع والرقابة، وبدوائر انتخابية عادلة وفق مبدأ «صوت لكل مواطن»، وسلطة تنفيذية نابعة من الإرادة الشعبية، وقضاء يتمتع بالاستقلالية الكاملة، في نظام ديمقراطي السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً، كما في المادة (1) فقرة (د) من الدستور.

ويريد المواطن حلاً ناجعاً لكل التداعيات الحقوقية والانتهاكات الإنسانية والاجتماعية التي طالت شريحة واسعة من أبناء الوطن، ويريد ضماناً دستورياً أكيداً لأي حل سياسي توافقي، لكي يضمن أن لا تعود الأزمة مرة أخرى بكل تداعياتها وانتهاكاتها، التي تخالف العهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ويريد حلاً سياسياً ينصفه ويحقّق له العزة والكرامة في وطنه، ولا يريد أن يشعر بأي نوع من المهانة الإنسانية في بلده الذي هو جزء من تاريخه، بسبب التمييز أو التهميش أو الإقصاء المتعمد، أو لعدم الأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص في التعيين أو التوظيف أو الترقيات والحوافز والبعثات الدراسية.

المواطن يريد أن يعيش المواطنة الحقيقية، ويساهم في تعمير وتطوير وتنمية بلده في جميع المجالات. وقد أثبت إنسان هذا البلد الطيب أنه قادر على الذهاب بخطى ثابتة ببلده إلى مراكز متقدمة عربياً ودولياً، في مختلف المجالات العلمية والصحية والاجتماعية وسواها، إذا ما توافرت أمامه سبل المساواة والمواطنة، حيث يوظف فكره وثقافته وعلمه ليترجم ذلك عشقاً لوطنه، ورفع رايته في جميع الميادين.

إن جل المواطنين يعتقدون أن الحوار الذي تحوّل إلى جدل عقيم ومهاترات وتجاذبات مذهبية بغيضة، لن يحقّق إلا مزيداً من تعقيد الأزمة السياسية، فلا بد من الانتقال إلى أسلوب سياسي آخر كالتفاوض الجاد، تستطيع من خلاله الأطراف المعنية بحل الأزمة السياسية التي دخلت عامها الثالث، والوصول إلى توافقات سياسية جدية بين قوى المعارضة والوطنية والحكم.

إنه مادام غالبية المشاركين في الحوار ممن يمثّلون معارضة عنيدة للمعارضة، لا يريدون حلّ المشكلة السياسية وما أفرزته من انتهاكات حقوقية وقانونية، وأوجدت طائفيةً بغيضةً وعنصريةً حاقدةً في أوساط المجتمع. وقد نذرت نفسها منذ بدء الأزمة وحتى اللحظة، بأن تكون رافضةً لكل رأي تطرحه المعارضة حتى قبل التفكير فيه، في جميع الأحوال والظروف. واستغل بعضهم الأزمة السياسية بسلبية مفرطة، لتحقيق أكبر ما يمكن من المنافع والغنائم الشخصية والفئوية والحزبية، مالية كانت أو سياسية، مستخدمين كل الوسائل غير الأخلاقية من سب وشتم وتدليس وكذب وافتراء وطمس للحقائق تارةً ونفيها تارة أخرى. وهي تتعمد في جلسات الحوار وضع المعوقات تلو المعوقات، لكيلا يبدأ الحوار الجاد بين قوى المعارضة والحكم، برفضهم غير المبرّر لمطلب تمثيل الحكم في الحوار رغم معرفتهم بأهمية تحقيقه في حل الأزمة.

إنه لو وضع الجميع مصلحة الوطن على الطاولة، لما بقي الحال كما هو عليه الآن، يراوح مكانه منذ 10 فبراير/ شباط 2013، ولم تستطع طوال عشرات الجلسات أن تثبت سلامة رأيها الرافض للأمر المذكور آنفا (تمثيل الحكم في الحوار)، وكان الاعتقاد أنها ستكون أولّ من يرحب بتمثيل الحكم في أي حوار وليس أول من يرفض، وذلك لأهمية الاستماع إلى رأيه في جميع القضايا السياسية والوطنية الحساسة التي ستناقش في جلسات الحوار الجاد بصورة مباشرة، وإلى الآن لا أحد يعلم إذا ما عادت جميع الأطراف إلى الحوار مرةً ثانية، بعد إجازتهم الطويلة التي امتدت حتى 28 أغسطس 2013، متى تنتهي جلساتها الجدلية. ولا أحد يعلم السر الحقيقي الذي يجعلهم يرفضون تمثيل الحكم فيه، هل لأنهم خائفون وقلقون من وجود ممثل للحكم في الحوار؟ أم هل يتوقعون أن رأي الحكم سيتقاطع مع مصالحهم؟

إن الانفعالات والتخبط والإرباك الذي يسود أوساطهم خلال الجلسات، يكشف أنهم يعيشون تحت ضغط نفسي شديد، يمنعهم من الذهاب إلى حوار جاد ممثلٌ فيه الحكم. والواضح من خلال التصريحات والبيانات، أن هذه المجموعة تدافع عن مصالحها الشخصية وليس عن مصالح الوطن، وليس لديها رغبة صادقة في حلّ الأزمة السياسية التي أجهدت البلاد والعباد. وهي تعلم بالتأكيد أن إطالة أيام النقاشات غير الجادة إلى مئة عام كما تتمنى، لن يحقق لها إلا المزيد من الحرج السياسي أمام الرأي العام المحلي والخارجي.

إنه من الواضح أن هذه المجموعة لم تعد نفسها إلى هذه المرحلة التي تقعد فيها وجهاً لوجه مع من نعتوها ليلاً ونهاراً، وفي مختلف الوسائل الإعلامية التي أتيحت لهم، بشتى النعوت البغيضة التي يندى لها جبين الإنسانية، والتي أدّت إلى تأزيم وتعقيد الأزمة السياسية إلى حدّ فاق كل التصورات.

ليس عيباً أن تعترف جمعيات الفزعات الطائفية بالأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها ضد الوطن والمواطنين، لكن العيب كل العيب أن تصرّ على ارتكاب المزيد من الأخطاء السياسية التي تضر بالوطن والمواطن، والمنتظر منها أن تجلس جلسةً مصارحة ومصالحة مع نفسها أولاً، وتفكّر بجدية ولو مرة واحدة في مصلحة الوطن، الذي يتطلب منها تقديم المصلحة الوطنية على مصالحهم الشخصية والفئوية، فهل ستتخذ قراراً شجاعاً يجعلها يقف خلف المصالح الوطنية العليا؟

الأيام القادمة ستكشف للرأي العام مدى قدرتها على التغلب على نوازعها النفسية. ويأمل المواطن أن يبدأ الحوار الجاد عاجلاً بين النظام وقوى المعارضة، والدخول في مناقشات تمس أصل المشكلة السياسية وعمقها، وحجم الانتهاكات الحقوقية الكبيرة التي ورد ذكر الجزء اليسير منها في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في 23 نوفمبر 2011، والذي على إثره أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف توصياته للحكومة، فالقضية بكل أركانها وحيثياتها واضحة للرأي العام والمنظمات الحقوقية الدولية. وليس هناك مجال لنفيها أو نكرانها أو تجاهلها، فهي محفورة في أذهان من تعرّضوا لكل تلك الانتهاكات. والمواطن الحريص على مصلحة وطنه يأمل أن تحل الأزمة السياسية في القريب العاجل.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 4009 - الأربعاء 28 أغسطس 2013م الموافق 21 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:09 ص

      لا تعويل على هذا الحوار.

      ما يطلق عليه مسمى حوار وطني ما هو إلا جزء من مخطط النظام للقضاء على ثورة الشعب ضد الأوضاع المزرية. ما أتمناه الا تستغل قوى المعارضة في تنفيذ مخطط السلطة لضرب الحراك المطلبي.

    • زائر 1 | 12:41 ص

      في الصميم

      للأمانة وضعت النقاط على الحروف ولكن السؤال الي متي المعارضه ستواصل مع هذا الحوار العقيم آلا تخشي من رد فعل الشارع علما بان الشعب غير مستفيد من هذا الحوار ولا واحد في المئه. وشكرا

اقرأ ايضاً