العدد 4063 - الإثنين 21 أكتوبر 2013م الموافق 16 ذي الحجة 1434هـ

مظلومية تأريخ المنامة

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال في يوميات رحلته المدوّنة: «كان أمامنا مسيرة ساعة ونصف الساعة، لذا كنا نسيّر دوابنا بسرعة، وقد لفت انتباهي أثناء مسيرنا واحة واسعة بها مياه كثيرة، وقد لفتت هذه الواحة انتباهي لأنني كنت أعلم أن جزيرة البحرين لم يكن بها نبع مائي واسع بهذه الدرجة. في الحقيقة قالوا إن هذه المياه نابعةٌ من البحر، وانه كان يتم سقي حدائق النخيل منها؛ حيث كانوا يمررون المياه حول الأشجار، وبذلك لا تصل المياه إلى جذور النخيل فتُفسد التمر، وصادفنا بعد ذلك عدة منابع مائية، ورأينا المنبع المتجه إلى المنامة».

«وصلنا إلى أطراف قصبة المنامة مع غروب الشمس، وفي صباح يوم الجمعة استيقظت مبكراً، وأحضروا لنا صحناً به بيض مطهو وخبز وعسل وزبد. أكلت من الخبز (المنامي) الكثير وحمدت الله أنني رأيت هذه النعمة العظيمة، لأنني عندما عدت من البصرة وأقمت في الهفوف لمدة سبعة أشهر كنت مضطراً لأكل خبز ردئ، أما الخبز اللذيذ الذي أكلته في البحرين (بالمنامة) ففي رأيي أنه خاص بموائد الكبراء فقط».

كانت تلك مقتطفات من وثيقة تركية هي عبارة عن يوميات رحلة للمفتش العثماني (علي سَعاد) في الخليج والجزيرة العربية عام 1327 هـ (1909 م)، كلّفه بها السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، للقيام بأعمال التفتيش بتلك المناطق، مع أن البحرين لم تكن ضمن السيطرة العثمانية آنذاك. وما ذكره حول المنبع المتجه للمنامة؛ يؤكد مرة أخرى ما أشرنا إليه الأسبوع الماضي من وجود «نهر» يمرّ وسط المنامة. وهذه المنامة التي يذكرها المفتش العثماني ليست المنامة القديمة جداً بل ضاحيتها الممتدة من الأصل، والتي أصبحت هي (المنامة الحالية)، أما ضواحيها في شارع البديع وجدحفص، وسنابس، والخميس والبلاد القديم، وغيرها؛ والتي تشير بعض وثائق وكتب التاريخ إلي أنها كانت أصل المنامة، أضحت قرى عادت بأسمائها الأولى حالياً.

والغريب أن بعض الذين تابعوا الموضوع السابق استغربوا هذا الاهتمام بالمنامة وكأنها لندن أو باريس كما ذكروا، ولا يعلم أصحاب هذا الرأي بأن البرتغاليين، عن طريق اهتمامهم بتأريخ قرية صغيرة جداً للرعاة، تدعي فاطمة ((Fatima، في شمال العاصمة لشبونة، جعلوا منها قبلة الحجاج المسيحيين طوال العام، بل والسياح من جميع أنحاء العالم، مع أن أصول تلك القرية إسلامية!

ونؤكد مرة أخرى بأن المنامة، العاصمة السياسية والثقافية للبحرين كما هو مفترض، قد ظلمها التاريخ، فلم يتم تأريخ نشأتها وتطوّرها حتى اليوم، كما فعلت معظم المدن العربية العريقة، على يد باحثين متخصصين أفراداً كانوا أو مراكز بحوث.

كما نعود لحث الكتّاب والجمعيات الثقافية بالعاصمة، كما يحاول بعضها منفرداً الآن، لوضع مشروع تأريخي بدعم سخي من أعيان العاصمة وكبرائها، للبحث وتدوين تأريخ عاصمتهم كما كانت، وهذا ليس بأمر صعب إن خلُصت النوايا وتكاتفت الأيادي النقية التقية حباً في الوطن ومدنه وقراه، وجذورها الضاربة في هذه الأرض.

فمعظم جيل اليوم لا يعرف أين هي المنامة الأصل؟ وأين كانت حدودها؟ كما يجري الخلط، تحت قلم بعض الكُتاب، بين المنامة وبين البلاد القديم عاصمة البحرين التاريخية لقرون سابقة، فيعتبرون البلاد القديم هي المنامة. وسبب ذلك ما ذكرته بعض الوثائق التركية إبان الفترة العثمانية في الإحساء والخليج. فهناك وثيقة تركية تعود لحملة مصطفى باشا والي الاحساء العثماني لعام 1559 ذُكر فيها اسم المنامة، ولكن كان المقصود في تلك الوثيقة لمن يدقق بها جيداً، المنطقة المحيطة بقلعة البحرين وقراها. لأن الوثيقة التركية تحدّثت عن حصار مصطفى باشا لقلعة المنامة، «ونتيجة لهذه الأحداث رفع الحصار عن قلعة المنامة وانسحبت القوات لموقع لا تصل إليه نيران المدافع»، ويُقصد بها المدافع البرتغالية من السفن البحرية المحاصرة للساحل المواجه لمنطقة القلعة في كرانة.

والمعروف أن الحملة العثمانية على البحرين في ذاك العام لم تتعدى محيط قلعة البحرين القديمة باعتبارها كانت منطقة وعاصمة الحكم وامتدادها هي ضواحيها في جدحفص، وسنابس، والبلاد القديم، والخميس، وبقية القرى القريبة. وهذا ما دفع بعض الكتاب، وليس المؤرخين، لاعتبار البلاد القديم هي المنامة. ومما يؤكد أن المنامة القديمة كانت تسمية أوسع شمولاً من الحالية، أن هناك وثيقةً تركيةً ثانيةً مؤرخة في 983 هـ (1575 م)، ذكرت بشكل مقتضب «ضرورة إنشاء برج قوي مواجهاً هذه القلعة بميناء منامة في البحرين، وتأسيس مركز آخر في القطيف للمهمات والذخائر واللوازمات الضرورية لإنشاء تلك البرج في الميناء المذكور (أي المنامة)».

وكذلك الخلط في أوراق تأريخ المنامة، عند البعض، عند قراءة ما كتبه الشاعر جعفر الخطي في إحدى قصائده العام 1599، يمدح فيها مسئول الهرامزة في البحرين «الخواجة إبراهيم»، وجاء فيها ذكر للمنامة ولكن أية منامة؟

قل لأعلى الورى محلاً ورتبة

وأجلّ الأنام قدراً وأنبه

والكريم الذي بنى لذوي الآمال

في ساحة المنامة كعبة

وبما أن ذكر المنامة جاء في القرن السادس عشر للميلاد فليس المقصود - كما تصوّر البعض- هو مسجد الخواجة، لأن لقب الخواجة كان شائعاً ذلك الوقت لكبار التجار الذين ترقي منهم من وصل لقيادة لبلادهم، كما حدث للخواجة عطّار مثلاً في هرمز زمن وصول البرتغاليين إليها، في العقد الأول من القرن السادس عشر للميلاد. فيكون هذا المسجد الموصوف بالكعبة في المنامة القديمة أي ضواحيها الآن، من قرى البلاد والقلعة، والخميس، وجدحفص، وسنابس، وغيرها.

فمن المسئول عن مظلومية المنامة على مر العصور، حتى في طريقة وصحة تدوين تاريخها العظيم الثري؟ هل هي الدولة أم الناس من أهاليها؟ أم هي سمة التطور المدني والحضري؟ ومتى كان التطور يقضي على حضارات المدن العريقة؟ ولماذا مثل هذا التطور لم يقضِ على مدنٍ مثل لندن، وباريس، ولشبونة، وقرطبة الاسبانية، وغيرها، حيث بقيت محافظةً على مواقعها التاريخية التراثية لدرجة وجود أحياء إسلامية في تلك المدن لم تتغير منذ انحسار المد الإسلامي العسكري والسياسي عنها، فما بالنا نحن وتاريخنا؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4063 - الإثنين 21 أكتوبر 2013م الموافق 16 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:18 ص

      الوثيقة التركية لم تذكر قلعة المنامة

      أرجو أن تصل هذه إلى الأستاذ الفاضل محمد السلمان ... الوثيقة التركية لم تذكر حصار قلعة المنامة ... بل إنها لم تسمي القلعة باسم قلعة المنامة ... بل كان هذا إجتهاداً من كل أورهانو وأوزبران التي نشرت في دراسات لهما في الستينيات ... الوثيقة ذكرت أن ميناء البحرين هو المنامة وأن بها قلعة ... ولم تذكر أن القلعة التي حوصرت هي المنامة .... هناك دراسة لفيصل الكندري نشرت في العام 1995م عن هذه الحملة .. ويذكر هذا في حواشي بحثه .. ويمكن الرجوع له ... تحياتي

    • زائر 4 | 8:58 ص

      م أ

      السنابس وليس ( سنابس) للتصحيح .

    • زائر 3 | 1:26 ص

      مظلومية التاريخ وتاريخ المظالم!

      تاريخ هذه الجزيره الخضراء سابقا ليس بسر لكن أعرق من تصور موزوري التاريخ – يعني إعتداء على التاريخ وإعتداء على الناس وإعتداء على المساجد. هنا المساجد في البحرين ليست قليله لكن لكل مسجد دفن في موضع سجوده. أو قد يكون قتل وإكراما له دفن في موضع وبني عليه مسجد وظريف تخليد لذكراه. ومن هذه المساجد مسجد شيخ عزيز ومسجد صعصعه ,اممير زيد أبناء صوحان والشيخ ميثم. إلا أن مشهد أبو زيدان يبقى سر من الأسرار. قال جحا ليش مصكوك أو مغلق؟

    • زائر 2 | 12:59 ص

      حدث ولا حرج عن ظلم وظلامة أهل البحرين!

      يقال البادي أظلم يعني إبتدأ بالظلم! هنا المنامه كما البحرين من ظلم الى ظلم. يعني المعتدون على البحرين ليسوا قليل منهما أتراك وإنتداب برطماني واليوم أمريكان. فصفحات التاريخ تشهد وشهدت قتل وإعتداء على هذا الشعب المظلوم ولا يعرف ليش؟ يقال موقعها الجغرافي من المغريات ويقال بسبب ثرواتها و....

    • زائر 1 | 12:55 ص

      المنامة

      المنامة في الصباح فقط وبع الساعة الثالثة - تقدر إتقول عنها "مدراس"

اقرأ ايضاً