العدد 4072 - الأربعاء 30 أكتوبر 2013م الموافق 25 ذي الحجة 1434هـ

العلاقة بين الأم والطفل... أسرار وأحاسيس

لها حصانة وجدانية ومعرفية وسلوكية...

تذهب الباحثة اللبنانية ناديا فخري في شرحها للعلاقة بين الأم والطفل إلى جوانب تتصل بما ستكون عليه حياة الطفل، فعلاوةً على حاجة الطفل إلى أم تحتضنه بودّ ومحبة وتواكب احتياجاته حسب مراحل نموّه، إلا أن مشاعر الأم هنا يضاعف من تعميق إحساسه بالطمأنينة والرضا، فهي ترى أن من المهم جداً أن تكون الأم صديقة لابنها، تشاركه أحلامه ومشاعره، خاصة في المراحل المبكرة من عمره، فالتواصل القوي بين الأم والطفل من أهم العوامل التي يرتكز عليها نموّ الطفل السليم، والذي يشكل وقاية ضد العديد من السلوكيات السلبية.

وترى الباحثة أن العلاقة الحميمة بين الأم والطفل تعزز لديه الثقة بالنفس وتكسبه حصانة وجدانية ومعرفية، وتجعله قادراً على استغلال طاقاته الذاتية بصورة أفضل إذ إن وجود الأم الدائم إلى جانب أولادها وتفرّغها للاعتناء بهم وتلبية احتياجاتهم يساهم في تأهيلهم تأهيلاً إيجابياً وبناءً، والتوجيه عنصر مطلوب في مجال التنشئة الأسرية، ونحن من خلاله نخاطب ضمير الطفل وأحاسيسه وخياله، ونعتمد عليه في تهذيب سلوكه وتدريبه على السمات السلوكية التي تُهيِّئه تهيئة مثالية يكتسب فيها النضج الكافي كي يدرك ما هو الصواب وما هو الخطأ، خصوصاً في سنوات الطفولة والحداثة، حيث يجب أن نرسم إطاراً محدداً لتصرفات أولادنا يوضّح لهم الخطوط الحمراء التي لا يحق لهم تجاوزها.

خطوات مهمة

أهم خطوة مطلوبة في تربية الأبناء هي أن تكون الأم دافئة، حنونة، مستمعة، وفي الوقت نفسه محاورة ومنطقية، تعرف كيف تمزج بين السلطة والتسامح، فلا يجوز أن تكون قاضية في كل وقت فلا يمر يوم على الطفل من دون عقاب، ولا يجوز أيضاً أن تكون متساهلة ومتسامحة لدرجة مبالغ فيها. فنحن حين نطالب بإشراف الأم باستمرار على نشاطات طفلها وتحركاته، خاصة في مراحل الطفولة المبكرة، نعني بذلك ألا تُهمل الأم ابنها، لتتأكد أنه لا توجد مصاعب في حياة الطفل أو مخاطر قد تؤدي إلى أذيته... وأفضل الأمهات هي التي تشجّع ابنها إلى الانطلاق في الاتجاهات الصحيحة، والتي توفّر له المناخات الغنية بالدفء والطمأنينة، لأن هذا الشعور الآمن يكسبه حيوية متدفقة، ويساعد على ضبط مشاعره وردود فعله حيال المسائل المرفوضة لديه. وشيئاً فشيئاً يبدأ الابن بتصحيح مفاهيمه وترجمة الأمور ترجمة صحيحة، فالطفل لا يتقبل نقاط ضعفه إلا إذا تعلّم كيف يعالج نفسه منها... والأم هي المسئولة عن تصحيح أخطاء الطفل.

كيف نتعامل مع أولادنا؟

لكل مرحلة من مراحل النمو احتياجاتها الخاصة، وعلى الأم أن تكون متفهمة وصبورة ومتعاونة، لأن الأطفال يتأثرون بالمعطيات التي تتوافر لهم خلال مراحل نموّهم. وكل إهمال من قبل الأم يجعل الطفل متوتراً وغير قادر على التحكّم في انفعالاته، يخاف من كل شيء ويرفض كل شيء، وأحياناً يتحوّل إلى طفل خجول أو إلى طفل مشاغب وفوضوي، فللأطفال حاجات ومطالب وحين تعجز الأم عن تلبيتها يشعر الابن بالإخفاق وعدم القدرة على التكيّف في بيئة لا تُشبع كل حاجاته.

وترى الباحثة فخري أن التعامل مع الأطفال بين عمر السنتين والست سنوات، يجب أن يتسم بالحذر الشديد، لأن هذه المرحلة من عمر الأطفال غاية في الدقة والحساسية، وتعتبر أهم محطة في حياة الأبناء، باعتبار أن الطفل يتعلّم فيها القيم الأخلاقية، ويتسوّق مفاهيمه، وينمو خياله وتنضج مشاعره، ويكوّن تفكيراً قابلاً للاستيعاب والتركيز والتمييز. ومما يذكر أن العاطفة تتغلب على المنطق عند أطفال هذه المرحلة... وفي المقابل، يميل الطفل إلى أن يكون له عالمه الخاص به ليشعر بالاستقلالية، ولهذا الشعور بريق خاص عند الأطفال بين عمر السنتين والست سنوات، ثم إن الطفل في هذه المرحلة يكون عفوياً ومتقلّب المزاج، وتبرز عنده العواطف المعقدة: «الإحساس بعقدة النقص والذنب، الغضب والخوف، الحسد والغيرة»، وهذه المشاعر هي ردود فعل لا إرادية يجد فيها الطفل متنفساً له للتعبير عما يختلج في أعماقه من أحاسيس محبطة يكتمها، ويرفضها في وقت واحد.

وهناك تساؤلات عديدة تطرحها الباحثة منها: «كيف نساعد الطفل على تخطي تحديات نموّه العاطفي والفكري؟ وما هي الأسباب التي تثير في الأطفال مشاعر الغضب والغيرة؟ ولماذا يحتفظ بعض الأطفال بنمط النمو السلوكي الذي تميّز به في طفولته، والبعض الآخر يتحوّل إلى شخص آخر يختلف سلوكه كلياً عمّا كان عليه في طفولته؟ وإلى أي مدى يؤثر الدور الذي تلعبه الأم في حياة الأطفال؟

إن الأسئلة المطروحة في هذا الإطار لا يمكن حصرها، فالطفولة هي الأرض الخصبة التي من خلالها تبدأ رحلتنا الطويلة مع الحياة رجالاً وأمهات، فكل أم تحلم بطفل مثالي هادئ الطباع ومطيع لا يخطئ التصرّف، وتشعر بخيبة أمل حين تشعر أن طفلها خارج إطار الصورة التي رسمتها له، وهنا نذكّر الأم، بأن قدرة الطفل على ضبط عواطفه وسلوكه يكتسبها عن طريق مراقبته للراشدين من حوله، والأم هي النموذج الأول الذي يتخذه الطفل مثالاً له ويقوم بتقليده...

العدد 4072 - الأربعاء 30 أكتوبر 2013م الموافق 25 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً