العدد 4116 - الجمعة 13 ديسمبر 2013م الموافق 10 صفر 1435هـ

تصريحان إيرانيان على أثير التسويات

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رغم الضجة التي أثيرت مؤخراً حول العقوبات الأميركية على إيران، إلا أن ما لفتني من بين عشرات التصريحات الإيرانية، لفتتني جملة تفوَّه بها قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري. ماذا قال هذا الجنرال النافذ في إيران، والمتسيِّد على أهم منظومة عسكرية وأمنية واقتصادية فيها؟

قال: «الحرس الثوري ليس لديه برنامج حالياً يرمي لرفع مدى صواريخه وذلك وفق توجيهات قائد الثورة الإسلامية»، ويعني به المرشد.

تصريح آخر لفتني أيضاً، وهو لنائب القائد العام للحرس الثوري العميد حسين سلامي الذي تحدث خلال ملتقى التدبير الثوري. سلامي قال: «نفوذنا على الأقل حتى شرق المتوسط»، و«ما دامت المسارات الدبلوماسية بإمكانها أن تفتح باباً لتسوية القضايا، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تسعى إلى إثارة الأزمة أمام العالم». انتهى.

هذان التصريحان لافتان جداً. وقد اعتدنا على المسئولين العسكريين الإيرانيين خلال أربع وثلاثين سنة، أنهم يُصرِّحون عندما يريدون ذلك، وفق سياسة المجسَّات وطرح الرسائل، التي قد تأتي أحياناً مُغلفة بحشو كثير، وعلى المعنيين أن يبحثوا عن لُبِّها ومراميها.

كما أنهم (أي الإيرانيين) يختارون الزمان والمكان بعناية (والشخص أيضاً) في رسائلهم، خصوصاً وأنهم يحكمون بمراتب سياسية مرئية وأخرى مخفية. والحقيقة، أن تصريحي جعفري وسلامي يأتيان في هذا السياق: نريد أن نقول شيئاً في هذا الوقت وعبر هذين الرجليْن.

نأتي الآن إلى قراءة التصريحيْن المذكوريْن. فحين يقول قائد الحرس الثوري الإيراني، أنه «ليس لديه برنامج حالياً يرمي لرفع مدى صواريخه»، وفي الجهة الأخرى نرى حديثاً في أروقة الإدارة الأميركية حول إمكانية التخلي عن «مشروع الدرع الأميركي المضاد للصواريخ في أوروبا» أو تخفيفه، وهو الذي من دواعيه، التصدي للصواريخ الإيرانية، فإن الموضوع يتصل بتسويات «عسكرية» أفرزتها التسوية «النووية» التي حصلت في جنيف الشهر الماضي.

وعندما يقول سلامي أن نفوذ إيران هو حتى شرق المتوسط على الأقل (وليس كما كان يقال في السابق في طهران بأن صواريخها قد تصل إلى وسط أوروبا) وهي مناطق الهلال الخصيب وما حولها، وفي المقابل يتحدّث الأميركيون عن شراكة جديدة في غرب آسيا، فهذا يعني أن التسوية قد تمتد إلى أشياء أخرى. هذه تفسيرات أوليَّة للتصريحيْن.

هذا الموضوع يعطينا تصوُّراً لشكل التسوية الدولية القادمة في المنطقة، فالموضوع متدرِّجٌ ومتدحرجٌ في آن واحد. إذ لا يعقَل أن يحظى اتفاق إطار، بكل تلك الهالة الإعلامية، والتحوُّلات في العلاقات السياسية، ما بين الرفض والقبول بمجرَّد أن اتفاقاً أوَّلياً ستعقده سبع دول بشأن منشآت نووية! هذا الأمر بعيد عن الاستيعاب بالمطلق.

الإيرانيون، وعندما حرَّكوا مقوَد السياسة، للالتفاف مئة وثمانين درجة، كانوا على دراية بأن التغيير الذي يريدونه لا ينحصر في منشآت نووية، ولا في يورانيوم ولا في معمل أبحاث! فمثل هذه الأمور يُمكن حلها عبر المنظمة الدولية للطاقة الذرية، لذا، فهم سعوا أن يكون الموضوع متعلقاً بحزمةٍ من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية.

الأميركيون قالوا جهاراً، أنه لم يكن أمامهم الكثير من الخيارات تجاه إيران في جنيف، كما قال الرئيس السابق لـ «سي آي أي» مايكل هايدن في مقابلة مع فوكس، وأن حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف «قد لا يكونان من المعتدلين ولكنهما أفضل محاورين إيرانيين يمكن لنا التفاوض معهم»، وبالتالي هم يقبلون بهذه الصفقة لحاجةٍ مُلِحَّة.

والحقيقة، أن تسوية القضايا الموجودة في ثلاث دوائر: شرق المتوسط ومنطقة شبه الجزيرة العربية وجنوب غرب آسيا سيعني ذهاب خيارات الدبلوماسية القاسية، فضلاً عن الخيارات العسكرية، خصوصاً مع بدء استعدادات الجيش الأميركي للانسحاب من أفغانستان، وإعادة التموضع في بحر الصين، وتشكيل المنظومتين الأمنيتين في حافة أوروبا (وبالتحديد في المناطق ذات العلاقة بأماكن الصَّد أمام الروس إلى آسيا الوسطى) بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط. هذه الأمور غاية في الأهمية بالنسبة للعالم.

مثل هذه الملفات، لا يمكن حلها إلاَّ عبر حلول جماعية، وإبعاد هامش القوة عنها. وربما كانت التجارب السابقة، دليلاً على عدم القدرة على حلها بالطرق الصَّلبة. وقد أدت أزمة العراق إلى اختلال التوازن في الغرب الآسيوي، وأزمة أفغانستان إلى اضطراب أمني في الجنوب الغربي الآسيوي، والحرب الأهلية في الصومال إلى انفراط الاستقرار في القرن الإفريقي وخليج عدن، الأمر الذي دفع بالجميع إلى التفكير في ضرورة حماية هذه المناطق، من تمدُّد الصراع فيها وحولها.

وربما أكَّدت الأزمة السورية المتفجرة منذ ألف يوم، على تلك الملفات وجعلت من موضوع التسويات أمراً لابد منه وسط كل هذا الاضطراب الذي يغطي أغلب مناطق الشرق الأوسط. كما أن القطبية الثنائية، التي فرضها الحضور الروسي في المنطقة، جعل من موضوع المفاضلة بين الحلفاء فرصةً لتنويع خيارات الأمن والاستقرار والتحالفات، وأيضاً للضغوط في المسائل السياسية.

كل ما يتمناه ساكنو هذه المنطقة الممتدة، هو أن تهجع قعقعة السلاح، لصالح الحلول الجماعية والسلمية، بعيداً عن تسجيل النقاط في ساحات المتخاصمين، والتي لن تنفع أحداً بالمرة. ومع ترحيب قمة مجلس التعاون في الكويت بالاتفاق النووي الغربي مع إيران، ورسائل الأخيرة عبر حكومة جديدة يرأسها حسن روحاني، وأيضاً مع ضرورة عقد مؤتمر جنيف، تنتاب المرء رغبة قوية في أن يُسفر كل ذلك عن تسويات مُرضِيَة للجميع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4116 - الجمعة 13 ديسمبر 2013م الموافق 10 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:34 ص

      متابع ( 2 )

      نرجوا من الكاتب أن يشرح لنا هذه القضية : ماذا تعني اسرائيل بالنسبة للغرب و العالم ؟ ما هي أهميتها بالنسبة للغرب ( امريكا تحديدا ) ؟ ما هي المصلحة التي توفرها لهم بحيث يولونها و يولون أمنها كل هذا الاهتمام و كل هذا العمل ( من نزع الكيميائي في سوريا إلى اتفاق نووي في ايران ) ؟ لماذا يتسابقون لنيل رضاها ( تصريحات الزعماء و زياراتهم المتكررة ) ؟ بل حتى روسيا ظاهرا في خط الدفاع عنها ! ..... و أخيرا متى يمكن أن يوقفوا التضحية لأجلها أو يحصل بينهم ( افتراق مصالح ) ؟

    • زائر 5 | 6:33 ص

      متابع

      نرجوا من الكاتب القدير أن يكتب لنا مقالات تتناول الأمور التالية : 1- قضية النفط الصخري في أمريكا و تأثيرها على امريكا اقتصاديا و على علاقاتها الاقتصادية و السياسية مع العالم و الدول النفطية بالأخص ، وأخص من ذلك الخليج ( هل صحيح أنها ستتخلى عن الخليج قريبا بسبب ذلك ؟ ) ...... 2- سوريا : الواقع الميداني ، أين تسيطر المعارضة تحديدا و أين يسيطر النظام ؟ بغض النظر عن التهويل الاعلامي لكلا الطرفين ، و أيضا من يتقدم الآن عسكريا و سياسيا ؟ أم أن الوضع شبه ثابت ؟ نسبة الاراضي التي يسيطر عليها الطرفين ؟

    • زائر 3 | 2:41 ص

      ايران عدو أبدي

      كل ما تتمناه شعوب المشرق العربي هو ان تكف ايران عن نشر النعرات الطائفي هو يكف حلفائها عن قتل الشعب السوري الشقيق

    • زائر 2 | 12:31 ص

      نصيحة لهم

      الايرانيون من مصلحتهم تخفيف الضغط على شعبهم وترك الشعارات حول فلسطين ومصر وغيرها التي لم تجلب لهم سوى الخسارة اذا كانت مصالحكم مع الامريكان فلا تترددوا ان تقيموا مع امتن العلاقات والسموحة عاد

    • زائر 1 | 11:55 م

      قل خيراً أو اصمت

      المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا تكلم عرف!

    • زائر 4 زائر 1 | 4:44 ص

      أسف

      قيلت هذه الجملة في حق المعتزلة حتى كفروهم! تحكيم العقل ممنوع

اقرأ ايضاً