بعد أن اقترب العالم من القضاء على شلل الأطفال سمحت الحرب في سوريا للمرض المعوق بأن يرسخ وجوده مرة أخرى مهددا بقية المنطقة وكذلك خطط استئصال شأفته عالميا.
وكثيرا ما أعاقت الحرب والاضطرابات والفقر الصراع الطويل ضد شلل الأطفال لكن الخبراء يقولون إن هذه العقبات يمكن التغلب عليها حتى في سوريا حيث يستفيد الفيروس شديد العدوى من تراجع معدلات التحصين بسبب القتال.
ويقول سيدهارت تشاترجي وهو متخصص في شلل الأطفال حارب المرض كثيرا من المرات في مناطق الصراعات إن مفتاح النجاح هو إبعاد السياسة عن الصحة العامة والتركيز على إنقاذ حياة الأطفال.
ويمكن لشلل الأطفال أن ينتشر بسرعة بين الأطفال دون سن الخامسة.
وقال تشاترجي وهو رئيس برامج الشراكة الاستراتيجية في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر "المسألة هي الطبيعة المحايدة والمتجردة والمستقلة للرعاية الصحية."
وأضاف "من الضروري أن تتحدث مع كل الأشرار وكل الأخيار وكل الزعماء الدينيين وكل من له أي شكل من أشكال التأثير على المجتمع. المسألة هي الفصل بين السياسة والأطفال."
وظهور حالات إصابة بمرض شلل الأطفال وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية اليوم الثلاثاء مماثل على نحو كئيب لحالات عودة المرض السابقة في بلدان مثل السودان وكولومبيا حيث استغل الفيروس الذي كان قد قضي عليه فرصة الحرب والفقر ليعود.
ويسهل انتقال عدوى شلل الأطفال من شخص لآخر. وتحذر منظمة الصحة العالمية من أنه ما دام هناك طفل واحد مصاب فالأطفال في كل مكان مهددون.
وينتقل الفيروس عن طريق الطعام والشراب الملوث ويمكن أن ينتشر بسرعة بين الاطفال خصوصا في الظروف غير الصحية التي يعيش فيها النازحون في سوريا أو في مخيمات اللاجئين المزدحمة في الدول المجاورة.
لكن برامج التطعيم المتكررة والوافية يمكن أن تقضي تماما على المرض كما تبين في الحملة العالمية الناجحة للقضاء على شلل الأطفال التي خفضت عدد الحالات عالميا بنسبة 99.9 بالمئة منذ عام 1985 من 350 ألف حالة إلى 223 حالة العام الماضي.
وقالت جماعات صحية في أبريل نيسان إنه يمكن لخطة للتطعيم والمراقبة ميزانيتها 5.5 مليار دولار القضاء التام على شلل الأطفال بحلول عام 2018 لكن ظهور حالات إصابة جديدة في باكستان والصومال ومعاودة ظهور المرض في سوريا تهدد ذلك الجدول الزمني.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأنه لم تظهر حالات إصابة بشلل الأطفال في سوريا منذ عام 1999 لكن الحرب جلبت معها الفقر والعنف والتهجير لملايين السوريين. ولم يتأخر شلل الأطفال بدوره عن الظهور في القائمة.
وقالت وزارة الصحة السورية في 19 أكتوبر تشرين الأول إن 22 طفلا في محافظة دير الزور في شمال شرق البلاد أصيبوا بأعراض مماثلة لأعراض شلل الأطفال. وتمكن معمل منظمة الصحة العالمية في تونس من عزل فبروس شلل الأطفال في عينات أخذت من عشرة مصابين.
وفي الصومال الذي لم تظهر فيه حالات إصابة لما يقرب من ستة أعوام عاود الفيروس الظهور مستغلا الصراع وعدم الاستقرار السياسي في مناطق يتعذر وصول حملات التطعيم التي تنظمها الحكومة إليها.
وقال جون رودس خبير اللقاحات والتحصين الذي ألف كتابا عنوانه نهاية الأوبئة "من الصعب للغاية الوصول إلى السكان من البدو الرحل... حتى في الأحوال العادية."
وتابع "ولذلك عندما يكون هناك صراع ويصبح من المتعذر وصول فرق التطعيم إلى بعض المناطق يصبح الأمر شديد الصعوبة حقا."
وحث تشاترجي - وهو ضابط سابق في القوات الخاصة الهندية أصيب وهو طفل بشلل الأطفال ونجا منه - مسئولي الصحة العامة العالميين ومانحي المعونة لجهود محاربة شلل الأطفال على ألا يصابوا باليأس رغم عودة ظهور المرض.
وقال لرويترز "حتى في مكان مثل سوريا حيث نستطيع أن نرى ان الأوضاع صارت مهلكة النجاح ليس مستحيلا.
فعلناها في دارفور وفعلناها في مناطق أخرى في السودان. لا شك أن الحرب تجلب معها تحديات إضافية لكن التغلب عليها ليس مستحيلا."
وقال إن التواصل مع العاملين في مجال الصحة والمتطوعين في المجتمعات المحلية على جانبي أي انقسام سياسي أو عرقي أو ديني ضروري للنجاح.
ويتفق بروس ايلوورد المدير العام المساعد بمنظمة الصحة العالمية لقسم شلل الأطفال والطوارئ والتعاون القطري مع الرأي الذي يرى أنه على الرغم من الانتكاسة فمن المرجح التغلب على عودة ظهور الفيروس في سوريا من خلال حملة للقضاء عليه تتسم بالعزيمة وجيدة التجهيز.