في مطلع العام 2011 امتلأت الميادين في عدد من البلدان العربية بالشباب الذين رفعوا شعارات استلهموها من مفاهيم الكرامة والحقوق، واهتزت المنطقة برمّتها لاعتقاد الكثيرين بأن رياح التغيير نحو الديمقراطية قد وصلت أخيراً إلينا. غير أن هناك آخرين وجدوا في «خطاب الكراهية» سبيلاً سانحاً لمقاومة هذا المد الجديد، ووَجَدْنا اتجاهات وحركات وحكومات وفضائيات ومواقع إلكترونية وتواصلاً اجتماعياً انتهزت الفرصة لإعادة توجيه الأحداث باتجاه مخالف لما طرحته الميادين العربية في مطلع 2011.

المعادون لخطاب الكرامة والحقوق شرعوا في تنفيذ مخططات تستفز بصورة متعمدة الكراهية نحو جماعات وفئات وطوائف، وتبنت نشر التصريحات والخطب العامة لإلهاب مشاعر الحقد والكراهية، وتبنت مساندة أو حتى تكوين جماعات تؤمن أن وجودها يتمثل في فناء الآخرين، واستخدمت الحكومات التي تبنت خطاب الكراهية كل ما يتوافر لها من إمكانات الدولة وسلطاتها لتجيير مشروعاتها وبرامجها وتشريعاتها وإجراءاتها بهدف الانتقام من الفئات التي تستهدفها.

مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التفتت إلى خطورة انتشار خطاب الكراهية، وبدأت في 2011 بتنظيم حلقات عمل إقليمية ضمت ممثلين عن مؤسسات دولية مثل اليونيسكو، وقانونيين دوليين وناشطين حقوقيين وإعلاميين من مُختلف مناطق العالم، وقامت بإجراء تقييم للأنماط التشريعية والممارسات القضائية والسياسات العامة، المتعلقة بمسألة التحريض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية. حلقات العمل الإقليمية عقدت في أوروبا (فيينا، فبراير 2011)، وإفريقيا (نيروبي، أبريل 2011)، وآسيا والمحيط الهادئ (بانكوك، يوليو 2011)، والأميركتين (سانتياغو، أكتوبر 2012)، ونتج عن كل ذلك «خطة عمل الرباط» التي تم الاتفاق عليها في الرباط بالمغرب في أكتوبر 2012.

وعلى أساس كل ذلك نظمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان ندوة في العاصمة الأردنية (عمَّان) في يومي 16 و17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 للتحاور مع الخبراء والحقوقيين والإعلاميين من عدد من البلدان العربية لمناقشة «خطة عمل الرباط» وتقديم توصيات للحد من خطاب الكراهية الذي يحرض على التمييز أو العداوة أو العنف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واستعراض الوسائل التي تمكّن منظمات المجتمع المدني من إنشاء ودعم آلية تهدف إلى تعزيز الحوار المتبادل بين الثقافات، وتطوير التسامح بين الديانات والطوائف والإثنيات، وقبول التنوّع واحترامه، إضافة إلى تداول الآراء حول آداب وأخلاقيات المهنة في وسائل الإعلام لتعزيز حرية التعبير واحتواء التحريض على الكراهية، وتحديد سبل تفعيل وتنفيذ توصيات خطّة عمل الرباط لنبذ خطاب الكراهية.

المجتمعون في العاصمة الأردنية رأوا في «خطة عمل الرباط» برنامجاً لسد الفراغ الحالي في أدوات وممارسات مكافحة خطاب الكراهية الذي يعاني منه حالياً العالم العربي أكثر من أي منطقة في العالم، ولعل اختيار الأمم المتحدة مدينة الرباط لإطلاق خطة العمل وتسميته باسم مدينة عربية لم يكن عبطياً، وذلك لأن حلقات العمل الإقليمية عقدت في كل أنحاء العالم، ولكن في الختام اختارت المنطقة العربية لإطلاقها والبحث مع المعنيين بهذا الأمر سبل تفعيلها في البلدان العربية التي تعاني من الخطاب الإقصائي الطائفي، والذي أصبح يهدد الأمن الاجتماعي داخل البلدان، كما يهدد الأمن الإقليمي بين البلدان أيضاً.