العدد 4084 - الإثنين 11 نوفمبر 2013م الموافق 07 محرم 1435هـ

يوم فلقة القمر واستجابة المطالب

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ها هي الأيام تتوالى منذ ذلك الزمان وحتى اليوم، ومازالت نفس حرارة ذاك الاستشهاد الإنساني العظيم كأنها حدثت البارحة؛ والغريب أن الأيام التي نعيشها محلياً هي تُشبه تلك التي لم نعشها من قبل، ولا نعلم هل ستُشبه الأيام التي لم نعشها بعد؟

فحولنا شباب كُثر، في عمر الزهور وبعضهم لم يتفتح بعد، حدث لهم ما حدث في اليوم الثامن من محرم، ونحن نرى أمه الثكلى به تتذكره في مثل هذا اليوم. وهو اليوم المخصّص لغُلام لم يبلغ الحُلم، كما تقول الروايات عن واقعة كربلاء، ويُشبه الإمام الحسن (ع) كثيراً، وقد وصفه المؤرخون بأنه كالقمر في جمال طلعته وبهائه. تربى على يد أبيه الإمام الحسن (ع) لمدة ثلاثة أعوام فقط، ثم تولّى تربيته أبو عبد الله الحسين (ع) لمدة عشرة أعوام تقريباً، وهو يغذّيه بمواهبه، ويغمره بأشعة روحه، حتى صار من أمثلة الضياء والعلم والأدب.

تخرّج القاسم بن الحسن من «مدرسة آل البيت» مؤمناً مجاهداً وهو في سن الثالثة عشر فقط. في عمره ذاك سمع، وهو في خيام يوم عاشوراء، نداء عمه الحسين (ع) يوم العاشر من محرم، بعد استشهاد كل أصحابه وأخوته، وأبناء عمومته، وأولاد أخيه؛ يستحث الهمم ليلقي الحجة على أعدائه علهم يستفيقون من سكرتهم، فنادى بعالي صوته: أما من ناصر ينصرنا؟ أما من ذابٍّ يذب عن بنات رسول الله؟ فلم يتوانى فلقة القمر الهاشمي عن تلبية نداء عمّه أمام إصرار المعسكر الآخر على اتباع خطوات الطغاة حتى النفس الأخير، والصمم قد ران على سمعهم، والعمى قد غلف أبصارهم، في ذاك اليوم، طمعاً في حطام الدنيا فقط.

ومن غريب مصادفات الأيام أن يكون يوم الثامن من محرم يحمل هو الآخر مناسبة قاسية جداً على جد الإمام الحسين (ع)، الرسول محمد (ص). كان ذلك في السنة الثامنة للبعثة النبوية، يوم بدأ حصار النبي وبني هاشم في شعب أبي طالب من قبل مشركي قريش ولمدة ثلاث سنوات، وها هو الحسين محاصرٌ في قفر كربلاء بلا ماء ولا طعام، فيا لتشابه الأيام وحكمتها.

وكما قيل في الأثر، في اليوم الثامن من محرم أيضاً، ألمت بالمسلمين فاجعة أخرى ارتكبتها نفس السلطة التي أحدثت مذبحة كربلاء؛ وهي واقعة الحرة، أو ثورة أهل المدينة على تلك السلطة عام 63 هـ، بسبب كثرة الظلم والفساد والانحراف عن جادة الدين القويم. وكما يذكر ابن الأثير في «الكامل»، بأن قائد السلطة الذي أُرسل لإخماد تلك الثورة «..أباح مسلم بن عُقبة المدينة لجيشه ثلاثاً، يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، فأفزع ذلك من بها من الصحابة». بل يذكر بعض المؤرخين بأنه قتل في ذاك اليوم أكثر من 700 إنسان مسلم من وجوه المهاجرين والأنصار وحملة القرآن... فيا لتشابه الأيام وحكمتها على أرض الواقع.

من هنا يجب أن ندقّق النظر في أحد أسباب ثورة الحسين (ع) وحراكه النهضوي في طريق الإصلاح، ألا وهو الفساد والظلم والانحراف عن الدين القويم وتشويه العقيدة السمحاء، كما يحاول البعض اليوم، ولكن بسبب تخلف الأمة عن هذا الطريق الذي خطه الإمام الحسين لهم في الحياة؛ ذاقوا بعد استشهاده بسنتين فقط، مرارة الذل والهوان والاستباحة والقهر والقتل من قبل السلطة التي أمرت بذبحه هو وأهل بيته. ومن هنا نفهم لماذا استجاب الإمام الحسين (ع) لتلك الرسائل التي وصلته من الكوفة، تطلب منه تخليصها من نير تلك السلطة، وكلها تشير إلى استعداد القوم التام للترحيب بمقدمه. فلم يكن الذين دعوه شخصاً واحداً أو شخصين أو عشرة، بل إن ما وصله بلغ -عند بعض المؤرخين- ثمانية عشر ألف رسالة احتوت كل رسالة منها على تواقيع العديد من الأشخاص وصلت إلى عشرين توقيعاً في بعضها، ما يجعل مجموع الذين دعوا الحسين (ع) في حدود المئة ألف شخص، فما عساه، وهو إمام الدين، أن يفعل أمام كل هذه الدعوات وقد أتموا الحجة عليه، فكان لابد وأن يعطيهم الرد بالإيجاب.

وهنا يمكن القول بأن الحسين (ع) كان من الممكن أن يتحقق رفضه البيعة باختيار التوجه إلى جبال اليمن، كما اقترح ابن عباس وغيره عليه، وربما كان ذلك يكفي لأداء الواجب الملقى على عاتقه؛ ولكن المسألة تتعلق بالدعوة الموجهة إليه من قبل ما يربو على المئة ألف مسلم، وهذا يشكل واجباً جديداً شرعياً على الإمام عليه أن يلتزم به ويلبي الدعوة ويتم الحجة عليهم. ولو أنه كان يعلم من هم أهل الكوفة، ومدى استعدادهم للمضي إلى نهاية الشوط، فالمعارضة ليست لقلقة لسان، بل موقف والتزام ومسئولية، حتى تحقيق المطالب مهما عظُمت الأثمان.

وهنا أعطى الحسين (ع) أكبر درس لنا في الوفاء والالتزام بالقضايا المصيرية الكبرى من أجل المجتمع والإنسان والحرية والإصلاح الحقيقي، وسجّل جوابه العظيم لتلك المطالب في تاريخ البشرية منذ يوم العاشر من محرم وحتى تقوم الساعة.

وتخيلوا بأنفسكم، لو كان الحسين (ع)، قد أدار ظهره لنداءات ورسائل الناس ولم يتجه نحو العراق، ألم نكن اليوم، في محرم، بدل أن نعقد المجالس لإحياء مراسم عاشوراء، وتقدير الحسين (ع) وما قدّمه من تضحيات؛ لكانت كُتبت مئات الكتب، وعُقدت عشرات المؤتمرات، من كل الأطراف، تنتقد ذاك الموقف، والجميع يتحدث عن تقاعس الحسين (ع) استجابةً لنداءات المعارضة التي، لو تمت، كانت ستخلصهم من سلطة الظلم والفساد للأبد. فيا لتناقض الأيام، وحكمتها التي لن يعيها إلا من كان مؤمناً بقلب سليم.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4084 - الإثنين 11 نوفمبر 2013م الموافق 07 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:21 م

      كذب الموت فالحسين مخلدا

      السلام على الحسين
      السلام على علي ابن الحسين
      السلام على اولاد الحسين
      السلام على اصحاب الحسين

    • زائر 1 | 11:38 م

      السلام على المظلومين بأرض كربلاء ... لبيك يا حسين .....

      السلام عليك يا قدوة الثائرين ...... السلام عليك يا عريس كربلاء ... ألهي وسيدي وموالاي اسالك ان تقضي حوائج المحتاجين وان تفك قيد اسرانا بحرقة قلب رمله على عريسها وان تخفظ شبابنا بعينك التي لا تنام ....

اقرأ ايضاً