العدد 4026 - السبت 14 سبتمبر 2013م الموافق 09 ذي القعدة 1434هـ

المشهد المصري «تدمير ذاتي» عبر القمع

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

بعد عامين ونصف من سقوط نظام الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، أصيب المصريون بحالة إحباط شديد وهم الذين خاطروا بحياتهم وخرجوا بحشودهم الكبيرة لإسقاط هذا النظام، أملاً في نظام يحقّق لهم العدالة الاجتماعية من خلال تفعيل الحقوق المدنية والسياسية التي تقوم على مبدأ الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

لكن ماذا حدث بعد عامين في هذا البلد؟ هذا البلد الذي يقع في قلب المنطقة العربية ويؤثر على باقي الدول التي تستمد بالعادة تجاربها للدفع نحو التغيير الذي يحقق حلم الدولة المدنية. هذا الحلم الذي مازال بعيد المنال في البلدان العربية التي إما تخضع للعقلية القبلية أو الدينية، وبالتالي تضيع (حسبة) النظام المدني الذي يعمل على أساس الفصل بين هذه العقليات، وتطبيق القانون الذي يعامل الجميع بالمثل دون إقصاء.

ما حدث في مصر لم يكن إلا لتحقيق الدولة المدنية، لكن ذلك لم يتحقق، فهناك عودة القمع وتوسعه بصورة كبيرة وسيطرة الجيش الذي بدوره شلّ الحياة السياسية وحتى الاقتصادية، وبدا المشهد يضطرب يوماً بعد يوم. ولأن نجاح النموذج المصري مرهون بتهديد أركان بلدان في المنطقة لا تريد هذا النجاح فتفعل في مصر كما فعلت بالعراق.

وبالنظر إلى أن أوضاع حقوق الانسان والحريات العامة في مصر في تدهور مستمر حسب المراقبين، وذلك بسبب القبضة العسكرية التي صاحبت التغييرات التي جاءت منذ عزل الرئيس المعزول محمد مرسي في 30 يونيو/ حزيران 2013 وصولاً إلى فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/ آب 2013.

فقد وصفت الصحافة الأميركية وتحديداً «نيويورك تايمز» في عدد افتتاحيتها (12 سبتمبر/ أيلول 2013) إصرار الحكومة الحالية في مصر التي يسيطر عليها الجيش، ما هو إلا «تدمير ذاتي» للدولة، فاستمرار قمع الشعب وتبني منهجية التدمير الذاتي يدفع إلى عدم دعم أو ضخّ أية أموال من قبل الإدارة الأميركية. وهو أمرٌ بدا المصريون يدفعون ثمنه خصوصاً أن ثورتهم في 25 يناير/كانون الثاني 2011 كانت انطلقت بسبب هذا القمع كواحد من الأسباب التي أسست ثقافة الإفلات من العقاب.

إن مصر بحاجة في الوقت الراهن إلى بناء الدولة الحقيقية المعتمدة على التنمية السياسية والاقتصادية، وليس إلى تنمية في مجال القمع تحت مبررات قد ترهق مصر وتشتت فكرة السبب الرئيسي الذي خرج الناس من أجله. فبدلاً من إلغائه والعمل على التنمية البشرية ومحاربة الفساد والبدء في بناء أركان دولة تقوم على أساس الديمقراطية وليس على القمع باستخدام مسيلات الدموع والخرطوش (الشوزن) والقتل والحبس والمحاكمات الصورية وإقصاء الآخر وغيرها. هذا لن ينفع إذ استمر الحال، بل سيدخل مصر في متاهات وفوضى سياسية طويلة المدى تؤثر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ولن تكون مصر في منأى لوحدها، بل ستلحقها دولٌ أخرى مثل ليبيا التي مازالت تعيش فوضى على كافة المستويات، وقد تتفاقم في ظل الأزمة المصرية، فالجار يؤثر على الجار.

المجتمع الدولي مشغول هذه الأيام بسورية، غير أن ملف الأزمة المصرية لا يقل شأناً، ففي ظل استمرار منهجية سحق الطرف الآخر، فهو بلاشك لا يقلق جماعات الأخوان المسلمين فقط، ولكنه سيقلق كل جماعة أو فرد تختلف في الرأي، وهذا بدوره قد يخلق شعوراً بانعدام الأمان. كما أن معظم المصريين سعوا إلى الديمقراطية والحرية ليطالبوا من خلالها بفرص عمل وتعليم، لكنهم في المقابل واجهوا ذلك بمزيد من العنجهية والقمع في أسلوب لم يتغيّر كثيراً عمّا كان في السابق.

ولهذا فإن القمع سيولد التعصب، وكلا القمع والتعصب سيقودان إلى مزيدٍ من عدم الاستقرار، ويجعل من المستحيل على مصر إنعاش اقتصادها، ولعب أي دور بناء في المنطقة.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4026 - السبت 14 سبتمبر 2013م الموافق 09 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:52 ص

      من أقوال الصحف الى أقوال جحا

      يقال مفسدة الأخلاق أم الدنيا فقال قائل ليس العيب في الدنيا ولكن في أهل الدنيا – يعني ساهون ناسون غافلون موسوسون وقد يطمحون أو يطمعون .. وهل هذا عيب في الدنيا أم في أمها الأرض التي سيعود اليها الجميع بلا إستثناء؟

    • زائر 1 | 3:04 ص

      كبش الفداء والضحية الشعوب

      قيل فيها الكثير ومنها أرضها ذهب ورجالها مع من غلب. فقد إكتشف مؤخراً أن من بنا الإهرامات ليس من العبيد المصريين كما يشاع ويذاع. فقد كانت مصر تحت سيطرة اليونان والرومان. فالفرعون أغرق كما أغرق جنوده. لكن من الأسئلة لما الكسندر الأكبر وفيتاغورث وآخرين كانوا في مصر. اليوم أكثر المصريين في أم الدنيا خادعتهم الدنيا وما توالي الأزمان والزيادة السكان الغير طبيعيه في مصر إلا من إحدى مشاكل العالم اليوم. فهل يخلونهم يتقاتلون من أجل تخفيف عدد سكان الكرة الأرضيه؟

اقرأ ايضاً