العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ

الأخطاء الطبية - ونسبة هذه الأخطاء للمنظومة العلاجية حقيقة أو اجتهاد خاطئ

أحمد سالم العريض comments [at] alwasatnews.com

استشاري أمراض وزراعة الكلى

زادت الشكاوى ضد الأطباء خلال السنوات الثلاث الماضية حيث كانت نادرة الوقوع في الماضي. ولكن أمام انتشار المراكز العلاجية وتعدد المستشفيات وتوسع خدمة الاختيار والتردد على أكثر من طبيب، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الوعي الصحي لدى المرضى وذويهم وإدراك الطرق العلاجية الحديثة والإلمام ببعض المعلومات الصحية العامة فقد بدأت القضايا الموجهة ضد الأطباء والمستشفيات تزداد بدرجة ملحوظة ما استدعى إنشاء مؤسسات للمراقبة العلاجية، وكان لإنشاء الهيئة العامة لمراقبة المهن الطبية إحدى ثمار التطور الحضاري في هذا المجال.

ولقد كان لتصريح رئيس هذه الهيئة العامة للتراخيص الطبية بهاء فتيحة بشأن وفاة الطفلة (فاطمة) حيث توفيت في المستشفى نتيجة خطأ طبي خلال إجراء عملية لها - فبدل أن توضع المسئولية الجنائية على رئيس القسم أو الاستشاري المسئول عن تخدير المريضة اتجه التحقيق للقول بأن الخطأ كان نتيجة أخطاء متراكمة للمنظومة العلاجية التي باشرت علاج هذه الطفلة.

بمعنى أن المسئولين عن هذه المنظومة العلاجية والصحية تشمل كبار المسئولين الذين يديرون هذه المنظومة في مجمع السلمانية الطبي وهي تدار من قبل الرئيس الأعلى للمنظومة رئيس المجلس الأعلى للخدمات الطبية محمد بن عبدالله بن خالد ووزير الصحة صادق الشهابي وفتيحة نفسه ووكيل وزارة الصحة عائشة بوعنق وبقية الوكلاء والوكلاء المساعدين وكذلك رؤساء الأقسام وغيرهم.

وبهذا يضيع حق المتوفاة بين هؤلاء... ويخرج التحقيق ليضع علامة استفهام كبيرة؛ لأنه قد استخدم الخطأ ضد منظومة علاجية كاملة.

فتوزيع مسئولية الخطأ الطبي على جميع هؤلاء الذين يديرون «المنظومة العلاجية» يذكرني بما حدث لإمبراطور روما يوليوس قيصر عندما أراد قواد جيشه التخلص منه لأنه أراد تطبيق الديمقراطية في اليونان وكانت آخر طعنة تلقاها من حارسه الخاص قائد حمايته وحافظ أسراره بروتوس، قال يوليوس قيصر الروم كلمته الأخيرة «حتى أنت يا بروتوس» ووزعت مسئولية قتله على المنظومة القاتلة كلها فضاع دمه بينهم.

فإلقاء المسئولية عن الأخطاء الطبية على الجميع، وعدم تحميل فرد بعينه عن الأخطاء الطبية التي تؤدي إلى وفاة مريض أو إصابته بعاهة مستديمة يخالف القوانين والدساتير الطبية المعمول بها في العالم.

فما هي مسئولية الطبيب؟

أولاً - مسئولية الطبيب (المسئولية المهنية)

قسمت اللوائح التنظيمية الصادرة بهذا الشأن المسئولية المهنية إلى ثلاثة أقسام، هي: المسئولية المهنية - المسئولية الجزائية - والمسئولية التأديبية. وسأستعرض باختصار بعض الأمثلة على كل قسم، ليتضح المقصود. ويمكن الرجوع إلى اللوائح الأساسية لنظام مزاولة الطب البشري وطب الأسنان.

أ- المسئولية المهنية.

وهي مسئولية الطبيب تجاه حدوث خطأ مهني يترتب عليه ضرر بالمريض مثل:

1 - الخطأ في العلاج أو نقص المتابعة.

2 - الجهل بأمور فنية يفترض أن تكون معروفة لدى ذلك المريض والطبيب.

3 - استعمال آلات أو أجهزة من دون المعرفة بطرق استعمالها.

4 - التقصير في الرقابة والإشراف على الأطباء المساعدين والمتدربين.

5 - عدم استشارة من تستدعي حالة المريض استشارته من الأطباء الآخرين.

ب - المسئولية الجزائية:

أما المسئولية الجزائية فتتضمن مسئولية الطبيب عند مخالفته الأنظمة واللوائح والتعليمات الصادرة بنظم مزاولة المهنة الطبية سواء حدث ضرر للمريض بسبب هذه المخالفة أو لم يحدث، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي

1 - مزاولة المهنة من دون ترخيص.

2 - ممارسة طرق التشخيص أو العلاج غير المعترف به علميّاً وعالميّاً.

3 - قيام الطبيب في غير حالة الضرورة بعمل يتجاوز اختصاصه ومقدرته.

4 - إنهاء حياة مريض ميئوس من شفائه، ولو كان ذلك بطلب ذويه أو طلبه.

5 - إجهاض المرأة الحامل من دون ضرورة لإنقاذ حياتها.

ج - المسئولية التأديبية:

وهي الإخلال بأحد الواجبات أو مخالفة أصول المهنة أو التصرف بما يعد خروجاً على مقتضيات المهنة الطبية وآدابها.

مثلاً:

1 - تسجيل ألقاب طبية أو علمية لم يحصل عليها.

2 - الجمع بين مزاولة مهنة الطب، وبين مهنة الصيدلة أو بيع أدوية.

3 - توجيه المريض إلى صيدلية أو مستشفى أو مختبر محدد.

4 - طلب أو قبول أو أخذ عمولة أو مكافأة، أو الحصول على أية منفعة لقاء الترويج أو الالتزام بصرف أدوية أو أجهزة معينة.

إثبات مسئولية الطبيب

المناط في مسئولية الطبيب عن الضرر الحاصل للمريض هو أن يثبت بصفة أكيدة وواضحة أنه خالف الأصول الطبية العلمية الثابتة والمتعارف عليها نظريّاً وعلميّاً بين الأطباء والتي يجب أن يلمَّ بها كل طبيب وقت قيامه بالعمل الطبي بحسب نوعية هذا العمل.

ولكي تنعقد مسئولية الطبيب تجاه المريض لا بد أن يثبت بما لا مجال فيه للشك أن سلوكه الذي خالف فيه الأصول الطبية هو السبب المباشر لما لحق بالمريض من أضرار، ومن المسلَّم به أن كل عمل طبيب يتضمن جانباً من احتمالات الفشل ولا يسأل الطبيب عن الأضرار الناتجة عن ذلك متى قام بعمله على الوجه الصحيح مراعياً تقاليد المهنة وآدابها. والعناية المطلوبة من الطبيب تقتضي أن يبذل لمريضه جهوداً صادقة يقظة تتفق في غير الظروف الاستثنائية - مع الأصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي ولا يقع من طبيب في مستواه المهني وجد في الظروف الخارجية نفسها التي أحاطت المسئول. ولا يكون الطبيب مسئولاً عن النتيجة التي يصل إليها المريض إذا تبين أنه بذل العناية اللازمة ولجأ إلى جميع الوسائل التي يستطيعها من كان في مثل ظروفه لتشخيص المرض أو علاجه.

ومخالفة هذه الأصول العلمية الثابتة قد تحدث بأحد الأسباب الآتية:

1 - الخطأ المحض:

وهو أن يقوم الطبيب بعمل طبي لتشخيص أو علاج المريض ثم يتسبب بضرر في جسم المريض من دون قصد منه وبغير إهمال أو تقصير أو نقص في المعلومات أو ما شابه ذلك مثل أن يخطئ الطبيب في حساب كمية جرعة الدواء للمريض. أو تزل يد الجراح فتقطع شرياناً أو عضواً من أعضاء الجسم. وفي هذه الحالة إن تسبب خطأ الطبيب في وفاة المريض أو فقد عضواً من أعضائه أو فقد منفعته في الحق الخاص يدفع الديه أو التعويض للمريض أو ذويه طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية لكن لا تطبق عليه أية عقوبة إضافية تأديبية في الحق العام.

2 - الجهل أو الإهمال أو التهاون أو التقصير:

أما الجهل او الإهمال أو التهاون أو التقصير في طرق العلاج والتشخيص إذا نتج عنه ضرر بالمريض هنا يضمن الحق الخاص (دية ... تعويض) وكذلك تطبق عليه عقوبة الحق العام الواردة في المسئولية الجزائية والتأديبية.

3 - الاعتداء أو العمد:

وإن كان هذا مستبعداً أن يحدث من الطبيب إلا أن بثبوت حصول الضرر بهذه الطريقة يؤدي بالمخالفة الطبية إلى أن تدخل في دائرة الجريمة.

أما إذا حصل للمريض الضرر من دون أن تكون هناك مخالفة للأصول الطبية بأي من أشكالها سواء الخطأ المحض أو الجهل أو الاعتداء، فلا يعتبر الطبيب مسئولاً أو ضامناً. ومثال ذلك أن تحدث للمريض مضاعفات متعارف عليها طبيّاً أو أن يقوم الطبيب بالتشخيص الصحيح والعلاج الطبي بالأدوية الفعالة وعلى رغم ذلك يموت المريض. ففي هذه الحالات وما شابهها لا يدان الطبيب ولا يضام وإن اللجنة الشرعية المخول لها التحقيق تنظر في أي قضية مقدمة إليها بتمعن وتفحص جميع ملابسات هذه القضية حتى تصل إلى حقيقة ما حدث لتستطيع إصدار قرارها بكل عدل وموضوعية.

فلا توجد في هذه القوانين التي ذكرتها أي ذكر لإلقاء المسئولية عن الأخطاء الطبية على المنظومة العلاجية أو محاولة توزيع المسئولية على عدة أشخاص حتى لا يضيع الحق العام أو الخاص إن وجد.

وأني والكثير من المراقبين نتفق تماماً على اختلال المنظومة العلاجية في السنوات الأخيرة وذلك نتيجة للإبعاد القسري للكوادر الطبية المؤهلة وذات الخبرة من أطباء وهيئات تمريضية ومساعدي أطباء ورؤساء أقسام في معظم الدوائر العلاجية الأساسية والمساعدة.

ونتيجتها ظهرت الآن بتردي تقديم الخدمات العلاجية ما نتجت عنه زيادة في الأخطاء الطبية وتعرض المريض لهذا الكم غير المعهود في ارتفاع معدل الوفيات نتيجة هذه الأخطاء في مرافق المنظومة العلاجية في البحرين وقد حل مكان هذه الطواقم العلاجية طواقم أخرى أقل خبرة وتجربة من داخل البحرين وخارجها.

نعم المنظومة العلاجية في حاجة للمراجعة والإصلاح فقد انهارت هذه المنظومة الصحية التي سعى لبنائها حكام البحرين ووضع لبناتها الأولى المغفور له الشيخ عيسى بن علي وواصل مسيرتها المغفور لهما حمد بن عيسى وسلمان بن حمد آل خليفة واعتمد في بنائها على رجال مثل مستشار حكومة البحرين السير تشارلي بلغريف والدكتور سنو والدكتور علي فخرو والأستاذ جواد العريض خلال القرن الماضي.

فهل بإمكانكم أيها المسئولون إنقاذ هذه المنظومة العلاجية؟

المراجع:

1 - اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان - وزارة الصحة قرار وزاري رقم 288/17/ل وتاريخ 26/6/1410هـ (السعودي)

2 - أحكام الجراحة الطبية د. محمد الشنقيطي، الطبعة الأولى طبعة مكتبة الصديق 1413هـ

3 - مسئولية الطبيب وإدارة المرفق الصحي العام دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي. د. أحمد شرف الدين - الكويت 1983م.

4 - مجلة بشاير - العدد الأول سنة 2000.

إقرأ أيضا لـ "أحمد سالم العريض"

العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:53 م

      تسلم يا دكتور

      نعم لقد تردت الخدمات الصحية وزادت الأخطاء وحالات الوفاة نتيجة خطا طبي وذلك بسبب إقصاء الكفائات من اطباء وممرضين وجميع الكادر وإحلال. طاقم جديد من غير خبرات ولا كفاءات وبنفس طائفي كيف يا ناس توظيف عائلة كاملة لرئيسة تمريض المراكز ومعظم عائلتها من غير شهادات البعض حتى ثانوي لا يوجد لديهم وإقصاء جميع مسؤلات المراكز ابعادهم من مناصبهم وإحلال ممرضات عديمي الخبرة اين انت يا وزير الصحة من ها المهزلة في وزارتك

اقرأ ايضاً