العدد 4059 - الخميس 17 أكتوبر 2013م الموافق 12 ذي الحجة 1434هـ

بين الخضوع للعولمة ومقاومة ادعاءاتها

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

ككلّ بلاد العالم، التزمت أقطار الوطن العربي بكل متطلبات العولمة الاقتصادية، سواءً الفكرية منها أو الإجرائية التي أملتها المؤسسات الدولية من مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي وغيرهما.

كانت روح العولمة في شكل عباءة جديدة لرأسمالية قديمة ترفع شعاراً سياسياً جديداً: الليبرالية الجديدة. لقد زُفت العجوز الشَّمطاء على أنَّها صبيَّة عذراء، وكان شيخ وكاهن الزواج أستاذ الاقتصاد الأميركي ملتون فريدمان، عرَّاب مدرسة شيكاغو، وتابعوه وتابعو التابعين من المنظّرين.

ما نريد التّنبيه له، قبل الولوج في موضوعنا الأساسي، هو أن عرّابي الرأسمالية العولمية التي تجتاح عالمنا قد غلّفوها بادّعاءات أثبتت الأيام عدم صحّتها. ولذلك فليس بمستغربٍ صدور العشرات من الكتب الرّصينة التي تفنّد تلك الإدعاءات. ولعلّ من أكثرها صراحةً وجرأةً كتاب أستاذ الاقتصاد في جامعة كيمبريدج البريطانية، المؤمن بالرأسمالية المتوازنة، د. هاجون شنغ، تحت عنوان «ثلاث وعشرون حقيقة عن الرأسمالية لا يتحدّثون لك عنها».

وبالطبع فإن تلك الإدّعاءات عن الرأسمالية العولمية بدورها مبنيّة على إدّعاء، يختلف الكثيرون بشأنه، يتعلق بمدى علميّة ودقّة وحتى تسمية ما يطلق عليه «علم الاقتصاد».

نبرز تلك المقدمة وتلك الخلفيّة، لنظهر مدى هشاشة وضعف الأرضيّة التي تقف عليها أقوال الاقتصاديين العولميّين بشأن ما يجب أن تفعله الدول والمجتمعات في الحقل الاقتصادي، وبشأن ما يجب أن تتجنّبه.

الموضوع الذي نود مناقشته يتعلق بأحد أخطر إدّعاءات العولمية الرأسمالية القائل بأنه في عصرنا الحالي لا تحتاج الدول النامية، لكي تصبح دولاً صناعية متقدّمة، أن تمارس سياسات وخطوات حمائية، تحمي بها مؤسساتها الصناعية والخدمية الوطنية الوليدة إلى أن تكبر ويشتدُّ عودها وتقف على رجلها في الأسواق الدولية.

وعليه فإن المؤسسات العولمية، ومن ورائها جيش من المنظّرين والإعلاميين والزُّبونيين المستفيدين، لا يرون حاجةً لفرض ضرائب جمركية عالية، ولا لتقديم دعم مباشر أو غير مباشر للشركات الوطنية الناشئة، ولا لسنّ تشريعات تعطي أية أفضلية أو حماية أو إسناد للصناعات الوطنية. فالمنطلق عند هؤلاء هو عدم التدخل التام في حرية الأسواق وفي التنافس، حتى لو كان الأخير متوحّشاً استئصالياً، إذ الداروينية في الاقتصاد هي أيضاً بدورها تؤكّد بأن البقاء للأقوى والأفضل دون الالتفات إلى أية عوامل مؤثّرة أخرى، من مثل التاريخ الاستعماري، وضعف القاعدة العلمية والبحثية، والظروف الاجتماعية والثقافية المتخلّفة.

لكن من حسن الحظ أن تاريخ نشوء وتطوُّر الاقتصاد الانتاجي الصناعي في البلدان التي تعتبر اليوم متطورة ومتقدّمة، هذا التاريخ يردُّ على هذا الإدّعاء وهذه الأكذوبة. فمراجعة تاريخ بلدان صناعية في الغرب والشرق، مثل الولايات المتحدة الأميركية وانجلترا وفرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى كثيرة، وفي الشرق مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، تؤكّد أنهم جميعاً، منذ القرن الثامن عشر وحتى عصرنا الذي نعيش، مارسوا كل أنواع الحماية الجمركية والدّعم اللوجستي بشتّى أنواعه، وسنّ القوانين الحمائية، وذلك من أجل الدّفاع عن صناعاتهم ومؤسّساتهم الوليدة. ولم يتوقّف أيٌّ منهم عن ذلك الدعم إلاّ بعد وصول تلك الصناعات والمؤسسات في بلدانهم إلى مرحلة النّضج والوقوف على الأرجل في مواجهة منافسة الآخرين على المستوى العالمي.

لقد مارست تلك الدول عكس ما تريد فرضه على الدول النامية في الحاضر. ولو قُيّض لقادة تلك الدول، الذين مارسوا الحماية لأسباب وطنية، أن يخرجوا من قبورهم لصعقوا مما يريد أحفادهم أن يفعلوه بالآخرين.

لنعد إلى وطننا العربي ولنطرح الأسئلة على أنظمة الحكم العربية، ولنطرحها على الأخصّ على بلدان ثروات البترول والغاز التي يأمل الجميع أن تكون في المستقبل قاطرة التنمية الاقتصادية العربية من خلال استثمار عائداتها الهائلة لبناء اقتصاد عربي إنتاجي صناعي، يرفده اقتصاد خدمي ومعرفي حديث متطور.

الأسئلة الملحّة هي: هل لازلتم تصدّقون أكذوبة السوق الحر الذي لا يخضع إلاّ لمنطقه وحاجاته، مع أنه لا يوجد سوق في أيّ بلد كان يتمتّع بحرية مطلقة؟

متي ستستعيدون إرادتكم وتقرروا البدء، فرادى أو كتكتُّل عربي بأشكاله المختلفة، باتخاذ الخطوات الضرورية لحماية صناعاتكم ومؤسسات اقتصادكم الإنتاجي والخدمي، وذلك على ضوء ما تثبته الأيام، من خلال تجارب الكثير من الدول، من أن الاقتصاد الخدمي، حتى ولو كان متطوراً، لا يسدُّ مكان الاقتصاد الإنتاجي السلعي بما فيه الصناعي؟

متى ستدركون أن كل أنواع التنمية ستحتاج لدعم وتدخُّل الدولة في مراحلها الأولى على الأخص؟ وبالتالي ترفضون مقولة أن الاقتصاد والخدمات الاجتماعية يجب أن تترك للقطاع الخاص، فهو الأقدر والأكفأ؟

متى ستدركون أن الدول الرأسمالية الغنية، التي تلقي عليكم يومياً المحاضرات الطويلة بشأن تحرير الأسواق العالمية، هي أول من يتخلّى عن الاتفاقيات ويكسر القواعد عندما تتعرض مصالحها الاقتصادية لأيّ خطر؟

الأسئلة كثيرة جداً، وهي ليست رفضاً للعولمة، وإنّما تشكيكاً في بعض مقولاتها، ومناشدةً أن لا تنحر محاولات النهضة الاقتصادية العربية، التي بدأت منذ الاستقلال الوطني، تنحر ككبش فداء لرأسمالية عولمية أنانية متوحّشة. للمرّة الألف نذكّر بأن فترة فوائض ثروات البترول والغاز الحالية هي فرصة تاريخية يجب أن لا تضيع. إن إحدى وظائفها هي مساعدة النفس في تخطّي بعض الأكاذيب التي تنشر باسم العولمة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4059 - الخميس 17 أكتوبر 2013م الموافق 12 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:08 ص

      الجوامع والصوامع والتخلي التام عن منطقة الخليج!

      ليس من الأسرار أن العولمه كظاهره خرج بها البيت الأبيض الأمريكي للهروب من المشكله وتصديرها للخارج. نصيب البحرين من المشاكل التي إحيكت وخيطة بخرابيط طريق لا تؤدي إلا لتدمير المجتمع وتدمير الطبيعه. وهذا بسبب الأطماع الإمبرياليه يعني الرأسماليه التي لا تحرم حتى قتل الإنسان أو سجنه أو تعذيبه! هنا على المجتمع الدولى التدخل وطرد البنوك والشركات الأمرو-صهيونيه. اليس من الأولى أن يوقف النزيف في حالات المرض؟

    • زائر 4 | 4:32 ص

      العقل العربي

      يبدو أن العقل العربي الوحيد الذي لا يتأثر بالمتغيرات الدولية ولا حتى بالتطورات الاقتصادية والعلمية ..أن مفهوم العولمة الذي برز إلى السطح بشكل واضح خلال نهاية القرن الماضي ليس بالشيء الجديد بل العولمة أخذت مداها منذ الانطلاقة الاولى للبضائع والمبادلات التجارية الدولية أن العلم و تطور تكنولوجيا الاتصالات ألغت الحدود والفواصل الوهمية المصطنعة أو ما تسمى بالسيادة فالدولة لم تعد دولة والكوكب لم يعد كوكب....ع.مسيب مع التحية

    • زائر 3 | 4:16 ص

      إفلاس حاد وبنوك لكن يقال عولمه!

      من الأقوال مال وأعمال وسلطه وتسلط أصحاب رؤوس أموال يعني أرصده بنكيه بدون ضمان أو سندات. وهذا يعني أن شركات وبنوك سليطه ويدها طويله لكن كيف تتحكم لتمنع التسلط هذا أن يتكرر؟

    • زائر 2 | 3:17 ص

      العولمه والخصصة والفقر ليس رجل فكيف يقضى عليه؟

      يقال قال جحا كيف تكون الحكومه قد تخلت عن تقديم الخدمات ومنها خدمة التعليم؟ فما وظيفة الوزراء والوكلاء وأعضاء الشورى والنواب؟ اليسّ تبذير في المال العام بدون تقديم خدمات بينما تصرف لهم رواتب شهريه وإمتيازات لا لزمة لها؟

    • زائر 1 | 3:11 ص

      من الخدع السينماعيه الى بدع دعايه وإعلان!

      أمريكا اليوم منهاره إقتصاديا ولا خلاف ولكن الطامه الكبرى في طريقها الى الهاويه وعذا ليس بسر لكن يقال أو يقول بعض مرووجي البضائع الأمريكيه بالدعايه والإعلان وقنوات التلفزة والإعلانات التجاريه- يعني بدعه قد إبتدعوها لكن يقولون كل بدعه ضلاه أو فيها ضلال وتضل الناس أمريكا بالكذب أو بإعلانات كاذبه. هنا سؤال هل الدعايه والإعلان من ليست من المحضورات أو من المباح العمل بها؟ أووا ليست بدعه وكل بدعة ضلاله؟

اقرأ ايضاً